(الصفحة 59)
كما ان ظاهر الرواية هو المسير بالمقدار المذكور في جانب المسجد و سمتهو جهته و ان استشكلنا فيها من جهة اطلاق قوله (عليه السلام)ثم بدا له ان يخرج في غير طريق اهل المدينة الاّ ان ما ذكرنا من انّ قوله: حذاء الشجرة ارجاع الى المعنى العرفى قرينة على تقييد الاطلاق و اختصاصه بخصوص السمت و الجهة كما لا يخفى.
و الظاهر ان الفصل البعيد يمنع عن تحقق المحاذاة و ان كان عن يمين الميقات او يساره و كان الموصل هو الخط المستقيم بل اللازم اعتبار القرب و على تقدير العدم فالرواية لا تدل على ازيد من الاكتفاء بالمحاذاة اذا كان قريبا فان مسيرة ستة اميال من جهة مسجد الشجرة عن يمينه او يساره لا يتحقق الاّ مع القرب و لا يعقل تحققه مع البعد فلا دليل على جواز الاحرام من المحاذى البعيد.
و يؤيّد ذلك ان اهل العراق يجب عليهم الاحرام من وادى العقيق مع محاذاتهم ظاهرا لمسجد الشجرة قبل العقيق على بعد و كذا اهل الشام بالاضافة الى الجحفة مع محاذاتهم لمسجد الشجرة قبلها فيدل ذلك على عدم الاكتفاء بالمحاذاة مع البعد و الاّ لكان اللازم عليهم الاحرام من محاذى مسجد الشجرة قبل العقيق و الجحفة فتدبّر.
فانقدح ان المراد بالمحاذاة ما افيد في المتن مع ضمّ عدم الفصل كثيرا و عدم كون المحاذاة بعيدا.
و امّا ما في ذيل المسئلة من الاستشكال في المحاذاة من فوق كالحاصل لمن ركب الطّيارة مع فرض امكان الاحرام من المحاذاة فيها و لا يتصور عادة الاّ بالاضافة الى مثل العقيق الذي له مسافة طويلة نسبتا و امّا بالنسبة الى مثل مسجد الشجرة فلا يمكن عادة الاّ اذا كان الطائر مثل ما يسمّى به (هليكوبتر) القادر على التوقف في الفضاء بمقدار الاحرام بل أزيد.
(الصفحة 60)مسألة 6 ـ تثبت المحاذاة بما يثبت به الميقات على ما مرّ بل بقول اهل الخبرة و تعيينهم بالقواعد العلمية مع حصول الظنّ منه1.
فمنشأه الاشكال في صدق المحاذاة على مثله و لكن الظاهر ان العرف لا يأبي عن ذلك و اعتبار اليمين او اليسار على ما عرفت انّما هو بالاضافة الى الخلف اوالقدام لا في مقابل الفوق ايضا.
و يمكن ان يستأنس لذلك بمرسلة الصدوق في العلل عن الحسين بن الوليد عمن ذكره قال قلت لابى عبد الله (عليه السلام) لاىّ علّة احرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مسجد الشجرة و لم يحرم من موضع دونه فقال: لانه لما اسرى به الى السماءو صار بحذاء الشجرة نودى يا محمد قال لبيك، قال: الم اجدك يتيما ف آويتك و وجدتك ضالا فهديتك، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) انّ الحمد و النعمة و الملك لك لا شريك لك فلذلك احرم من الشجرة دون المواضع كلّها(1). فان التعبير بالحذاء فيها بالاضافة الى الفوق و الاتيان بالتلبية فيه يلائم مع ما ذكرنا و لا ينافي ذلك عدم حجية الرواية لاجل الارسال فتدبر.
و كيف كان لا يبعد دعوى الاكتفاء بالمحاذاة من فوق في صورة الامكان على ما عرفت و ان كان مقتضى الاحتياط خلافه.
1 ـ لاخفاء في انه تثبت المحاذاة بما يثبت به الميقات و لكنك عرفت الاشكال في ثبوته بقول اهل الاطلاع بمجرد حصول الظن منه لعدم الدليل على حجيّة مثل هذا الظنّ و اضاف في المتن هنا امرا آخرا و هو قول اهل الخبرة الناشى من القواعد العلميّة الهندسية او الهيويّة بشرط حصول الظنّ منه و يرد عليه مااوردناه على قول اهل الاطلاع من عدم الدليل على الحجيّة و انه ان كانت الخبروية ملاكا للاعتبار و الحجية فلا حاجة الى حصول الظن الشخصى من قول
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الاوّل ح ـ 13.
(الصفحة 61)مسألة 7 ـ ما ذكرنا من المواقيت هي ميقات عمرة التمتع و هنا مواقيت اخر. الاوّل مكة المعظمة و هي لحج التمتّع، الثاني دويرة الاهل اي المنزل و هي لمن كان منزله دون الميقات الى مكة بل لاهل مكّة و كذا المجاور الذي انتقل فرضه الى فرض اهل مكّة و ان كان الاحوط احرامه من الجعرانة فانهم يحرمون بحج الافراد و القران من مكة، و الظاهر ان الاحرام من المنزل للمذكورين من باب الرّخصة و الاّ فيجوز لهم الاحرام من احدالمواقيت، الثالث ادنى الحلّ و هو لكلّ عمرة مفردة سواء كانت بعد حج القران او الافراد ام لا و الافضل ان يكون من الحديبية او الجعرانة او التنعيم و هو اقرب من غيره الى مكة1.
اهل الخبرة و ان لم تكن كذلك فالظنّ الحاصل منه لم ينهض ايضا دليل على اعتباره و قد ذكرنا في طرق ثبوت الميقات طريق الاحتياط الموصل الى تحقق الاحرام الصحيح جزما و يزيد هنا انه في فرض التمكن من الذهاب الى الميقات يكون مقتضى الاحتياط ترك الاحرام من المحاذات مع عدم ثبوتها.
1 ـ ذكر في المتن ان المواقيت الخمسة او الستّة ـ بضميمة المحاذاة ـ السابقة انّما هي ميقات عمرة التمتع و المراد ان عمرة التمتع لا بد و ان يقع احرامها من احد هذه المواقيت لا انّ غير عمرة التمتع لا يصح ان يقع احرامها منه ضرورة انّ من يريد العمرة المفردة من المدينة ـ مثلا ـ لا بد و ان يحرم من مسجد الشجرة كما ان من يريد حج القران او الافراد منها لا بد و ان يحرم منه كما اذا اتى بحجة الاسلام بصورة التمتع ثم اراد الحج استحبابا باحدى الصورتين الآخرتين فانه لا بدّ من الاحرام من مسجد الشجرة و في المتن انّ هنا مواقيت أخر:
الاوّل: مكة المعظمة و هي ميقات لحج التمتع بالمعنى الذي ذكرنا في كون المواقيت المتقدمة ميقاتا لعمرة التمتع فكون مكّة ميقاتا لحج التمتع معناه عدم وقوع احرام الحج بعد الفراغ عن عمرة التمتع من غير مكة و قد عرفت ان الافضل مسجد الحرام و لا يكون معناه عدم صحة احرام غير حج التمتع من مكّة كيف و قد
(الصفحة 62)
صرح في المتن بعد سطر بان اهل مكة ـ مع كون وظيفتهم القران او الافراد يكون ميقاتهم دويرة الاهل اى المنزل و ان كان يجوز لهم الاحرام من احد المواقيت فكون مكة ميقاتا لحج التمتع معناه ما ذكر و لا اشكال و لا خلاف في ذلك و قد مرّ البحث عنه مفصّلا.
الثاني: دويرة الاهل اى المنزل و هي ميقات لمن كان منزله دون المواقيت الى مكة و لا شبهة فيه فتوى و نصا امّا الفتاوى ففى الجواهر: بلا خلاف فيه بل الاجماع بقسميه عليه بل عن المنتهى: انه قول اهل العلم كافة الاّ مجاهدا.
و امّا الروايات فكثيرة و قد عقد في الوسائل بابا لذلك.
منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن ابى عبد الله (عليه السلام) قال من كان منزله دون الوقت الى مكّة فليحرم من منزله(1).
ومنها: ما رواه الشيخ بعد روايته الصحيحة الاولى قال: و قال في حديث آخر اذا كان منزله دون الميقات الى مكة فليحرم من دويرة اهله(2).
و منها: صحيحة مسمع عن ابى عبد الله (عليه السلام) قال اذا كان منزل الرجل دون ذات عرق الى مكّة فليحرم من منزله(3).
و منها: رواية ابى سعيد قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عمن كان منزله دون الجحفة الى مكة قال: يحرم منه(4).
و منها: مرسلة الصدوق المعتبرة قال: و سئل الصادق (عليه السلام) عن رجل منزله خلف
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب السابع عشر ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب السابع عشر ح ـ 2.
- 3 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب السابع عشر ح ـ 3.
- 4 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب السابع عشر ح ـ 4.
(الصفحة 63)
الجحفة من اين يحرم؟ قال: من منزله(1).
و منها: ما رواه الصدوق ايضا قال: و في خبر آخر من كان منزله دون المواقيت ما بينه و بين مكّة فعليه ان يحرم من منزله(2). اذا عرفت ذلك فالكلام يقع في امر و هو انّه:
هل المعتبر هو القرب الى مكة او الى عرفات فالمشهور هو الاوّل و المحكى عن الشهيد في اللمعة هو الثاني و في المدارك نقله عن المحقق في المعتبر و عن الشهيد الثاني في المسالك: «لو لا النصوص امكن اختصاص القرب في العمرة بمكة و في الحج بعرفة اذ لا يجب المرور على مكة في احرام الحج من المواقيت».
هذا و لكن مقتضى الروايات اعتبار القرب الى مكة اوّلا كما ان مقتضى اطلاقها انه لا فرق في ذلك بين الحج و العمرة ثانيا و قال سيّد المستمسك في الاشكال على قولى الشهيدين: «العمدة في الاشكال ان المراد من القرب الى مكة انه دون الميقات الى جهة مكّة و هذا يلازم كونه اقرب الى عرفات من الميقات فلا تفاوت بين العبارتين عملا و لا خارجا و ان كان بينهما تفاوت مفهوما».
و اورد عليه بان الظاهر هو الفرق بين التحديد بالقرب الى مكّة او الى عرفات لانه لو فرض وقوع عرفات بين منزله و مكّة و كان الفصل بين منزله و عرفات ثلاثة عشر فرسخا و فرض وقوع اقرب المواقيت في الجهة المقابلة لعرفات فح يتحقق الفرق بين الامرين فانه على تقدير كون المعيار هو القرب الى عرفات لا بد من الاحرام من منزله لكونه اقرب الى عرفات من اقرب المواقيت الذي يكون الفصل بينه و بين مكة ما يقرب من ستّة عشر فرسخا و على تقدير كون المعيار هو القرب
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب السابع عشر ح ـ 6.
- 2 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب السابع عشر ح ـ 7.