(الصفحة 290)
المحمل غالبا لا يكون الاّ بيتا محقّرا من العود له ظرفية جلوس انسان واحد و عليه فيصعب المشى تحته بحيث يقع المحمل في الفوق بل يكون ذلك ملازما لوقوعه في معرض اصابة ارجل البعير خصوصا في الطريق الكثير و السير الطويل و عليه فلا تبعد دعوى ظهور السؤال فيما هو المتعارف من المشي في ظل المحمل بحيث يكون الظلّ على احد جانبيه من اليمين او اليسار و لا اقل من عدم ظهور الرواية فيما استفاد منه الشهيد الثاني.
ثم انه على تقدير تسليم ظهور الرواية في الجواز بالاضافة الى الماشي فحيث انه يكون الحكم على خلاف القاعدة المستفادة من الادلة من اطلاق حرمة التظليل فاللازم الاقتصار على مورده كما افاده بعض الاعلام (قدس سره) حيث استظهر من الرواية الجواز و لكن خصّه بالمشي تحت ظل المحمل و لا وجه لدعوى عمومية الحكم كما هو ظاهر الشهيد في الروضة حيث عطف قوله: او نحوه على المحمل فان هذه الدعوى تبتني على الغاء الخصوصية من المحمل المذكور في الرواية و لا وجه له بعد ما عرفت من كون الحكم على خلاف القاعدة و عليه فلا يجوز المشي تحت المظلةو الشمسية في حال السير و ان قلنا بجوازه تحت ظلّ المحمل.
ثم انه ظهر مما ذكرنا انه و ان لم يكن بين الراكب و الماشي فرق فيما اذا كان الظل من الفوق من حيث عدم الجواز الاّ انّ بينهما فرقا فيما اذا كان الظلّ من احد الجانبين اليمين او اليسار حيث انه لم يدل دليل لفظى على الجواز في الراكب بل مقتضي اطلاق الادلة الناهية عدم الجواز لكن الاجماع الذي ادعاه الشيخ و العلامة اقتضي الجواز فيه و امّا في الماشي فالدليل اللفظي على الجواز متحقق فيه و هي صحيحة ابن بزيع المتقدمة سواء كان مفادها الجواز في خصوص هذه الصورة او كان مفادها الجواز بالاضافة الى الفوق فيدل على الجواز في المقام بطريق اولى و عليه فلا مجال للترديد في الماشى من هذه الجهة و ان كان له في الراكب
(الصفحة 291)
مجال كما عرفت.
ثم انه هل يختص حرمة الاستظلال في حال السير و الحركة بما اذا كان الظلّ سائرا معه ايضا كسقف السيارة و القبة و الكنيسة او يعمّ الظلّ الثابت و المستقرّ كالظلّ الحادث من القناطير المضروبة على الجادة التي لا محيص من العبور من تحتها خصوصا اذا كان في السّيارة و كالعبور بعد الاحرام لحج التمتع في مسجد الحرام عند المقام ـ مثلا ـ و في حجر اسمعيل من تحت واحد من السقوف المحيطة بفضاء المسجد لغرض السير الى عرفات بلا فصل و كالعبور من تحت الاشجار التي لها ظلّ و في زماننا العبور من الجادة التي تسمّى في الفارسية ب «تونل» في المسئلة وجهان بل قولان فالمحكّى عن فخر المحققين في شرح الارشاد القطع بانّ المحرم عليه سائرا انّما هو الاستظلال بما ينتقل معه كالمحمل امّا لو مرّ تحت سقف او ظل بيت او سوق او شبهه فلا بأس. لكن المحكّى عن كشف اللثام انه بعد ما حكى كلام الفخرقال: اكثر هذه تدخل في الضرورة.
اقول لازم الالتزام بالدخول في الضرورة ان يقال اوّلا بانحصار الجواز بما اذا كان الطريق منحصرا بذلك و لم يكن هناك طريق لا يشتمل على السقف او مثله كالاشجار و ثانيا بترتب الكفارة عليه لما سيأتي من ان الضرورة المسوغة للتظليل لا تؤثّر في ارتفاع وجوب الكفارة الاّ ان يقال بان ادلة الكفارة قاصرة عن الشمول لهذا النوع من الضرورة.
و كيف كان فالظاهر هو القول بالجواز لانه مضافا الى قصور ادلة حرمة التظليل عن الشمول لهذا القسم من الظل خصوصا اذا قلنا بان معنى التظليل عبارة عن ايجاد الظلّ و احداثه لا الوقوع تحته مطلقا استمرار السيرة العمليّة على فعله كما يظهر من الموارد التي ذكرناها و لم يقع في شىء من النصوص و الروايات الردّع عنها و التنبيه الى حرمته كما لا يخفى.
(الصفحة 292)مسألة 38 ـ جلوس المحرم حال طيّ المنزل في المحمل و غيره مما هو مسقف اذا كان السير في الليل خلاف الاحتياط و ان كان الجواز لا يخلو من قوة فيجوز السّير محرما مع الطائرة السائرة في الليل1.
الامر الثاني:
انه لا مانع من الاستظلال حال النزول و في المنزل و قد عرفت في كلام الشهيد الثاني في الروضة ادّعاء الاجماع عليه و يدل عليه استمرار السيرة العمليّة على الوقوف في عرفات تحت الخيم و الاخبية و كذا في منى قبل الخروج عن الاحرام الذي يتحقق بالحلق او التقصير بعد الذبح ـ مثلا ـ و رمى جمرة العقبة و التفكيك بين المنزل و بين حال السير عند الائمة (عليه السلام) صار موجبا لاعتراض فقهاء غيرنا عليهم كما مرّ في الروايات المتقدمة اعتراض ابي يوسف و كذا محمد بن الحسن الشيباني على موسى بن جعفر (عليهما السلام) و في رواية صحيحة وقعت حكاية اعتراض أبي حنيفة على الصادق (عليه السلام)بصورة السؤال قال ابو حنيفة: أي شيء فرق ما بين ظلال المحرم و الخباء فقال أبو عبد الله (عليه السلام) انّ السنّة لا تقاس(1). ثم انّه بعد عدم حرمة الاستظلال في المنزل هل يجوز الاستفادة من المظلة في منى من الخيمة الى محلّ الرّمى و كذا في عرفات الى جبل الرحمة ـ مثلا ـ الظاهر ذلك لانّ منى باجمعها منزل و كذا عرفات فاذا كان الاستظلال في المنزل جائزا لا مانع من الاستفادة منها في الذهاب و الاياب لكن حيث يكون المقصد الاتيان بما هو الواجب عليه و السيّر و الحركة انّما هو لاجله يكون الاحتياط في الترك و بذلك يتحقق الفرق بين الموردين اللذين ذكرنا هما فتدبّر.
1 ـ قد وقع الاختلاف بين الاعلام من المعاصرين في جواز التظليل المحرّم في
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب السادس و الستون ح ـ 5.
(الصفحة 293)
النهار للمحرم في الليل فمختار المتن ان الجواز لا يخلو عن قوة و قد صرّح بعض الاعلام (قدس سره) بعدم جوازه و انه لا فرق في الحرمة بين الليل و النهار و اللازم ملاحظة الادلة و الروايات المتقدمة الواردة في الباب بل و بعض الروايات الاخر ايضا فنقول:
قد عرفت ان الروايات الواردة في المقام خمس طوائف.
فطائفة تدل على ان متعلق التحريم هو عنوان الاستتار عن الشمس و ما يشابهه كان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس و من الواضح اختصاص هذه الطائفة بالنّهار و لا مجال لها بالاضافة الى اللّيل.
و طائفة تدل على الامر بالاضحاء الذي معناه هو البروز و الظهور للشمس فان الضحى من شؤون الشمس قال الله تعالى و الشّمس و ضحيحها و يظهر من بعض الروايات المتقدمة ايضا المشتملة على قوله (عليه السلام) ما من حاج يضحي ملبيّا حتى تغيب الشمس.... حيث انّ ظاهره انتهاء الاضحاء بغيبوبة الشمس و غروبهاو عليه فهذه الطائفة ايضا لا تشمل الليل نعم هنا رواية ربما يتوهّم دلالتها على عدم كون المراد بالاضحاء ما ذكرنا و سيأتي التعرض لها و البحث عنها.
و طائفة ثالثة تدل على عدم جواز ركوب الرجل المحرم في القبة و الكنيسةو مقتضي اطلاقها انه لا فرق في الحكم المذكور بين الليل و النهار و قد اعتمد على هذا الاطلاق بعض الاعلام (قدس سره) و ايّده بتعارف حركة السيّر و القوافل في الليالي لا سيّما في البلاد الحارّة كاراضي الحجاز و نحوها.
و لكن الظاهر انّ وضع القبة و الكنيسة المشتملتين على السقف و الستر من فوق انّما هو بلحاظ السير في النهار و التحفظ من حرارة الشمس و الاّ فالسير في الليل في البلاد الحارّة يقتضي الخلو من السقف للاستفادة من الهواء الخارج فان البلاد الحارّة اذا اريد فيها الفرار من شدة الحرارة في الليل في الازمنة السابقة
(الصفحة 294)
لا محيص عن الوقوع في فضاء لا يكون له سقف و دعوى تعارف حركة السيرو القوافل في الليل ممنوعة في نفسها لما عرفت من دلالة روايات كثيرة على عدم جواز الاستتار عن الشمس و على الامر بالاضحاء و مقتضاها شيوع الحركة في النهار و كيف كان فمقتضي ما ذكرنا انه لا مجال للاعتماد على هذا الاطلاق اصلا.
و طائفتان منها تدلان على حرمة التظليل او الاستظلال و قد قيل ان الكلمتين مأخوذتان من الظلّة و هي شىء يستتر به من دون فرق بين ما اذا كان ما يستتر منه شمسا او حرّا او بردا او مطرا او ريحا او مثلها و لا يختصّ بالشمس بل ربما يقال ان الشمس مستظلة اى في السحاب مستترة و يدل على ذلك مضافا الى اللغة جملة من الروايات التي عبّر فيها بالاستظلال من غير الشمس مثل ما رواه في الاحتجاج عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري انه كتب الى صاحب الزمان (عج) و سئله عن المحرم يستظل من المطر بنطع او غيره حذرا على ثيابه و ما في محمله ان يبتلّ فهل يجوز ذلك؟ الجواب اذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم(1). و رواية عثمان بن عيسى الكلابي قال قلت لابي الحسن الاوّل (عليه السلام) ان علي بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد و يريد ان يحرم فقال ان كان كما زعم فليظلّل، و امّا انت فاضح لمن احرمت له(2). و غير ذلك من الروايات الواردة في كفارة التظليل المشتملة بعضها على استعمال هذه الكلمة في غير الشمس نعم استثني القائل موردا من الحكم بالحرمة بعد جعله فرضا نادرا جدّا
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب السابع و الستون ح ـ 7.
- 2 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الرابع و الستون ح ـ 13.