(الصفحة 317)
و امّا ما يدلّ على جواز اكل المحلّ فعدّة روايات صحاح:
منها: رواية منصور بن حازم قال: قلت لابى عبد الله (عليه السلام) رجل اصاب صيدا و هو محرم آكل منه و انا حلال؟ قال: انا كنت فاعلا، قلت له:
فرجل اصاب مالا حراما فقال ليس هذا مثل هذا يرحمك الله انّ ذلك عليه(1).
و منها: رواية حريز قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن محرم اصاب صيدا ايأكل منه المحلّ؟ فقال: ليس على المحلّ شىء انّما الفداء على المحرم(2).
و منها: رواية معاوية بن عمّار قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اصاب صيدا و هو محرم ايأكل منه الحلال؟ فقال: لا بأس انّما الفداء على المحرم(3).
و منها: رواية اخرى لمعاوية بن عمّار قال: قال ابو عبد الله (عليه السلام) اذااصاب المحرم الصيد في الحرم و هو محرم فانّه ينبغي له ان يدفنه و لا يأكله احد و اذا اصاب في الحلّ فان الحلال يأكله و عليه الفداء(4). قال في الوسائل بعد نقل الرواية عن الكليني: و رواه الشيخ باسناده عن حمّاد بن عيسى عن معاوية بن عمّار مثله الاّ ان في نسخة «يدفنه» و في اخرى «يفديه».
و منها: رواية الحلبي قال المحرم اذا قتل الصيد فعليه جزائه و يتصدق بالصيد على مسكين(5). و الظاهر ان المراد من الذيل هو التصدق بالصيد على المسكين فيدل على جواز اكله له و الاّ لا وجه لوجوبه بل جوازه و احتمال كون الباء للسببيّة بحيث كان المراد هو لزوم التصدق على المسكين لاجل الصيد الذي قتله حراما
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الثالث ح ـ 3.
- 2 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الثالث ح ـ 4.
- 3 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الثالث ح ـ 5.
- 4 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الثالث ح ـ 2.
- 5 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب العاشر ح ـ 6.
(الصفحة 318)
و غير مشروع في غاية البعد لكن الاشكال في ان الحلبي لم ينقله عن المعصوم (عليه السلام) بل الظاهر كونه فتوى نفسه و ان كان يبعده ان مثل الحلبي لا يصدر منه الفتوى الاّ بما سمع منه (عليه السلام) خصوصا بعد عدم كون الفتوى في تلك الازمنة مغايرة لللفظ الصادر عنه (عليه السلام) بخلاف مثل زماننا كما لا يخفى.
هذه هي الروايات الدالّة على الجواز التي يشترك جميعها سوى الاخيرة التي ربما يتأمل في كونها رواية في التعبير باصابة المحرم الصيد.
و امّا الاخيرة فالتعبير فيها انّما هو بالقتل و امّا الرواية الدالة على المنع فقد عرفت انّ العنوان المأخوذ فيها هو الذبح و ـ ح ـ ان قلنا بثبوت التعارض بين الروايتين و عدم امكان جمع مقبول في البين فاللازم ترجيح دليل المشهور لان الشهرة الفتوائية اوّل المرجحات في باب تعارض الخبرين كما قررنا في محلّه فلا محيص عن الالتزام بما عليه المشهور و الحكم بالحرمة مطلقا محلاّ كان او محرما و ان لم نقل بالمعارضة و قلنا بامكان الجمع بينهما فاللازم ملاحظة وجه الجمع فنقول: يظهر من الجواهر امكان الجمع بينهما بوجهين و ينبغي اوّلا التعرض لعبارته ثم توضيحها ثم بيان ما اورد او يمكن ان يورد عليه قال بعد ترجيح الطائفة الاولى بالشهرة العظيمة و الاجماعات المحكية الجابرة على الطائفة الثانية و ان كانت صحيحة: «خصوصا بعد عدم الصّراحة في دلالة البعض لاحتمال ارادة غير القتل من الاصابة فيكون المحلّ هو المذكّى له و ان كان الذي رماه المحرم و كون الباء في «بالصيد» ـ يعنى الواقع في رواية الحلبي ـ للسببية و الصيد المصدرية اي يتصدق لفعله الصيد على مسكين او مساكين خصوصا بعد ضعف القرينة المزبورة باختلاف النسخة في قوله: يدفنه على ما قيل فان بدلها في اخرى «يفديه» او المراد جزاء الصيد او غير ذلك بل عن الشيخ احتمال التفصيل بين الذبحو التذكية بالرمي فالأوّل ميتة بخلاف الثاني الذي يمكن حمل النصوص عليه بل
(الصفحة 319)
قيل انّه ظاهر اختيار المفيد في المقنعة لكن يمكن دعوى الاجماع على كون المرادمطلق تذكية المحرم من الذبح نصّا و فتوى».
و مرجع الجمع الاوّل الى حمل مستند المشهور على تحقق الذبح و القتل من المحرم و حمل روايات الحليّة على كون المراد بالاصابة مجرّد الاخذ و الاستيلاء فقط و تحقق التذكية و الذبح من المحلّ فيكون ارتباط الصيد بالمحرم انّما هو في مجرّد اخذه ثم تسليمه الى المحلّ ليذبحه.
و مرجع الجمع الثاني الذي احتمله الشيخ الى حمل مستند المشهور على تحقق الذبح الخاص من المحرم من دون ان يكون شاملا للتذكية بالرمي او بالكلب المعلم و شمول روايات الحليّة مضافة الى مجرد الاخذ و الاستيلاء للتذكية باحدهما و عليه فيكون كل واحدة من الطائفتين شاملة للصورتين من الصور الاربع التي هي عبارة عن ذبح المحرم ما اصطاده بنفسه او اصطاده غيره و ازهاقه روح الصيد بالرمي او الكلب المعلّم و اخذه و استيلائه على الصيد و تسليمه الى المحلّ ليذبحه.
لكنه اورد صاحب الجواهر (قدس سره) على هذا الجمع بانه يمكن دعوى الاجماع على كون المراد مطلق تذكية المحرم من الذبح نصّا و فتوى و استشكل عليه بانّه لو قلنا باعتبار الاجماع فانّما نقول به في المسائل الفقهية و امّا الاجماع في استظهار المراد الراجع الى الفهم و الاستنباط فليس بحجة لانه ليس في المسئلة الفقهيّة.
اقول: بعد اخراج رواية الحلبي عن الروايات المخالفة لعدم كونها رواية عن المعصوم (عليه السلام) لعدم نقله عنه و لو بنحو الاضمار لا في الوسائل و لا في الكافي المطبوعين حديثا المشتملين على التذييلات و الرجوع الى المصادر الاصليّة بل نقل انه لم يكن موجودا في الكافي المطبوع و عليه فكيف رواه صاحب الجواهر عن الحلبي عنه (عليه السلام) الظاهر في ان المراد بمرجع الضمير هو ابو عبد الله ـ عليه
(الصفحة 320)
السلام ـ(1) فلا حاجة اذا الى حمل قوله: و يتصدّق بالصيد على مسكين على خلاف ظاهره من ان المراد بالباء هو السببية او كون المراد هو الجزاء و الفداء، يتعين الجمع الثاني لبعد اطلاق الذبح المأخوذ في دليل المشهور على التذكية بالرمي و نحوه و بعد حمل الاصابة في الروايات الكثيرة على مجرد الاخذ و الاستيلاء فقط مع تحقق التذكية بيد المحلّ و يؤيّده قوله (عليه السلام): ان يدفنه في رواية ابن عمار المتقدمة على ما في رواية الكليني الذي هو اضبط من الشيخ (قدس سره) في نقل الرّواية.
و بذلك يمكن الجمع بين الكلمات ايضا على ما ذكرنا في اوّل البحث فان العنوان المأخوذ في عبارات المشهور هو عنوان الذبح، و المأخوذ في عبارات المخالفين لهم هو عنوان الاصابة و ان كان يبعّده ان لازمه عدم تعرّض كل واحد من الطرفين لحكم العنوان الذي تعرض له الاخر و هو بعيد جدّا لكن الا بعد منه جعل عنوان الذبح شاملا لمجرد الاخذ و الاستيلاء الذي هو مورد الاصابة قطعا و القدر المتيقن من عنوانها.
و قد تحصّل من جميع ما ذكرناه انه على تقدير التعارض لا بد من ترجيح مستندالمشهور و على تقدير عدمه يكون الترجيح مع الجمع الذي احتمله الشيخ (قدس سره).
و كيف كان فقد عرفت انّ ظاهر رواية اسحاق المتقدمة التي هي دليل المشهور كون ذبيحة المحرم اذا كان صيدا ميتة حقيقة يترتب عليها جميع آثار الميتة و لا تختص الحرمة بالاكل و ان ذكره بعده انّما هو لاجل كونه الغرض المهم من الصيد و لكن وردت روايات متعددة فيما اذا اضطرّ المحرم الى الصيد و الميتة بحيث
- 1 ـ لكن الشيخ و ان رواه في التهذيب في موضع منه عن الكليني بهذا النحو لكنه رواه في موضعين آخرين منهو في موضع من الاستبصار عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله7 قال المحرم الى آخر الحديث مع زيادة قوله فان عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزائه و ينتقم الله منهو النقمة في الآخرة فراجع.
(الصفحة 321)
كان امره دائرا بينهما و مقتضاها لزوم تقديم الصيد على الميتة و في مقابلها و ان كان بعض الروايات الدالة على تقديم الميتة على الصيد الاّ انّ الظاهر كونها مخالفة للمشهور و لا بد من طرحها و ان كان المحكي عن الشيخ (قدس سره) انه حملها على ما لا ينافي الطائفة الاولى كالحمل على عدم التمكّن الاّ من الميتة و غيره من المحامل الاّانه على تقدير عدم صحّة المحامل المذكورة لعدم اقتضائها للخروج عن عنوان التعارض يكون الترجيح مع الطائفة الاولى لما عرفت.
و كيف كان ففي بعض هذه الطائفة ـ مضافا الى ان نفس ترجيح الصيد على الميتة قرينة على عدم كونه ميتة و الاّ لكان اللازم ان يكون حاله اسوء منها لانه مضافا الى كونه ميتة يكون اصطياده ايضا محرّما بخلاف الميتة التي لا يكون فيهاالاّ اثارها و ليس في اتصافها بذلك وقوع فعل محرّم حتى لو قتل ما يملكه من الغنم ـ مثلا ـ على غير طريق شرعي متعمدا كترك ذكر اسم الله عليه كذلك فانه لا يكون في البين الاّ الاتصاف بكونه ميتة و ترتب اثار الميتة عليه من دون ان يكون هناك عمل محرّم ـ ما يدل على كون الصيد الذي ذبحه المحرم ملكا و مالا مضافا اليه و هذالا يجتمع مع كونه ميتة لعدم ثبوت المالية بالنسبة اليه ففي رواية يونس بن يعقوب قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المضطرّ الى الميتة و هو يجد الصيد قال:
ياكل الصيد، قلت انّ الله عزّ و جلّ قد احلّ له الميتة اذا اضطرّ اليها و لم يحلّ له الصيد قال: تأكل من مالك احب اليك او ميتة؟ قلت من مالي قال: هو مالك لانّ عليك فدائه قلت فان لم يكن عندي مال؟ قال تقضيه اذا رجعت الى مالك.(1)
و رواية ابي ايّوب قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اضطرّ و هو
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الصيد الباب الثالث و الاربعون ح ـ 2.