(الصفحة 355)
و لازمه ان المجامعة مع الاجنبية في حال الاحرام تكون مخالفة لحكمين.
هذا و لكن الّذي يبعّد ما ذكر اشتمال الآية على النهى عن الفسوق في الحج ايضا مع ان حرمته مطلقة في غير حال الاحرام فكيف يجتمع حكمين مع عدم تعدد المتعلقين فانّ الفسوق ـ كما سيأتي ـ امّا بمعنى خصوص الكذب او هو مع السباب او المفاخرة التي ترجع الى السباب ايضا نعم فيه بعض الاحتمالات الضعيفة الاخر و لا يعقل تعلق حكمين بعنوان الكذب بعد عدم تحقق الاختلاف و لو بنحو الاطلاق و التقييد و عليه فاللازم حمل حرمة الفسوق في الآية على الشدة و التأكد في حال الاحرام و مقتضى وحدة السّياق حمل حرمة الرفث ايضا على ذلك.
هذا و لكن الظاهر انّ لزوم حمل حرمة الفسوق على ما ذكر لا يوجب حمل حرمة الرفث ايضا على ذلك بعد وجود الاختلاف في الرفث بين المتعلقين فان المجامعة مع الاجنبية المحرّمة في غير حال الاحرام ايضا تغاير مطلق المجامعة و لا مجال للحمل على التأكد.
و مما ذكرنا يظهر النظر فيما افاده بعض الاعاظم (قدس سره) حيث انّه بعد حكمه باستحالة التأكد بناء على ما اختاره في معنى الحكم من انه هو انشاء النّسبة كما اشرنا اليه آنفا، اختار في ذيل كلامه، انّ حرمة الرفث تاكيدية شاملة للمجامعة مع الاجنبية ايضا بقرينة حرمة الفسوق.
وجه النظر ان الامر المستحيل لا يمكن ان يصار اليه بمجرد اقتضاء وحدة السياق له مع ان الوحدة ممنوعة ايضا لوجود الفرق بين الامرين و المغايرة بين المتعلقين بالاطلاق و التقييد فان الممنوع في غير حال الاحرام هو خصوص المجامعة مع الاجنبية غير المحللة و المحرم في حال الاحرام هو مطلق المجامعة و هذا المقدار يكفي في ثبوت الحكمين.
(الصفحة 356)
المقام السادس: المشهور بل المدعى عليه الاجماع هو اختصاص الحكم بمجامعة النساء و لا يشمل وطي البهائم و ان كان محرّما في غير حال الاحرام ايضا و قد ورد تفسير الرفث في الآية في صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدمة بجماع النساء نعم ورد تفسيره في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ايضا بمطلق الجماع و الظاهر لزوم حمل الثانية على الاولى و لا مجال لدعوي كونهما مثبتين و لا وجه لحمل المطلق على المقيد فيهما فان وقوع الصحيحتين في مقام التفسير و التحديد و بيان المراد من الآية الشريفة يوجب تحقق التهافت و التنافي المستلزم لحمل المطلق على المقيد و عليه فمقتضى القاعدة الحكم بالاختصاص بمجامعة النّساء و لا ينافي ما ذكرنا اضافة النساء الى الرفث في قوله تعالى.
(احلّ لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم) نظرا الى انه لو كان عنوان النساء مأخوذا في معنى الرفث لما كان وجه لذكر النّساء.
وجه عدم المنافاة انّ ذكرهن انّما هو بلحاظ الاضافة الى ضمير الجمع الموجب لاختصاص متعلق الحكم بخصوص المجامعة مع الاهل فانه لو لم يقع التعرض لذلك لكان مقتضى الآية حلية مطلق الجماع في ليلة الصيام و لو مع غير الاهل و هذا لا يكون مرادا قطعا فلا محيص عن ذكرهن كذلك، ثم ان عدم شمول الحكم للمساحقة انما يكون بنحو اوضح لعدم كونها مصداقا للجماع بل هو عنوان آخر لا يشمله شىء من الروايتين الواردتين في تفسير الآية.
المقام السّابع: انّه لا شبهة في توقف حلّية الجماع في الحج و مثله من العمرة المفردة على طواف النساء بل هو من المقطوع به بين الاصحاب و طواف النساء و ان كان واجبا مستقلاّ و لا يكون جزء للحج لانه يتحقق تماميته بالطوافو السعي بعد مناسك منى يوم النحر و عليه فالآية الدالة على حرمة الرفث في الحج لا يقتضي بقاء الحرمة بعد تماميّته و فرض عدم كون طواف النساء جزء له الاّ ان عنوانه يدلّ على عدم حصول حلّية النساء قبله مضافا الى ما دل على ان تشريع
(الصفحة 357)
طواف النساء منّة و عناية على الناس ليسوغ لهم الجماع و الى ما دلّ من الروايات الكثيرة على ثبوت الكفارة على من واقع قبل طواف النساء التي منها رواية خالد بيّاع القلانس قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اتى اهله و عليه طواف النساء قال: عليه بدنة ثم جائه آخر فقال عليك بقرة ثم جائه آخر فقال:
عليك شاة فقلت بعد ما قاموا: اصلحك الله كيف قلت عليه بدنة فقال انت موسر و عليك بدنة و على الوسط بقرة و على الفقير شاة»(1).
الجهة الثانية:
في حرمة التقبيل حال الاحرام و الظاهر انه لا شبهة فيها في الجملة نصّا و فتوى انّما الاشكال و الخلاف في انه هل يختص الحكم بالحرمة في التقبيل بما اذا كان بشهوة او يعم ما اذا لم يكن بشهوة؟ ذكر في الجواهر ان صريح بعض و ظاهر آخر هو الثاني لكن المحكى عن الذخيرة انه استظهر الاول و تبعه في الرياض حاكيا له عن جماعة و اللازم ملاحظة الروايات في هذا المجال فنقول:
منها: صحيحة مسمع ابي سيّار قال: قال لي ابو عبد الله (عليه السلام) يا ابا سيّار انّ حال المحرم ضيّقة، ان قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة، و ان قبّل امرأته على شهوة فامنى فعليه جزور و يستغفر الله. و من مسّ امرأته و هومحرم على شهوة فعليه دم شاة و من نظر الى امرأته نظر شهوة فامنى فعليه جزور، و ان مسّ امرأته او لازمها من غير شهوة فلا شىء عليه(2). و ظاهر الفقرة الاولى و ان كان هو ثبوت الكفارة على من قبّل امرأته على غير
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب العاشر ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الثاني عشر ح ـ 3.
(الصفحة 358)
شهوة و لازمه ثبوت الحرمة له للملازمة التي اشرنا اليها مرارا الاّ ان الظاهر انه لا يكون المراد بها هو التقبيل بغير شهوة و ذلك لان حملها على ظاهرها البدوي يقتضي ان لا تكون الرواية متعرضة لحكم الفرد الغالب من تقبيل الزوجة و هو التقبيل بشهوة من دون ان يتعقبه خروج المنيّ و هذا بخلاف الفرضين اللذين وقع التعرض لهمافي الرواية و هما التقبيل من غير شهوة و التقبيل مع الشهوة و خروج المني بعده فانهما من الموارد التي قلّما يتفق بالنسبة الى الفرد الغالب المذكور و عليه فمن البعيد جدّا ان تكون الرواية متعرضة لحكم الفرضين المزبورين و لم يقع التعرض فيها لحكم الفرد الغالب خصوصا مع تعرضها في الذيل لحكم المسّ و الملازمة و النظر و ذلك يصير قرينة على ان المراد بالشهوة المضافة اليها لفظة «الغير» في الفقرة الاولى هي الشهوة التي يتعقبها خروج المنيّ و لا اقل من ان يكون ما ذكر مانعا عن ثبوت الظهور لها في مطلق التقبيل او خصوص التقبيل بغير اصل الشهوة.
و منها: رواية علي بن ابي حمزة عن ابي الحسن (عليه السلام) قال سئلته عن رجل قبّل أمرأته و هو محرم قال: عليه بدنة و ان لم ينزل و ليس له ان يأكل منها(1). و الرواية ـ مع كونها ضعيفة السند ـ لا دلالة لها على الاطلاق لانه مضافا الى انه لا يبعد دعوى انصراف اطلاق تقبيل الزوجة الى التقبيل مع شهوة يكون قوله (عليه السلام) في الجواب: و ان لم ينزل، شاهدا على كون المراد هو خصوص التقبيل بشهوة فتدبر.
و منها: صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته قال: نعم يصلح عليها خمارها، و يصلح عليها ثوبها و محملها، قلت افيمسّها و هي محرمة؟ قال: نعم، قلت المحرم يضع يده بشهوة
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثامن عشر ح ـ 4.
(الصفحة 359)
قال: يهريق دم شاة قلت فان قبّل قال هذا اشدّ ينحر بدنة(1). و الظاهر ان المراد من السؤال الاخير هو التقبيل مع الشهوة لانه مضافا الى ظهوره فيه على ما مرّ يكون الحكم بالاشدية في الجواب الموجبة للزوم نحر بدنة قرينة على كون المراد خصوص التقبيل بشهوة لانه لا مجال لا شدية التقبيل من غير شهوة من وضع اليد مع الشهوة كما لا يخفى.
و منها: رواية العلاء بن الفضيل قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل و امرأة تمتّعا جميعا فقصّرت امرأته و لم يقصّر فقبّلها قال: يهريق دما، و ان كانا لم يقصّرا جميعا فعلى كل واحد منهما ان يهريق دما(2). و الرواية ـ مضافا الى ضعف سندها بمحمد بن سنان ـ لا اطلاق لها يشمل التقبيل من غير شهوة لما ذكرنا.
و منها: رواية الحسين بن حمّاد قال: سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يقبّل امّه قال: لا بأس به، هذه قبلة رحمة، انّما تكره قبلة الشهوة(3). و حسين بن حمّاد من الموثقين بنحو العموم و عليه فالرواية معتبرة و قد استدل القائلون باختصاص التقبيل المحرّم في حال الاحرام بما اذا كان عن شهوة بهذه الرواية و الكلام في مفادها و مدلولها من جهات:
الاولى: الظاهر ان المراد بالكراهة المتعلقة بقبلة الشهوة هي الحرمة دون الكراهة الاصطلاحية الفقهية الواقعة في مقابل الحرمة.
الثانية: الظاهر ان المراد بقبلة الشهوة هي القبلة الناشئة عن الشهوة في مقابل
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع اورد صدرها في الباب السابع عشر ح ـ 2 و ذيلها في الباب الثامن عشر ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثامن عشر ح ـ 6.
- 3 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثامن عشر ح ـ 5.