(الصفحة 23)
الحمل المذكور و لو مع قطع النظر عن الجزئية و الكلية فلا مجال للحمل المذكور في مثل قوله: البيت مجموع الدار و البيت بيت من الدار كما ان الظاهر ان الحمل على المجازية لا يناسب التفسير و التعريف.
فاللازم ان يقال بثبوت التعارض و حيث ان التفسير بمسجد الشجرة اظهر من التفسير بالشجرة لان ظهورها في مدخلية المسجد اقوى من ظهور الاخر في عدم المدخلية و عليه فالظاهر هو ان المراد بذى الحليفة هو المسجد لا المجموع منه و من سائر المواضع الذى يطلق عليه عنوان الشجرة.
ثم انه ذكر السيد (قدس سره) بعد كلامه المتقدم: «لكن مع ذلك الاقوى جوازالاحرام من خارج المسجد و لو اختيارا و ان قلنا ان ذا الحليفة هو المسجد و ذلك لان مع الاحرام من جوانب المسجد يصدق الاحرام منه عرفا اذ فرق بين الامربالاحرام من المسجد او بالاحرام فيه، هذا مع امكان دعوى ان المسجد حدّ للاحرام فيشمل جانبه مع محاذاته، و ان شئت فقل: المحاذاة كافية و لو مع القرب من الميقات» و حاصل كلامه ان المسجد قد اخذ مبدء لا ظرفا و معنى المبدئية عدم جواز الاحرام قبل الوصول اليه او بعده فلا يلزم ان يقع الاحرام في نفس المسجد بل لو كان من خارجه المتصل به كما اذا احرم قرب جداره يصدق الاحرام من المسجد بل لو كان من محلّ منفصل عنه و لكنه كان قريبا به يكفى الاحرام منه مع محاذاته لعدم اختصاص جواز الاحرام من محاذى الميقات بالبعيد كما سيأتي البحث عنه انشاء الله تعالى.
و في بعض الشروح نفى البعد عن كون مسجد الشجرة اسما لمنطقة فيها المسجدكما هو كذلك في بلدة «مسجد سليمان» لا اسما لنفس المسجد.
و لكن هذا الكلام في غاية البعد بعد كون المعروف عند المتشرعة خلفا عن سلف كون مسجد الشجرة اسما لنفس المسجد المعروف لا لمجموع المنطقة التي فيها المسجد.
(الصفحة 24)
و امّا اصل جواز الاحرام من خارج المسجد الذى ذهب اليه السيّد و حكى عن المحقق الثانى في حاشية القواعد حيث قال: ان جواز الاحرام من الموضع المسمّى بذى الحليفة و ان كان خارج المسجد لا يكاد يدفع. و مال اليه صاحب الجواهر في مبحث المحاذاة مستشهدا باطلاق الاحرام مع المحاذاة لمسجد الشجرة في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة نظرا الى انه لو وجب الاحرام من نفس المسجد لوجب الامر به فيها فاللازم التكلم فيه و على تقدير ثبوته لا يبقى مجال للايجاب على الحائض و الجنب ان يحرما من المسجد مجتازين لانّه لا موجب له بعد جواز الاحرام من الخارج لغيرهما اختيارا كما هو ظاهر.
اقول: الظاهر انه لا يجوز الاحرام من الجوانب المتصلة بالمسجد بدعوى صدق الاحرام من المسجد عليه لان المسجد اخذ مبدء لا ظرفا و ذلك لبطلان هذه الدعوى فان المتفاهم عند العرف من الاحرام من المسجد هو الاحرام من داخل المسجد لا خارجه و لا يقاس الاحرام بمثل الصلوة التى اذا اريد وقوعها في المسجد لا بد من استعمال كلمة «فى» الظاهرة في الظرفية فان الصلوة امر لا يتجاوز الاتيان بها عن ساعة ـ مثلا ـ و ليس لها دوام و استمرار بخلاف الاحرام الذى اذا تحقق في المسجد يكون شروعه فيه و لا بد من دوامه و استمراره الى الدخول في مكةو الاتيان بمناسك العمرة او الى الذهاب الى عرفات و قضاء مناسك الحج و عليه فاذا اريد وقوعه و شروعه من المسجد فلا سبيل الى افادة ذلك سوى استعمال كلمة «من» و عليه فهذه الكلمة ظاهرة في الشروع لا في المبدئية المكانية و يدل عليه مضافا الى ما عرفت من المتفاهم العرفى خصوصا بعد كون الاحرام عبادة و المسجد مجلّها انه لا شبهة في استحباب وقوع احرام حج التمتع في مسجد الحرام و كونه افضل من الاحرام خارج المسجد مع انّ الرواية الدالة على ذلك قد وقع فيها استعمال كلمة «من» ففى صحيحة عمرو بن حريث قال قلت لابى عبد الله (عليه السلام)
(الصفحة 25)
من اين اهلّ بالحج؟ فقال ان شئت من رحلك و ان شئت من المسجد و ان شئت من الطريق.(1) على نقل الشيخ و هو الذى ذكره السيّد (قدس سره) في العروة و و في نقل غيره بدل «من المسجد» «من الكعبة» و قد استظهر بعض الاعلام صحة نقل الشيخ معلّلا بعدم تمكّن احرام الحاج من الكعبة نوعا و ـ ح ـ يرد على العروة و الشارح انه مع ظهور كلمة «من» فى المبدئية دون الظرفية كيف حكم باستحباب الاحرام من خصوص داخل المسجد و كيف يصح التعليل المذكور.
و ليس ذلك الاّ لاجل ان المتفاهم من هذه العبارة في مثل الاحرام الذى مضافا الى كونه عبادة يكون له دوام و استمرار يوما بل ايّاما هو تحقق الشروع من داخل المسجد و عليه فلا يجزى الاحرام من الجوانب المتصلة بالمسجد لهذه الجهةو أمّا من الجوانب المنفصلة المحاذية فسيأتى البحث عنها انشاء الله تعالى في باب المحاذى الذى جعل احد المواقيت فانتظر و لعلّه لما ذكرنا ذكر سيدنا الاستاذ الماتن (قدس سره) فى التعليقة على العروة ان ما في المتن فيه مناقشة بل مناقشات.
المقام الثالث:
في حكم من يمرّ على طريق اهل المدينة و ان ميقاتهم مسجد الشجرة كميقات اهل المدينة و الدليل على ذلك ان الروايات الواردة في المواقيت التى وقّتها رسول الله (صلى الله عليه وآله) و ان كان ظاهر اكثرها كون تلك المواقيت لاهالى بلد خاص كالمدينة و الطائف او مملكة خاصة كالعراق و اليمن و الشام الاّ انه بعد ملاحظة ان وجوب الحج على المستطيع امر عام شامل لجميع المستطيعين في اقطار العالم و لو كان في
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الواحد و العشرون ح ـ 2
(الصفحة 26)
اقصى نقاطه كالايرانيين و غيرهم و بعد ملاحظة ان وظيفتهم حج التمتع الذى لا بدّ و ان يكون شروع عمرته من الميقات فاللازم ان يقال بعدم اختصاص المواقيت بخصوص من وقت له بل هى ميقات لهم و لمن يمرّ على طريقهم خصوصا بعد ملاحظة كون المواقيت ملحوظة بالاضافة الى جميع جوانب مكّة و ان من يريدالدخول فيها لا بدّ و ان يمرّ عليها او على ما يحاذيها كما سيأتى.
هذا مضافا الى دلالة بعض الروايات الخاصة عليه كصحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرّضا (عليه السلام) قال كتبت اليه ان بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق و ليس بذلك الموضع ماء و لا منزل و عليهم في ذلك مؤونة شديدة و يعجلهم اصحابهم و جمالهم من وراء بطن عقيق بخمسة عشر ميلا منزل فيه ماء و هو منزلهم الذى ينزلون فيه فترى ان يحرموا من موضع الماء لرفقة بهم و خفة عليهم فكتب ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقّت المواقيت لاهلها و من اتى عليهامن غير اهلها و فيها رخصة لمن كانت به علّة فلا تجاوز الميقات الاّ من علّة(1). و موثقة ابراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال سئلته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الايام يعنى الاحرام من الشجرةو ارادوا أن يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها فقال: لا و هو مغضب من دخل المدينة فليس له ان يحرم الاّ من المدينة(2). و صحيحة على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال سئلته عن احرام اهل الكوفة و اهل خراسان و ما يليهم و اهل الشام و مصر من اين هو؟ فقال: امّا اهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن العقيق، و اهل المدينة من ذى
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الخامس عشر ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الثامن ح ـ 1.
(الصفحة 27)
مسألة 1 ـ الاقوى عدم جواز التأخير اختيارا الى الجحفة و هي ميقات اهل الشام، نعم يجوز مع الضرورة لمرض او ضعف او غيرهما من الاعذار
الحليفة و الجحفة و اهل الشام و مصر من الجحفة، و اهل اليمن من يلملم، و اهل السّند من البصرة يعنى من ميقات اهل البصرة(1). و غير ذلك من الروايات الدالة عليه فلا شبهة فى الحكم.
1 ـ يقع الكلام فى هذه المسئلة فى مقامين:
المقام الاوّل:
فى انه هل يجوز التأخير اى تأخير الاحرام فى حال الاختيار و عدم الضرورة عن مسجد الشجرة الى الجحفة التى هى واقعة ايضا فى طريق المدينة الى مكّة و هى ميقات اهل الشام ام لا فيه قولان فالمشهور شهرة عظيمة هو الثانى و عن الجعفى و ابن حمزة فى الوسيلة هو الاوّل و يدل على المشهور طائفتان من الروايات:
الطائفة الاولى: ما يدل بنحو العموم على عدم جواز التجاوز عن الميقات مع ارادة الحج او العمرة من دون احرام.
كصحيحة الحلبى المتقدمة(2) المشتملة على قول ابى عبد الله (عليه السلام) الاحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا ينبغى لحاج و لا لمعتمر ان يحرم قبلها و لا بعدها.
و صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ايضا(3) المشتملة على قوله (عليه السلام) من تمام الحج و العمرة ان تحرم من المواقيت التى وقتها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تجاوزها الاّ و انت محرم.
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الاوّل ح ـ 5.
- 2 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الاوّل ح ـ 3.
- 3 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الاوّل ح ـ 2.