(الصفحة 214)
المقام الثاني:
في العمرة المفردة و احرامها قد يتحقق من احد المواقيت المعروفة كالمدني اذااراد العمرة المفردة من المدينة و قد يتحقق من ادني الحلّ كالتنعيم و نحوه كالمكّى اذا اراد العمرة المفردة حيث يخرج من مكة الى ادني الحلّ و يحرم منه و كالوارد على مكّة من دون ان يمرّ على الميقات كما في احرام الرسول (صلى الله عليه وآله) من الجعرانة بعدرجوعه من غزوة حنين على ما مرّ و كما في احرام الايرانيين الذين يدخلون جدّة مع الطائرة على ما تقدم تحقيقه منّا من جواز احرامهم في العمرة المفردة من ادنى الحلّ و لا يلزم عليهم الذهاب الى الميقات و الاحرام منه و عليه فلاحرام العمرة المفردة صورتان:
احديهما: الاحرام من ادني الحلّ و قد ورد فيها روايتان: احديهما واردة في خصوص من خرج من مكة مريدا لها و الثانية مطلقة امّا الاولى فصحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه السلام) في حديث: و من خرج من مكّة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر الى الكعبة(1).
و امّا الثانية: فصحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال من اعتمر من التنعيم فلا يقطع التلبية حتى ينظر الى المسجد(2). و الظاهر انه لا خصوصية للتنعيم بل ذكره انّما هو في مقابل الاحرام من الميقات كما انها مطلقة من حيث الخروج من مكة لارادة الاعتمار و من حيث غيره كما في الفروض التي اشرنا اليها.
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الخامس و الاربعون ح ـ 8.
- 2 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الخامس و الاربعون ح ـ 4.
(الصفحة 215)
و امّا جعل المنظور هو المسجد مطلقا من دون التخصيص بالكعبة فيمكن الجمع بينهما بالاطلاق و التقييد و يمكن ان يقال بان المراد من النظر الى المسجد النظر اليه من الداخل غير المنفك عن النظر الى الكعبة فالملاك هو النظر اليهالا اليه مطلقا.
ثانيتهما: الاحرام من احد المواقيت و قد ورد فيه روايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال:
و ان كنت معتمرا فاقطع التلبية اذا دخلت الحرم(1). و الظاهر كما مرّ ان الاطلاق في مثل المعتمر و العمرة ينصرف الى العمرة المفردة و الحكم بقطع التلبية اذا دخل الحرم قرينة على عدم كون الاحرام من ادنى الحلّ لعدم الفصل ـ ح ـ بين شروع الاحرام و قطع التلبية فلا محالة يكون المراد هو الاحرام من احد المواقيت.
و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال من دخل مكّة مفردا للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الابل اخفافها في الحرم(2).
و منها: موثقة مرازم عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية اذا وضعت الابل اخفافها في الحرم(3). هذا و لكن في مقابلها روايات ظاهرة في انه تقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكّة كما في عمرة التمتّع:
احديها: صحيحة الفضيل بن يسار قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) قلت دخلت بعمرة فاين اقطع التلبية قال: حيال العقبة عقبة المدنيين فقلت اين عقبة
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الخامس و الاربعون ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الخامس و الاربعون ح ـ 2.
- 3 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الخامس و الاربعون ح ـ 6.
(الصفحة 216)
المدنيين قال بحيال القصّارين(1). و معارضتها مع الروايات المتقدمة انّما هي على تقدير كون المراد من العمرة اذااطلقت هى العمرة المفردة و امّا على تقدير كون المراد منها مطلق العمرة الشاملة لعمرة التمتع ايضا تكون الروايات المتقدمة الدالة على ان قطع التلبية في العمرة المفردة انّما هو عند دخول الحرم مقيدة لاطلاق الصحيحة و موجبة لحملها على عمرة التمتع التي دلت رواياتها على ان قطع التلبية فيها عند مشاهدة بيوت مكّة كمامرّت في المقام الاوّل.
ثانيتها: رواية يونس بن يعقوب قال سئلت ابا عبد الله ـ عن الرجل يعتمر عمرة مفردة من اين يقطع التلبية قال: اذا رأيت بيوت مكّة ذى طوى فاقطع التلبية(2). و قد عبّر سيد المستمسك (قدس سره) عن الرواية بالموثقة مع ان في سندها محسن بن احمد و لم يوثق و ـ ح ـ ان اعرضنا عنها نظرا الى ضعفها و الاّ فيأتي فيها ما يأتي في الرواية الآتية.
و ثالثتها: صحيحة احمد بن محمد بن ابي نصر قال سئلت ابا الحسن الرّضا ـ عليه السلام ـ عن الرجل يعتمر عمرة المحرّم من اين يقطع التلبية قال كان ابو الحسن (عليه السلام) من قوله يقطع التلبية اذا نظر الى بيوت مكّة(3). هذا و قد حكى عن الصدوق (قدس سره) انه قد جمع بين جميع الروايات الواردة في العمرة المفردة بالحمل على التخيير و قد حكاه المحقق في الشرايع اوّل القولين قال فيه: «فان كان بعمرة مفردة قيل كان مخيّرا في قطع التلبية عند دخول الحرم اومشاهدة الكعبة و قيل ان كان ممن خرج من مكّة للاحرام فاذا شاهد الكعبة و ان
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الخامس و الاربعون ح ـ 11.
- 2 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الخامس و الاربعون ح ـ 3.
- 3 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الخامس و الاربعون ح ـ 12.
(الصفحة 217)
كان ممّن احرم من خارج فاذا دخل الحرم و الكل جائز» و لكن تبعه المحقق في النافع و نسب الى كاشف اللثام ايضا.
و يرد عليه انه ان كان المراد هو الجمع بين الروايات بالحمل على التخييرفمضافا الى عدم كونه جمعا مقبولا عند العقلاء على فرض التعارض عدم كونه منطبقا على دعواه لان الروايات الاخيرة تدل على ان قطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكّة لا مشاهدة الكعبة فعلى ما تحمل هذه الروايات؟ !و ان كان المراد هو التخيير في باب التعارض فهو التخيير في المسئلة الاصولية و لا يجدي في المسئلة الفقهية.
و حكى عن الشيخ (قدس سره) انه قد جمع بينها بحمل ما دل على القطع عند دخول الحرم على غير من اتى من طريق المدينة او العراق و حمل رواية يونس على من اتى من طريق العراق و صحيحة فضيل على من اتى من طريق المدينة و حمل ما دلّ على القطع عند النظر الى الكعبة على من خرج من مكّة مريدا للعمرة.
و يرد عليه انه لا اشعار في صحيحة البزنطي على الاختصاص بالطريقين كماانه لا اشعار في شيء من روايات القطع عند دخول الحرم على الاختصاص بغيرهما فلا مجال لهذا الجمع ايضا.
ثم انه ذكر بعض الاعلام (قدس سره) بعد تقييد اطلاق صحيحة الفضيل بالعمرة المتمتع بها و تضعيف رواية يونس ان صحيحة البزنطى مطلقة من جهة ان العمرة المفردة التي اعتمرها قد خرج من مكة اليها او شرع فيها من احد المواقيت فلا مانع من حملها على الصورة الاولى التي يكون الاحرام فيها من ادني الحلّ كالتنعيم و نحوه نعم يبقى شىء و هو ان الحد المذكور فيها النظر الى بيوت مكّة مع انّ الحد في هذه الصورة هو النظر الى الكعبة قال و لكن يمكن رفع التنافي بالتلازم بين الامرين فان النظر الى بيوت مكّة يستلزم النظر الى الكعبة المشرفة لعلوّ البيت و ارتفاعه و نحو ذلك.
(الصفحة 218)
و انت خبير بوضوح بطلان التلازم بعد كون المسجد الحرام واقعا في مكان اسفل من بيوت مكّة مع كونها محاطة بالجبال المتفرقة المختلفة من حيث العلوّ و الارتفاع و من جهات اخرى و لاجلها لا يكون نفس المسجد ايضا مشاهدا الاّعند الوصول الى قريب منه فضلا عن الكعبة التي تكون محاطة بابنية المسجد كما لا يخفى.
فلا محيص من الالتزام بالاعراض عن هذه الرواية لعدم كونها موردا للفتوى حتى ان الصدوق جعل احد طرفي التخيير مشاهدة الكعبة و الشيخ ايضا التزم بان الغاية في هذه الصورة مشاهدتها لا مشاهدة البيوت فلا مانع من طرحها لاجل الاعراض و عليه فينقدح انّ الحق ما افاده في المتن تبعا للمشهور غاية الامر انك عرفت عدم اختصاص جعل الغاية النظر الى الكعبة بخصوص من خرج من مكّة مريدا للعمرة بل يشمل كل من كان يحرم من ادني الحل لها.
المقام الثالث:
في الحاج مطلقا بجميع انواعه سواء كان احرامه من احد المواقيت التي عرفت انّ منها دويرة الاهل و منها الجعرانة في بعض الموارد او من مكّة كما في التمتع و في القران و الافراد بالاضافة الى اهالى مكّة و لا خلاف فيه ظاهرا في انه يقطع التلبية عند زوال الشمس يوم عرفة الذي هو وقت شروع الوقوف بعرفات و يدل عليه اخبار مستفيضة:
منها صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) انه قال: الحاجّ يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس(1). و اطلاق الحاجّ يشمل المتمتع و القارن و المفرد.
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الاربعون ح ـ 1.