(الصفحة 329)
الذي يكون المراد منه هو الطّري الذي لا يكون صالحا للابقاء من دون علاجو قوله: للسيّارة ناظر الى الطعام الذي يكون فيه صلاحية البقاء لاجل كونه مملوحا و عليه فلا مجال لدعوى كون المراد من الصيد في مورد الحلية هو الاصطياد و مقتضى وحدة السياق كون المراد من الصيد في قوله: و حرم عليكم صيد البر... ايضاذلك و مقتضي تخصيص التحريم بحال الاحرام كون المراد هو الذي يكون محلّل الاكل و الاّ لا يبقى فرق بين المحرم و المحلّ بعد كون الغرض المهم في باب الصيد هي الاستفادة من لحمه فلا دلالة للآية على ازيد من تحريم صيد الحيوان البرّي المحلّل نعم لا دلالة لها ايضا على عدم تحريم غيره بل هي ساكتة عن ذلك و لا بد في استفادة التحريم من الاستناد الى دليل آخر.
و امّا الآية السابقة على هذه الآية و هي قوله تعالى:
(يا ايّها الذين ءامنوا لا تقتلواالصيد و انتم حرم و من قتله منكم متعمّدا فجزاء مثل ما قتل من النعم الى قوله:
(و من عاد فينتقم الله منه و الله عزيز ذو انتقام) فالمستفاد منه بعد وضوح كون الصيد فيه بمعنى المصيد ان حرمة القتل تختص بما كان فيه جزاء و كفارة خصوصا بعد كون الجزاء مثل المقتول في القيمة و المالية لا المثل المقابل للقيميو من الواضح انّ محرم الاكل لا كفارة فيه غير الموارد المنصوص عليها التي ذكرها في المستند في العبارة المتقدمة مع ان محرّم الاكل لا قيمة له و لا مالية فما لا كفارة فيه لا يحرم قتله و ما لا يحرم قتله لا يحرم صيده مطلقا.
و اورد عليه بمنع الملازمة بين حرمة القتل و ثبوت الكفارة و الآية صريحة في حرمة الاعادة و الانتقام منه الظاهر في عدم ثبوت الكفارة عليه كما وقع التصريح به في النصوص.
و الجواب ان الملازمة و ان كانت ممنوعة كما افيد الاّ ان ظهور الآية في الملازمة بين الحرمة و الكفارة في ابتداء القتل دون الاعادة لا مجال لانكاره بمعنى ان
(الصفحة 330)
المستفاد من الآية الحرمة في مورد ثبوت الكفارة لا بمعنى دلالتها على عدمها عندعدم الكفارة بل بمعنى كونها ساكتة عن مورد عدم ثبوت الكفارة و انه لا يستفاد منها ازيد من الحرمة في مورد ثبوتها كما لا يخفى فهذه الآية ايضا لا تدل على عموم الحرمة للحيوان المحرم.
نعم ربما يستدل عليه ببعض الرّوايات و هي رواية معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: ثم اتّق قتل الدوابّ كلها الاّ الافعي و العقرب و الفأرة، فامّا الفأرة فانّها توهي السقاء و تضرم على اهل البيت، و امّاالعقرب فانّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) مدّ يده الى الحجر فلسعته فقال: لعنك الله لا برّا تدعينه و لا فاجرا، و الحيّة ان ارادتك فاقتلها و ان لم تردك فلا تردها و الاسود الغدر فاقتله على كل حال و لدم الغراب و الحداة رميا على ظهر بعيرك(1). و لكنها ـ مضافا الى ان مقتضى عمومها لزوم اتقاء قتل الحيوانات الاهليّة المحللة الاكل مع انه لا اشكال في جوازه على المحرم و ان كان في الحرم كما اذا تصدى بنفسه لذبح الهدي يوم النحر بمنى مع عدم خروجه عن الاحرام بعد و الى انّ مدلولها ليس هي الحرمة بعنوان الصيد لعدم اشعار فيها به و ان كان يمكن ان يقال بانه لا ينطبق عليه غير عنوان الصيد من العناوين المحرّمة في باب الاحرام ـ لا تنطبق على المدعى فانه عبارة عن حرمة صيد المحرّم كالمحلّل بحيث كان متعلق الحرمة اعم من الاصطياد و الاكل و الدلالة و الاشارة و الاغلاق و غيرها و لا دلالة لهذه الرواية على ازيد من حرمة القتل و دلالة الآية المتعرضة لحرمة قتل الصيد على حرمة غيره من الافعال انّما هي بمعونة النصوص و الروايات او بقرينة الآية اللاحقة الظاهرة في تعلق الحرمة بالصيد بمعنى المصيد و الاّ فالآية ايضا بمجرّدها
1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الواحد و الثمانون ح ـ 2 و في التهذيب: و تضرم على اهل البيت البيت.
(الصفحة 331)
لا تدل على ازيد من حرمة قتل الصيد و كيف كان فالرواية ايضا لا تنطبق على المقام.
لكن هنا امر ينبغي التنبيه عليه و هو انه احتاط في المتن وجوبا ترك قتل الزنبور و النحل اذا لم يقصدا ايذائه و كان مأمونا من اذيهما مع انه يرد عليه انّ الزنبور ان كان من مصاديق الصيد الذي يكون محرّما على المحرم فلم اختص الاحتياط الوجوبي بترك قتله دون مثل اخذه و الاستيلاء عليه و الاستفادة منه خصوصا في النحل الذي يكون المقصود منه غالبا هو العسل الذي يصنعه و ان لم يكن من مصاديق الصّيد المزبور فلا ارتباط له بمسئلة الصيد حتى يذكر عقيبه مع انّ منشأ الاحتياط المذكور وجود رواية صحيحة في مورد قتل الزنبور الدالة على ثبوت الكفارة في تعمد قتله الملازمة لثبوت الحرمة و سيأتي التعرض لها انشاء الله تعالى غاية الامر عدم ثبوت الفتوى على طبقها مع ان هنا روايات تدل على عدم جواز قتل السّباع كلها في حال الاحرام مع عدم الخوف و الخشية منها و قد افتى الفقهاءعلى طبقها فلم لم يتعرض في المتن له و ان كان يرد على الفقهاء ايضا ان حرمة قتل السباع في الصورة المذكورة ان كانت مرتبطة بالصيد فلم لم يتعرضوا له في باب الصيد بل تعرضوا له في باب الكفارات و ان لم تكن مرتبطة بالصيد كما يؤيّده ماحكى عن الاكثر على ما عن المفاتيح من تخصيص الصيد المحرم بمحلّل الاكل و ما جعلوه عنوانا للمحرم في السباع من خصوص القتل فلم لم يجعلوها في عداد جرمة سائر محرمات الاحرام مع تعرضهم لما هو ادون منه كمالا يخفى.
و كيف كان فيدل على حرمة قتل الزنبور مطلقا صحيحة معاوية عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال سئلته عن محرم قتل زنبورا قال ان كان خطأ فليس عليه شيء، قلت لا بل متعمّدا قال يطعم شيئا من طعام، قلت انه ارادني، قال: كل
(الصفحة 332)
شيء ارادك فاقتله(1).
و تؤيدها روايتا غياث بن ابراهيم عن ابيه(2) و وهب بن وهب(3).
و امّا السباع فالكلام فيه هنا من جهة الحكم التكليفي و هو الجواز و عدمه و امّا من جهة الحكم الوضعي و هو ثبوت الكفارة و عدمه فموكول الى محلّ آخر فنقول امّا من جهة الفتاوى فظاهر الجواهر انه لا خلاف في الحرمة الاّ من صاحب الرياض حيث اختار الكراهة بناء على عدم ثبوت الكفارة فيه.
و امّا من جهة النص فمقتضى الروايات المتعددة الحرمة و لا داعي الى حملها على الكراهة بعد عدم ثبوت الاعراض عنها بل الفتوى على طبقها كما حكى عن بعضهم صريحا.
منها: رواية معاوية بن عمار المتقدمة الظاهرة في وجوب اتّقاء قتل الدواب كلها الاّ ما استثنى من العناوين الثلاثة معلّلا لاستثناء الفأرة بانّها توهي السقاء و تضرم على اهل البيت و المراد منه كما في شرح التهذيب المسمّى ب «ملاذالاخيار» انّها تخرقه او تحلّ رباطه فيذهب ما فيه ثم حكى عن القاموس: الوهي الشق في الشىء و هي كوعى و ولى تخرق و انشق و استرخى رباطه ثم قال و الاضرام على اهل البيت لانّها تجرّ الفتيلة الى جحرها فتحرق البيت.
قلت: يحتمل ان تكون هذه الجملة كناية عن الخسارة الكثيرة المتوجهة الى البيت و اهله من جهة الفأرة لا معناها الحقيقي فتدبر.
و امّا قوله: الى الحجر في تعليل استثناء العقرب فقد ذكر في الشرح ان المراد هو الحجر الاسود للاستلام ثم قال: و في بعض النسخ بتقديم الجيم و هو تصحيف
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الواحد و الثمانون ح ـ 9.
- 2 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الواحد و الثمانون ح ـ 8.
- 3 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الواحد و الثمانون ح ـ 12.
(الصفحة 333)
و الحدأة كعنبة طائر معروف و الجمع حداء و حدا قاله في القاموس ـ و الظاهر انه الذي يسمّى في الفارسية ب «زغن» ـ و المراد من الاسود هو الحية العظيمة.
و كيف كان فلا شبهة في ان مقتضى عموم الرواية لزوم الاجتناب عن قتل السّباع ماشية و طائرة و خروج مثل الحيوانات الاهلية لا يقدح في لزوم العمل بالعموم في موارد عدم ثبوت الدليل على التخصيص نعم لا مجال لدعوى الغاءالخصوصية من عنوان «القتل» المأخوذ في الرّواية و عليه فلا دلالة لها على حرمة اخذ السباع و الاستيلاء عليها في المواضع المعدّة لحفظها لمشاهدة الناس ايّاها ـ مثلا ـ.
و منها: رواية حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: كلّ ما يخاف المحرم على نفسه من السّباع و الحيّات و غيرها فليقتله و ان لم يردك فلا ترده(1). و الامر بالقتل في الصورة الاولى و ان كان يمكن المناقشة في دلالته على الوجوب لكونه في مقام توهم الحظر الاّ ان النهي عنه في الصورة الثانية لا مجال لرفع اليد عن ظهوره في الحرمة الاّ ان الاشكال في سند الرواية حيث انّه رواها الشيخ مسندة، صحيحة، عن حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) و رواها الكليني عن حريز عمّن اخبره و لو لا كان الراوي شخصا واحدا لقلنا بانه لا منافاة بين الطريقين و لا مجال لرفع اليد عن السند الصحيح الاّ انه مع وحدة الراوي و هو حريز لا يبقي مجال لاحتمال التعدد خصوصا مع كون الراوي عن حريز في كلا الطريقين هو حمّادحيث ان الكليني اضبط في نقل الرواية لتمحض فنّه فيه فالرواية مرسلة لا اعتبار بها اصلا.
و منها: صحيحة عبد الرحمن العزرمي عن ابي عبد الله (عليه السلام) عن ابيه
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الواحد و الثمانون ح ـ 1.