(الصفحة 224)
و ثانيا: و هو العمدة ان استصحاب عدم الارتكاب بعد التلبية غير جار لعدم ثبوت الحالة السابقة المتيقنة لانه نظير استصحاب عدم قرشية المرئة الذي حققنا في محلّه عدم جريانه لاختلاف القضية المتيقنة و القضية المشكوكة فان القضية المتيقنة هى السالبة المحصلة الصادقة مع انتفاء الموضوع و القضية المشكوكة هى السالبة بانتفاء المحمول مع فرض وجود الموضوع و هذا الاختلاف يمنع عن الاتّحاد المعتبر في جريان الاستصحاب و المقام من هذا القبيل لان المتيقن هو عدم الارتكاب المتحقق مع عدم التلبية ضرورة ان العدم مع وجودها لا يكون متيقنا في زمان اصلا فلا مجال لجريان هذا الاستصحاب.
و ثالثا: ان الاصلين اللذين وقع البحث في مسئلة توارد الحالتين و تعاقب الحادثين عن جريانهما و تعارضهما او عدم جريانهما اصلا هو استصحاب عدم تحقق احد الحادثين الى زمان حدوث الاخر بمعنى الحكم باستدامة عدمه الى زمان وجود الاخر بحيث لو لم نقل بعدم حجية الاصول المثبتة و ترتب الآثار الشرعيّة المترتبة عليه بواسطة عقلية و هي التأخر لكان يترتب عليه تلك الآثار و عليه ففي المقام لا بد و ان يقال على هذا التقدير بثبوت الكفارة على استصحاب عدم الارتكاب لان مقتضي تأخّر الارتكاب عن التلبية الثابت بالاصل بناء على القول بالاصل المثبت هو ثبوت الكفارة لترتبه على التأخر الثابت بالاستصحاب.
و بالجملة فالاصل الذي هو محل البحث في تلك المسئلة هو استصحاب العدم الى زمان الحادث الآخر لا استصحاب العدم بعد حدوث ذلك الحادث.
و قد ظهر مما ذكرنا انه ليس في المقام اصل موضوعى حاكم على اصالة البرائةو ان كان موافقا لها بل اللازم الرجوع اليها و الحكم بعدم وجوب الكفارة لاجلها لا للاصل الموضوعى فتدبّر.
(الصفحة 225)الثالث: من الواجبات لبس الثوبين بعد التجرد عمّا يحرم على المحرم لبسه يتزّرباحدهما و يرتدى بالاخر، و الاقوى عدم كون لبسهما شرطا في تحقق الاحرام بل واجبا تعبديّا، و الظاهر عدم اعتبار كيفية خاصّة في لبسهما فيجوز الا تزار باحدهما كيف شاء و الارتداء بالاخر او التوشح به او غير ذلك من الهيئات لكن الاحوط لبسهما على الطريق المألوف، و كذا الاحوط عدم عقد الثوبين و لو بعضهما ببعض، و عدم غزرهما بابرة و نحوهالكن الاقوى جواز ذلك كله ما لم يخرج عن كونهما رداء و ازارا، نعم لا يترك الاحتياط بعدم عقد الازار على عنقه، و يكفى فيهما المسمّى و ان كان الاولى بل الاحوط كون الازار مما يستر السرة و الرّكبة، و الرداء مما يستر المنكبين1.
في هذا الواجب الذي هو ثالث واجبات الاحرام جهات من الكلام:
الجهة الاولى:
في اصل وجوب لبس الثوبين في مقابل الاستحباب و عدم الوجوب و الظاهر استقرار الفتاوى على الوجوب قال في محكّى المنتهى انه لا نعلم خلافا بل عن التحرير الاجماع عليه نعم يظهر من كاشف اللثام الترديد فيه حيث قال فيماحكى عنه: «و امّا لبس الثوبين فان كان على وجوبه اجماع كان هو الدليل و الاّ فالاخبار التي ظفرت بها لا تصلح مستندا له مع ان الاصل العدم».
و مستند الوجوب امران:
احدهما: جريان السيرة العملية من زمن النبي و الائمة ـ عليه و عليهم الصلوة و السلام ـ و من المسلمين كافة اعم من الشيعة و غيرهم على لبس الثوبين عند الاحرام و في حاله.
و دعوى ان العمل لا يدل على الوجوب لانه اعم منه و من الاستحباب فلا مجال للاستناد اليه في الوجوب.
مدفوعة بوضوح كون العمل الكذائى و التقيد من الجميع مع تشتت مسالكهم
(الصفحة 226)
و اختلاف مراجعهم خصوصا مع ملاحظة عدم تقيّد كثير منهم بالاتيان بالمستحبات حتى مستحبات الاحرام المتعددة و المتكثرة مع شدة التحريص بها و الترغيب عليها دليلا على الوجوب و لا يقاس ذلك بمجرد صدور عمل من النبي و الائمة (صلى الله عليه وآله) الذي هو اعم من الاستحباب و بعبارة اخرى الدليل على الوجوب هو اختلاف نظر المتشرعة بالنسبة الى اللبس و الى مثل الغسل حال الاحرام فينظرون الى الاوّل بعين الوجوب دون الثاني و عليه لا مجال للاستشكال في الاستدلال على الوجوب بمثل هذه السّيرة.
ثانيهما: الروايات المتعددة الظاهرة في الوجوب:
منها: صحيحة معاوية بن وهب قال: سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن التهيّؤ للاحرام فقال: اطل بالمدينة فانه طهور و تجهّز بكلّ ما تريد، و ان شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء و تلبس ثوبيك انشاء الله(1).
و قد حقق في محلّه دلالة الجملة الخبرية الواردة في مقام بيان الحكم على الوجوب و قيام الدليل على عدم وجوب افاضة الماء عليه سواء كانت بمعني الاغتسال او تنظيف البدن لا دلالة فيه على عدم كون اللبس واجبا ايضا و ان كان معطوفا عليها فاذا قال رأيت اسدا و رأيت ذئبا و قامت القرينة على ان المراد بالاسد هو الرجل الشجاع لا يكون فيه دلالة على انّ المراد بالذئب ايضا هو معناه المجازي و هو الانسان المشابه له في السبعية ـ مثلا ـ و بالجملة صرف الكلام عن ظاهره يحتاج الى القرينة الصارفة ففي مورد وجودها يصرف و مع عدمها لا مساغ له و لا مجال لدعوى كون وحدة السياق قرينة
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب السابع ح ـ 3.
(الصفحة 227)
على ذلك بل فيما اذا كان هناك جملة واحدة كقوله: اغتسل للجنابة و الجمعة لا يكون قيام الدليل على عدم وجوب غسل الجمعة دليلا على عدم وجوب غسل الجنابة فضلا عما اذا كانت الجمل متعددة كما في الصحيحة.
و منها: صحيحة هشام بن سالم قال ارسلنا الى ابي عبد الله (عليه السلام) و نحن جماعةو نحن بالمدينة انا نريد ان نودعك فارسل الينا ان اغتسلوا بالمدينة فاني اخاف ان يعزّ الماء عليكم بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ثم تعالوا فرادى او مثاني(1).
و منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال اذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق او الى الوقت من هذه المواقيت و انت تريد الاحرام ان شاء الله فانتف ابطك (ابطيك. ) و قلّم اظفارك و اطل عانتك و خذ من شاربك و لا يضرّك باىّ ذلك بدأت ثم استك و اغتسل و البس ثوبيك الحديث(2).
و منها: صحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال اذا اردت ان تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين اردت ان تحرم و خذ من شاربك و من اظفارك و اطل عانتك ان كان لك شعر و انتف ابطك و اغتسل و البس ثوبيك ثم ائت المسجد الحرام فصل فيه ست ركعات قبل ان تحرم و تدعوا الله الحديث(3).
و منها: ما ورد في تجريد الصبيان من فخّ مثل ما رواه ايوب اخواديم قال سئل ابو عبد الله (عليه السلام) من اين يجرد الصبّيان فقال كان ابي يجرّدهم من فخّ(4). و بهذاالاعتبار جعل الفخ احد المواقيت كما في العروة و نحوها.
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الثامن ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب السادس ح ـ 4.
- 3 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الثاني و الخمسون ح ـ 2.
- 4 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب السابع و الاربعون ح ـ 1.
(الصفحة 228)
و منها: ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن الحميري انه كتب الى صاحب الزمان (عج) يسئله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء يكون متصلا بهم يحج و يأخذ من الجادة و لا يحرم هولاء من المسلخ فهل يجوز لهذا الرجل ان يؤخر احرامه الى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة ام لا يجوز الاّ ان يحرم من المسلخ فكتب (عليه السلام) في الجواب يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب و يلبّي في نفسه فاذا بلغ الى ميقاتهم اظهره(1). لكن هذه الرواية مضافا الى ضعف سندها يجري فيها احتمالان و اشكال ظهور التقرير فيها في عدم كون ذات عرق ميقاتا عندنا مع ان ميقات اهل العراق وادى عقيق الذي يكون اوّله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و قد تقدّم البحث في الرواية في باب المواقيت فراجع.
و قد ظهر ممّا ذكرنا وجود ادلّة متعددة على وجوب لبس الثوبين و عليه فلااصالة للاجماع في المقام.
الجهة الثانية:
في انه بعد كون اللبس واجبا وقع الكلام في اعتباره في صحة الاحرامو انعقاده و عدمه و بعبارة اخرى هل يكون اللبس واجبا تعبديا أو شرطيا؟ فيه وجهان بل قولان قال في الجواهر بعد ما قوىّ الوجه الاوّل: بل لا اجد فيه خلافاصريحا الاّ ما سمعته من الاسكافي و لا ريب في ضعفه... » و قال في الدروس: «و هل اللبس من شرائط الصحة حتى لو احرم عاريا اولابسا مخيطا لم ينعقد نظر و ظاهر الاصحاب انعقاده حيث قالوا: لو احرم و عليه قميص نزعه و لا يشقه و لو لبسه بعد الاحرام وجب شقّه و اخراجه من تحت كما
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الثاني ح ـ 10.