(الصفحة 286)
و منها: اطلاق ادلّة وجوب الاضحاء خصوصا ما اشتمل منها على التعليل بان الشمس تغرب بذنوب المجرمين الظاهرة في لزوم الاضحاء الى غروب الشمس مع انّها لا تكون فوق الرأس الى الغروب بل في احد الجانبين و هذا لا يفرّق فيه بين ان يكون التعليل راجعا الى المنع في صورة الاختيار و عدم الضرورة كما ربما يحتمل في بعض الروايات او الى الجواز عند الضرورة و الاشتداد كما هو ظاهر رواية ابن المغيرة المتقدمة في هذه الطائفة.
نعم ربما يجعل خلو اخبار التكفير مع التظليل للضرورة عما لا يكون فوق الرأس دليلا على المنع ايضا لانه لو كان جائزا اختيارا وجب الاقتصار عليه اذا اندفعت به الضرورة.
و لكن يدفعه ـ كما في الجواهر ـ انّ محطّ النظر في اخبار التكفير انّما هو بيان ثبوت الكفارة في التظليل المحرّم الذي يجب ان يجتنبه المحرم في حال الاختيار و اما في ايّ محلّ يكون محرّما و مع اية كيفية فلا دلالة لهذه الاخبار عليه اصلا.
و على ما ذكرنا فاللازم الالتزام بالحرمة مطلقا سواء كان فوق الرأس او احدالجانبين نعم هنا روايتان جعلهما صاحب الجواهر (قدس سره) موميا الى الكراهة او شاهدا عليها:
احديهما: رواية قاسم الصيقل المتقدمة في روايات الطائفة الرابعة نظرا الى ان تشديد ابي جعفر (عليه السلام) في الظلّ و امره بقلع القبة و الحاجبين ظاهر في الزيادة على الواجب و انه كان المفروغ عنه عند الراوى ان الواجب هو قلع القبة دون الحاجبين اللذين عرفت ان المراد بهما هما الساتران من جانبي المحمل بل جعل صاحب الجواهر هذه المفروغية شاهدة على صحة الاجماع الذي ادّعاه العلامة و قيد به الاطلاقات المتقدمة المانعة عن الاستتار او الآمرة بالاضحاء.
(الصفحة 287)
و لكن: يرد عليه ان الروايّة لا تكون معتبرة من حيث السند لانّ قاسم الصيقل بهذا العنوان او مع وقوع «الابن» بينهما لا يكون موردا للتوثيق الخاص و لا لتوثيق العام كالوقوع في اسناد كتاب «كامل الزيارات» او كتاب «تفسير على بن ابراهيم» فلا مجال للاعتماد عليه في تقييد تلك الاطلاقات الكثيرة و ان كان لا محيص عن التقييد لو فرض اعتبارها لعدم تحقق التنافي العرفي و التعارض العقلائى بين المطلق و المقيد بوجه كما قد حقق في محلّه.
ثانيتهما: صحيحة سعيد الاعرج المتقدمة في روايات الطائفة الثالثة الدالة على النهى عن الاستتار من الشمس بعود و بيده الاّ من علّة و قد عرفت ان صاحب الوسائل حملها على الكراهة بالاضافة الى اليد و لعلّ وجهه دلالة بعض الروايات المتقدمة على انه (صلى الله عليه وآله) ربما يستر وجهه بيده و قد عرفت ان المتعارف في التظليل في ستر بعض البدن البعض هو ستر الوجه باليد هذا و لكن ـ بعد توجيه الكراهة في عمل الرّسول (صلى الله عليه وآله) بانه لعلّه كان لازالة شبهة الحرمة و دفع توهم ان حرمة التظليل شاملة لهذا القسم منه و عليه فمقتضى القاعدة الصدور احيانا لا مستمرا و لعلّه يدل عليه كلمة «ربما» في الرواية الحاكية لعمل الرسول بناء على ان يكون مفاده التقليل لا التكثير كما ربما يؤيده نفي البأس عن ستر الوجه بالذراع كما في بعض الروايات المتقدمة و هي صحيحة معاوية بن عمار المذكورة في الطائفة الثالثة ـ.
نقول ان حمل الرواية على الكراهة بالاضافة الى اليد لا يصير قرينة على حملهاعليها بالنسبة الى العود ايضا بل الظاهر حفظ ظهور النهي في الحرمة فيه خصوصا بعد اطلاق عنوان الاستتار المحرّم و الغاء الخصوصية عن الاستتار بالثوب المحرّم ايضا و انه لا خصوصية للثوب و تؤيده المقابلة بينه و بين ابعاض الجسد كمالا يخفى.
(الصفحة 288)مسألة 37 ـ حرمة الاستظلال مخصوصة بحال السّير و طىّ المنازل من غير فرق بين الراكب و غيره، و امّا لو نزل في منزل كمنى او عرفات او غيرهما فيجوز الاستظلال تحت السقف و الخيمة و اخذ المظلة حال المشي فيجوز لمن كان في منى ان يذهب مع المظلة الى المذبح او الى محلّ رمى الجمرات و ان كان الاحتياط في الترك1.
و عليه فلا دلالة لهذه الرواية على الكراهة فيما هو محل البحث فالرواية الاولى غير معتبرة من حيث السند و الثانية غير ظاهرة الدلالة فكيف يمكن ان تكونا شاهدتين على الكراهة.
و الانصاف ان المسئلة مشكلة جدّا من جهة انحصار الادلة اللفظية الواقعة فيهابما يدل على المنع و لو بنحو الاطلاق و عدم ثبوت دليل على التقييد في مقابلها و من جهة انّ الاجماع المنقول و ان لم يكن حجة على ما قرّر في علم الاصول الاّ انّ دعويه من مثل العلامة خصوصا مع اضافة الحكم بذلك الى جميع اهل العلم الظاهر في علماء المسلمين باجمعهم و كذا الشيخ في الخلاف على ما حكى تبعد ان تكون خالية عن المستند فاللازم ان يقال مع ملاحظة ما افاده صاحب جامع المقاصد من ان نقل الشيخ و المصنف ـ يعنى العلامة ـ الاجماع على الجواز لا سبيل الى ردّه و مع ملاحظة جعل الاجماع قرينة على تقييد الاطلاقات الناهية كما في الجواهر بان مقتضي الاحتياط و ان كان هو الاجتناب الاّ ان الجواز غير خال عن القوة كما افيد في المتن.
1 ـ الكلام في هذه المسئلة يقع في امرين:
الاوّل:
انه هل الحكم بحرمة الاستظلال يختص بالراكب او يعمّ الماشي ايضامقتضي اطلاق جملة من العبارات الدالة على جواز المشى تحت الظّلال الاوّل و قد صرّح الشهيد الثاني بذلك في كتابيه «المسالك و الروضة»:
(الصفحة 289)
قال في الاوّل: «يتحقق التظليل بكون ما يوجب الظلّ فوق رأسه كالمحمل فلا يقدح فيه المشي في ظلّ المحمل و نحوه عند ميل الشمس الى احد جانبيه و ان كان قد يطلق عليه التظليل لغة و انما يحرم حالة الركوب فلو مشى تحت الظل كما لو مر تحت الحمل و المحمل جاز».
و قال في الثاني بعد قول الشهيد: و التظليل للرجل الصحيح سائرا: «فلا يحرم نازلا اجماعا و لا ماشيا اذا مرّ تحت المحمل و نحوه، و المعتبر منه ما كان فوق رأسه فلا يحرم الكون في ظلّ المحمل عند ميل الشمس الى احد جانبيه».
و ما يمكن ان يكون مستندا لهذا القول روايتان:
احديهما: رواية الاحتجاج المتقدمة المشتملة على سؤال محمد بن الحسن الشيباني عن موسى بن جعفر (عليه السلام) بقوله: افيجوزان يمشي تحت الظّلال مختارا و جوابه (عليه السلام) بقوله: نعم(1).
ثانيتهما: صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع قال كتبت الى الرّضا (عليه السلام) هل يجوز للمحرم ان يمشي تحت ظلّ المحمل فكتب نعم(2) لكن الاولى مرسلة غير معتبرة مضافا الى عدم وضوح دلالتها كما يأتي بيانه في الصحيحة و ان كان بينهما فرق من جهة اضافة الظل في الصحيحة الى المحمل و عدمها في هذه الرواية.
و الثانية و ان كان ظاهرها في بادى النظر هو المشي تحت ظلّ المحمل بحيث يكون ما يوجب الظلّ فوق رأسه في حال المشي الاّ انه عند التأمل قد يمنع الظهور في ذلك لانّ المشى بهذه الكيفية تحت ظل المحمل قلّما يتحقق في الخارج فان
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب السادس و السّتون ح ـ 6.
- 2 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب السابع و السّتون ح ـ 7.
(الصفحة 290)
المحمل غالبا لا يكون الاّ بيتا محقّرا من العود له ظرفية جلوس انسان واحد و عليه فيصعب المشى تحته بحيث يقع المحمل في الفوق بل يكون ذلك ملازما لوقوعه في معرض اصابة ارجل البعير خصوصا في الطريق الكثير و السير الطويل و عليه فلا تبعد دعوى ظهور السؤال فيما هو المتعارف من المشي في ظل المحمل بحيث يكون الظلّ على احد جانبيه من اليمين او اليسار و لا اقل من عدم ظهور الرواية فيما استفاد منه الشهيد الثاني.
ثم انه على تقدير تسليم ظهور الرواية في الجواز بالاضافة الى الماشي فحيث انه يكون الحكم على خلاف القاعدة المستفادة من الادلة من اطلاق حرمة التظليل فاللازم الاقتصار على مورده كما افاده بعض الاعلام (قدس سره) حيث استظهر من الرواية الجواز و لكن خصّه بالمشي تحت ظل المحمل و لا وجه لدعوى عمومية الحكم كما هو ظاهر الشهيد في الروضة حيث عطف قوله: او نحوه على المحمل فان هذه الدعوى تبتني على الغاء الخصوصية من المحمل المذكور في الرواية و لا وجه له بعد ما عرفت من كون الحكم على خلاف القاعدة و عليه فلا يجوز المشي تحت المظلةو الشمسية في حال السير و ان قلنا بجوازه تحت ظلّ المحمل.
ثم انه ظهر مما ذكرنا انه و ان لم يكن بين الراكب و الماشي فرق فيما اذا كان الظل من الفوق من حيث عدم الجواز الاّ انّ بينهما فرقا فيما اذا كان الظلّ من احد الجانبين اليمين او اليسار حيث انه لم يدل دليل لفظى على الجواز في الراكب بل مقتضي اطلاق الادلة الناهية عدم الجواز لكن الاجماع الذي ادعاه الشيخ و العلامة اقتضي الجواز فيه و امّا في الماشي فالدليل اللفظي على الجواز متحقق فيه و هي صحيحة ابن بزيع المتقدمة سواء كان مفادها الجواز في خصوص هذه الصورة او كان مفادها الجواز بالاضافة الى الفوق فيدل على الجواز في المقام بطريق اولى و عليه فلا مجال للترديد في الماشى من هذه الجهة و ان كان له في الراكب