(الصفحة 378)
عمرته و عليه ان يقيم بمكّة حتى يدخل شهر آخر فيخرج الى بعض المواقيت فيحرم منه ثم يعتمر(1). و هذه الروايات كما تدلّ على فساد العمرة المفردة بالجماع قبل السعي و على ثبوت الكفّارة لاجله كذلك تدل على لزوم القضاء و انّه لا بد ان يؤتي به في غير الشهر الذي اعتمر فيه و هذه الجهة تؤيد ما ذكرنا سابقا في مبحث العمرة المفردة من ان الفصل المعتبر بين العمرتين هو عبارة عن تغير عنوان الشهر و خروج شهر و دخول آخر و لو كانت العمرتان في يومين متعاقبين ك آخر شهر و اوّل شهر آخر كما انّها تدل على ان قوله (عليه السلام) لكل شهر عمرة يشمل ما اذا وقعت عمرة شهرفاسدة بالجماع و نحوه و لا يختص بما اذا كانت العمرتان صحيحتين.
و امّا لزوم الخروج الى بعض المواقيت فان كان المراد بالبعض ما يشمل ادنى الحلّ الذي هو ميقات العمرة المفردة امّا مطلقا لمن لم يمرّ على الميقات او محاذيه او في اكثر الموارد فلا بأس به و ان كان المراد به خصوص المواقيت الخمسة او الستّة التي وقّتها رسول الله (صلى الله عليه وآله) و قد مرّ البحث عنها تفصيلا فلا يبعد ان يقال باختصاص مورد الروايات بما اذا كان احرام العمرة التي افسدها منها و امّا لو فرض كون احرامها من ادنى الحلّ كالتنعيم و الجعرانة و نحوهما فالظاهر انّ افسادها لا يوجب الخروج الى بعض تلك المواقيت فتدبّر هذا كله في العمرة المفردة.
و امّا عمرة التمتّع فقد قال صاحب المدارك: «انّ ظاهر الاكثر و صريح البعض عدم الفرق بينها ـ يعني العمرة المفردة ـ و بين عمرة التمتّع و ربما اشعر به صحيحة معاوية بن عمّار قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل متمتّعوقع على امرأته و لم يقصّر قال: ينحر جزورا و قد خشيت ان يكون ثلم حجّه ان
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني عشر ح ـ 4.
(الصفحة 379)
كان عالما، و ان كان جاهلا فلا شىء عليه(1) فان الخوف من تطرق الفساد الى الحج بالوقاع بعد السعي و قبل التقصير ربما اقتضى تحقق الفساد و بوقوع ذلك قبل السّعي».
و اورد عليه صاحب الجواهر (قدس سره) اوّلا بانه لم يعرف اطلاقا لغير المصنّف ـ يعني المحقق في الشرايع ـ بل قد يظهر من ذيل كلامه ارادة خصوص العمرة المفردة نعم عن ابي الصلاح التصريح بفساد المتعة بالجماع قبل طوافها و سعيها و انّ عليه بدنة.
و ثانيا بان الوقاع بعد السّعي قبل التقصير لا يوجب الفساد بل البدنة خاصّة بمقتضى الصّحيحة و غيرها فكيف يثلم به الحج و الفحوى لو تمسّك بها انما تكون حجة لو قلنا بحجية اصلها و الاّ فلا كما هنا ثم مال الى وجود الاشعار في الرواية بالفساد في ذيل كلامه.
اقول: امّا الفتاوى فالظاهر عدم ثبوت شهرة على الفساد في عمرة التمتّع لما عرفت من انّ كلام المحقّق في الشرايع و ان كان يمكن استظهار العموم منه الاّ ان صريح العلامة في القواعد الاستشكال فيه و ان حكى عن فخر المحقّقين في شرحه ان الاشكال في فساد الحج بعدها لا في فساد العمرة و ان الاشكال ينشأ من دخول العمرة في الحج، و من انفراد الحج بالاحرام و نسب ذلك الى تقرير والده لكنّه استضعفه صاحب المدارك بان حج التمتّع لا يعقل صحّته مع فساد العمرة المتقدمة عليه نعم وجّهه صاحب الجواهر بأن المراد بالفساد النقص و عدم الكمال و هو كماترى في غاية البعد كما انّ ما حكى عن الرياض من ان عدم اشكالهم في الفساد لعدم الخلاف فيه و الاّ فالنصوص مختصة بالمفردة غير تام و كيف كان فلم تثبت الشهرة على الفساد بوجه.
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث عشر ح ـ 4.
(الصفحة 380)
و امّا النص فالرواية المنحصرة في هذا الباب هي صحيحة معاوية المذكورة في كلام المدارك و امّا سائر الروايات فهي دالة على ثبوت الكفارة و لا ملازمة بينها و بين الفساد كما هو ظاهر و قد عرفت وقوع البحث فيها من حيث دلالتها على الفساد او اشعارها به او عدمهما معا لكن الّذي اوجب حمل الرواية على عمرة التمتع قول السائل: و لم يقصر بلحاظ تعين القصر في خصوص عمرة التمتّع مع انّ الظاهر كما نقل الرواية بعينها صاحب الوسائل في باب آخر ان قوله كان: و لم يزد مكان و لم يقصّر. و اليك بملاحظتها قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن متمتّع وقع على اهله و لم يزر قال ينحر جزورا و قد خشيت ان يكون قد ثلم حجّه ان كان عالما و ان كان جاهلا فلا شيء عليه، و سئلته عن رجل وقع على امرأته قبل ان يطوف طواف النساء قال عليه جزور سمينة، و ان كان جاهلا فليس عليه شيءالحديث(1). و انت خبير بان الرواية على هذا النقل واردة في حج التمتع و لا ارتباط لها بعمرته فان قوله لم يزر يكون المراد به عدم اتيانه بطواف الحج الذي يسمّى بطواف الزيارة كما ان سؤاله عن الوقاع قبل طواف النساء عقيب السؤال الاول يختص بالحج و الفرق بينه و بين السؤال الثاني هو تحقق الوقاع في السؤال الاول قبل طواف الحج و في السؤال الثاني قبل طواف النساء و هذا يناسب مع التعبير بالثلمة في الحج و الاّ فلا ارتباط ظاهرا بين تحقق الوقاع في العمرة و ثبوت خشية الثلمة في الحج كما لا يخفى نعم في نقل الصدوق: و لم يقصر لكن الرواية التي تردد نقلها بين امرين لا يكون احدهما مرتبطا بعمرة التمتّع لا مجال للتمسك بها كما هو ظاهر.
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب التاسع ح ـ 1 و اورد ذيلها في باب 18 من هذه الابواب ح ـ 2و هو قوله سئلته عن رجل قبل امرأته و قد طاف طواف النساء و لم تطف هى قال عليه دم يهريقه من عنده.
(الصفحة 381)
نعم هنا وجوه اخر استدل بها لفساد عمرة التمتع ينبغي التعرض لها و ملاحظة صحّتها و سقمها فنقول:
منها: انّك عرفت ان مقتضى النص و الفتوى بطلان العمرة المفردة بالجماع قبل السّعي و الظاهر انه لا فرق بينها و بين عمرة التمتّع بعد كونهما طبيعة واحدة و اشتراكهما في جلّ الاعمال و مجرد الاختلاف في وجوب طواف النساء في الاولى و استحبابه في الثانية و في لزوم وقوع الثانية قبل الحج و في اشهره و ارتباطها بالحج دون الاولى لا يوجب الاختلاف في هذه الجهة التي هي مورد البحث.
و الجواب عنه واضح فانه لم ينهض دليل على اشتراكهما في جميع الاحكام الاّ ما خرج بدليل خاص و مجرّد اشتراكهما في عنوان العمرة و في جلّ الاعمال لا يقتضي ذلك بوجه كما هو ظاهر.
و منها: ما سيأتي من دلالة روايات متعددة على ان الجماع قبل الوقوف بالمشعريوجب فساده و لزوم اعادته في العام القابل و حيث انّ عمرة التمتّع جزء للحج و واقعة قبله يكون مقتضى اطلاق تلك الروايات الشمول للجماع فيها لانه يصدق عليه انّه جماع قبل الوقوف بالمشعر.
و فيه: مضافا الى ان مقتضى ذلك البطلان بسبب الجماع بعد السعي و قبل التقصير مع انّ الظاهر انه لم يقل به احد انّ عمرة التمتّع و ان كانت جزء للحج الاّ ان عنوان العمرة مطلقا مغاير لعنوان الحج في الكتاب و السنّة قال الله تعالى:
(و اتمّوا الحج و العمرة لله) و قال ايضا
(فمن حجّ البيت او اعتمر) و قال ايضا في ذيل الآية الاولى: فمن تمتّع بالعمرة الى الحج و عليه فالاحكام الثابتة في مورد الحج لا تشمل العمرة بوجه الاّ مع قيام الدّليل فالمراد من تلك الروايات هو الجماع قبل الوقوف في الحجّ.
و منها: اطلاق بعض الرّوايات الدالة على الفساد و عدم اختصاصها بالحجّ
(الصفحة 382)
كصحيحة زرارة قال سئلته عن محرم غشى امرأته و هي محرمة قال: جاهلين اوعالمين؟ قلت: اجنبي في (عن خ) الوجهين جميعا قال: ان كانا جاهلين استغفرا ربّهما و مضيا على حجّهما و ليس عليهما شيء، و ان كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي احدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحجّ من قابل، فاذا بلغا المكان الذي احدثا فيه فرّق بينهما حتّى يقضيا نسكهما، و يرجعا الى المكان الّذي اصابا فيه ما اصابا، قلت فايّ الحجتين لهما؟ قال: الاولى التي احدثا فيها ما احدثا، و الاخرى عليهما عقوبة(1). فان مقتضى اطلاق السؤال الشمول لعمرة التمتّع ايضا.
و اجاب عنه بعض الاعلام بما حاصله: «ان كان المراد بالامر بالحج من قابل فساد الحج الذي وقع فيه الجماع فسادا حقيقيا و مرجعه الى ان ما اتى به لا يحسب من الحج و ان وجب عليه اتمامه و يجب عليه الحج من قابل فعدم صحّة الاستدلال بالرواية بالنسبة الى عمرة المتعة واضح جدّا لان فسادها لا يوجب عليه الحج من قابل لان تداركها امر سهل غالبا فيخرج الى خارج الحرم كالتنعيم و نحوه و مع عدم التمكّن ينقلب حجّه الى الافراد فذكر الحج من قابل قرينة على وقوع الجماع في احرام الحج.
و ان قلنا بان الحج الاوّل حجّه و الثاني عقوبة عليه و الحكم بالفساد تنزيلي باعتبار لزوم الاتيان به في القابل و لو عقوبة فهذا يمكن فرضه في عمرة المتعة بان يجب عليه الحج من قابل عقوبة عليه و لكن الروايات لا تشملها لان الامربالتفريق في الحج الثاني حتى يقضيا نسكهما و يرجعا الى المكان الذي اصابا فيه ما اصابا قرينة قطعية على وقوع الجماع في الحج لا العمرة اذ لا يتصور في عمرته الرجوع الى المكان المذكور غالبا بخلاف الحاجّ فانه اذا حدث هذا الحدث في مكّة
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 9.