(الصفحة 162)
اعمالها و من الحجّ المترتب عليها و لو كان الواجب هو حجّ الافراد فالمفروض انه ايضا اتى بجميع ما اعتبر فيه من الاعمال و لم يقع فيه خلل سوى التقصير قبل الوقوفين الذي لا يترتب عليه في صورة الذكر و العمد الاّ استحقاق العقوبة و ثبوت الكفارة من دون ان يكون قادحا في صحة الحج بوجه و المفروض هنا وقوعه متصفابالجواز الذي حكم به العقل.
و ان اختار الحج فيأتي باعماله و يقصّر في محلّه فتتحقّق الموافقة الاحتمالية التي لا محيص عنها.
ثم انه ذكر بعض الاعلام (قدس سره) بعد الحكم بجواز التقصير في هذه الصورة لدوران امره بين الوجوب و الحرمة ان مقتضى التأمل وجوب التقصير لانه اذا جاز بحكم التخيير وجب لوجوب اتمام العمرة و الحج على ما يدل عليه قوله تعالى:
و اتموا الحج و العمرة لله لانه مع جواز التقصير يتمكن من الاتمام ثم قال: «و قدذكرنا نظير ذلك في كتاب التيمم في مسئلة ما لو كان عنده ماء و تراب و علم بغصبية احدهما فقد ذكر الماتن انه من فاقد الطهورين و لا يجوز له الوضوء و لاالتيمم و لكن قلنا هناك بوجوب الوضوء عليه ـ ح ـ لانه من دوران الامر بين المحذورين في كل من التيمم و الوضوء و يحكم بالتخيير و بجواز ارتكاب احد الطرفين فاذا جاز الوضوء وجب لانه واجد للماء فلم ينتقل الامر الى التيمم».
اقول: لو سلم ما افاده في كتاب التيمم فلا نسلم ما في المقام.
امّا اوّلا: فلما عرفت في بعض المباحث السّابقة من ان مفاد الآية المذكورة ليس هو وجوب الاتمام بعد الشروع بل الاتمام فيها بمعني الاداء و الاتيان كما «في الاقامة و الايتاء» في الصلوة و الزكوة و قد نقلناه عن بعض المحققين من المفسرين مضافا الى انه في نفس الآية بلحاظ ذيلها قرينة على عدم كون النظر الى الاتمام بعد الشروع بل الى اصل الاداء.
(الصفحة 163)مسألة 5 ـ لو نوى كحجّ فلان فان علم ان حجّه لما ذا صحّ و الاّ فالا وجه البطلان1.
و امّا ثانيا: فلانه على تقدير كون المراد بالاتمام هو الاتمام بعد الشروع لكن مفاد الاية هو لزوم اتمام ما شرع فيه و المفروض انّه وقع منسيّا عنه و يكون مردّدا بين حج الافراد و بين عمرة التمتع فما ذا يدل في هذا الحال على لزوم التقصيرو وجوبه بل امره دائر كما عرفت بين الوجوب و الحرمة و هذا بخلاف مسئلة الماء و التراب فانّ ما يوجب الوضوء و تعينه هو الجواز الحاكم به العقل و كونه واجدا للماء فوجدانه له بضميمة جواز التوضي به يوجب ان لا تصل النوبة الى التيمم بوجه و امّا المقام فلا يكون فيه ما يقتضي تعيّنه الظاهر في لزوم الاتيان به بعنوان عمرة التمتع نعم لو كان مراده هو اللزوم سواء اختار حج الافراد او عمرة التمتع فهذا لا يحتاج الى الاستدلال بالاية بل هو مقتضي العلم الاجمالي بضميمة عدم جواز رفع اليد عن الحج او العمرة بعد الشروع فيهما كما هو المسلّم بينهم ظاهرافتدبّر.
1 ـ لا شبهة في صحة احرامه في مفروض المسئلة لو علم ان فلانا بما ذا احرم من حج او عمرة و في الاوّل يكون حجّه تمتعا او قرانا او افرادا و في الثاني يكون عمرة التمتع او عمرة مفردة و في الجواهر نفي الخلاف و الاشكال لوجود المقتضي من النية و التعيين و عدم المانع.
كما انه لا شبهة ظاهرا في بطلان احرامه لو لم يحرم فلان اصلا لعدم تحقق احرام منه حتى ينوي مثله نعم لو كان منويه ما يكون متعلقا لنيّة فلان على تقدير ارادة العمل بمعني انه ينوي ما ينويه على تقدير تعلّق ارادته بالاحرام و يكون المنوي معلوما لا مجال للبطلان في هذه الصورة و في الجواهر: «و لو بان ان فلانا لم يحرم انعقد مطلقا و كان مخيرا بين الحج و العمرة كما عن الشيخ و الفاضل التصريح به» و فيه ما لا يخفى انّما الكلام فيما لو نوى كاحرام فلان و لكنّه لا يعلم بما ذا احرم
(الصفحة 164)
و فيه فرضان:
الفرض الاوّل:
ما اذا كان احرام الغير و ان كان غير متعين عنده حال الاحرام و لكن ينكشف له بعد الاحرام بالسؤال منه او بطريق آخر و البحث في هذا الفرض تارة من جهة القاعدة و اخرى من جهة النص الوارد فيه.
امّا من الجهة الاولى: فالظاهر انه لا مانع من الصّحة لان المفروض انه قد نوى ماهو المتعين واقعا و هو ما نواه الغير حال الاحرام غاية الامر عدم تعيّنه حال الاحرام و لا دليل على اعتبار ازيد من التعيين الاجمالي خصوصا مع ملاحظة تبدل الاجمال و الابهام الى الانكشاف كما هو المفروض فهو مثل ما اذا نوى ما هو وظيفته الشرعية التي هي عبارة عن حج التمتع ـ مثلا ـ من دون ان يكون عالما بعنوان التمتع و بكون عمرته متقدمة على حجّه و مرتبطة به كما يشاهد في كثير من العوام بل مع التلفظ بهذه العناوين لا يعرف معناها الاّ اجمالا و بالجملة لا دليل على بطلان هذاالنحو من الاحرام المشتمل على التعيين الاجمالي و امّا من الجهة الثانية فقد استدل الشيخ (قدس سره) كما في محكى الدروس بما روي عن علي (عليه السلام) انه قال اهلالا كاهلال النبي (صلى الله عليه وآله) يشير بذلك الى ما ورد في الروايات المتعددة الحاكية لحجة الوداع التيوقع تشريع حج التمتع فيها حيث نزل جبرئيل عليه (صلى الله عليه وآله) و هو بمروة فامره ان يامر من لم يسق هديا ان يحلّ و انه لا ينبغي لسائق الهدي ان يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه من انه قدم على (عليه السلام) من اليمن على رسول الله (صلى الله عليه وآله) و هو بمكة فدخل على فاطمة (عليها السلام) و هى قد احلّت فوجد ريحا طيبة و وجد عليها ثيابا مصبوغة فقال: ما هذا يا فاطمة فقالت امرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج علىّ الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مستفتيا فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) انى قد رأيت فاطمة قد احلّت عليها
(الصفحة 165)
ثياب مصبوغة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) انا امرت الناس بذلك و انت يا على بمااهللت قال قلت يا رسول الله اهلالا كاهلال النبي (صلى الله عليه وآله)فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) كن على احرامك مثلي و انت شريكي في هديتي (هديي ظ) الحديث(1). و الاستدلال لفعل على (عليه السلام) مبنى على ان يكون المراد من قوله: اهلالا كاهلال النبي (صلى الله عليه وآله) اني نويت الاحرام بما احرمت به يا رسول الله كائنا ما كان من حج القران او الافراد لعدم مشروعيّة التمتع بعد يعني في حال الاحرام او لعدم علمه (عليه السلام) بها و قد اقره النبي (صلى الله عليه وآله) على هذا النحو من الاحرام المشتمل على التعيين الاجمالي الذي ينكشف عند تشرفه بمحضره و لذا امره بان يبقي على احرامه بعد تشريكه في هديه الذي كان مأة بدنة.
و امّا ما افيد من ان فعل على (عليه السلام) اجنبي عن مسئلة الاجمال في النيّة لان الظاهر من قوله اني نويت الحج المشروع الواجب على المسلمين و هو حج القران او الافراد و لم يكن حج التمتع حين ذاك مشروعا فما نواه أمير المؤمنين (عليه السلام)انما هو حج الافراد فمن غرائب الكلام لانّ عدم مشروعية حج التمتع حين احرامه (عليه السلام) لا تقتضي عدم الاجمال كيف و الاّ لا يبقي مجال لسؤال الرسول (صلى الله عليه وآله)بقوله (صلى الله عليه وآله) بما اهللت ضرورة ان الدّوران بين الافراد و القران فقط مصحّح ايضا للاجمالو الابهام مع انه لو كان ما نواه حج الافراد كانت الوظيفة العدول الى عمرة التمتع كزوجته الطاهرة فاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ فلا محيص الاّ ان يقال بان احرامه (عليه السلام)كان مشتملا على التعيين الاجمالي و كان منويه (عليه السلام) هو ما نواه الرسول (صلى الله عليه وآله) و يؤيده قوله (عليه السلام) على ما في بعض الروايات: انك لم تكتب الىّ
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني ح ـ 4.
(الصفحة 166)
باهلالك فعقدت نيّتي بنيتك و قلت اللهم اهلالا كاهلال نبيّك.
و اغرب مما ذكر ما في بعض شروح العروة من ان المقصود من قوله (عليه السلام):
كاهلالك انه اهلال بالحج و لعلّه في مقابلة اهلال الجاهلية فهل الرسول (صلى الله عليه وآله) يحتمل بعد مضي ثلاث و عشرين سنة من بعثته و بعد متابعة على (عليه السلام) له من ابتداء الدعوة و شروع الرسالة ان يكون اهلال على (عليه السلام) اهلال الجاهلية حتى يسئله عن ذلك و يجاب بعدم كونه كذلك و لعمري انه لا ينبغي التفوّه بهذا الكلام ممّن يكون له حظّ قليل من العلم فضلا عمن يكون له شأن في الفقه و مرتبة شامخة في هذا المجال.
ثم انه ربما يقال كما قيل و اشير اليه في الحدائق و الجواهر و غيرهما بثبوت التدافع و التنافي في النصوص الحاكية لاحرام أمير المؤمنين (عليه السلام) في حجة الوداع فان المذكور في ذيل صحيحة معاوية بن عمّار الطويلة المفصلة: و كان الهدى الذي جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله) اربعا و ستين او ستّا و ستين ـ و الترديد من الراوي كما هوظاهر ـ و جاء عليّ باربعة و ثلاثين او ستّ و ثلاثين فنحر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ستّا و ستين و نحر على (عليه السلام) اربعا و ثلاثين بدنة (الحديث)(1). و ظاهره اقتران احرام أمير المؤمنين (عليه السلام) بسياق الهدى فكان منويّه هو حج القران دون الافراد و دون المردّد بينهما المعين اجمالا.
و المذكور في صحيحة الحلبي: و اقبل عليّ (عليه السلام) من اليمن حتى وافي الحج فوجد فاطمة (عليها السلام) قد احلّت و وجد ريح الطيب فانطلق الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مستفتيا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا عليّ بايّ شىء اهللت فقال: اهللت بما اهلّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)فقال: لا تحلّ انت فاشركه في الهدي و جعل له سبعا و ثلاثين
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني ح ـ 4.