(الصفحة 358)
شهوة و لازمه ثبوت الحرمة له للملازمة التي اشرنا اليها مرارا الاّ ان الظاهر انه لا يكون المراد بها هو التقبيل بغير شهوة و ذلك لان حملها على ظاهرها البدوي يقتضي ان لا تكون الرواية متعرضة لحكم الفرد الغالب من تقبيل الزوجة و هو التقبيل بشهوة من دون ان يتعقبه خروج المنيّ و هذا بخلاف الفرضين اللذين وقع التعرض لهمافي الرواية و هما التقبيل من غير شهوة و التقبيل مع الشهوة و خروج المني بعده فانهما من الموارد التي قلّما يتفق بالنسبة الى الفرد الغالب المذكور و عليه فمن البعيد جدّا ان تكون الرواية متعرضة لحكم الفرضين المزبورين و لم يقع التعرض فيها لحكم الفرد الغالب خصوصا مع تعرضها في الذيل لحكم المسّ و الملازمة و النظر و ذلك يصير قرينة على ان المراد بالشهوة المضافة اليها لفظة «الغير» في الفقرة الاولى هي الشهوة التي يتعقبها خروج المنيّ و لا اقل من ان يكون ما ذكر مانعا عن ثبوت الظهور لها في مطلق التقبيل او خصوص التقبيل بغير اصل الشهوة.
و منها: رواية علي بن ابي حمزة عن ابي الحسن (عليه السلام) قال سئلته عن رجل قبّل أمرأته و هو محرم قال: عليه بدنة و ان لم ينزل و ليس له ان يأكل منها(1). و الرواية ـ مع كونها ضعيفة السند ـ لا دلالة لها على الاطلاق لانه مضافا الى انه لا يبعد دعوى انصراف اطلاق تقبيل الزوجة الى التقبيل مع شهوة يكون قوله (عليه السلام) في الجواب: و ان لم ينزل، شاهدا على كون المراد هو خصوص التقبيل بشهوة فتدبر.
و منها: صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته قال: نعم يصلح عليها خمارها، و يصلح عليها ثوبها و محملها، قلت افيمسّها و هي محرمة؟ قال: نعم، قلت المحرم يضع يده بشهوة
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثامن عشر ح ـ 4.
(الصفحة 359)
قال: يهريق دم شاة قلت فان قبّل قال هذا اشدّ ينحر بدنة(1). و الظاهر ان المراد من السؤال الاخير هو التقبيل مع الشهوة لانه مضافا الى ظهوره فيه على ما مرّ يكون الحكم بالاشدية في الجواب الموجبة للزوم نحر بدنة قرينة على كون المراد خصوص التقبيل بشهوة لانه لا مجال لا شدية التقبيل من غير شهوة من وضع اليد مع الشهوة كما لا يخفى.
و منها: رواية العلاء بن الفضيل قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل و امرأة تمتّعا جميعا فقصّرت امرأته و لم يقصّر فقبّلها قال: يهريق دما، و ان كانا لم يقصّرا جميعا فعلى كل واحد منهما ان يهريق دما(2). و الرواية ـ مضافا الى ضعف سندها بمحمد بن سنان ـ لا اطلاق لها يشمل التقبيل من غير شهوة لما ذكرنا.
و منها: رواية الحسين بن حمّاد قال: سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يقبّل امّه قال: لا بأس به، هذه قبلة رحمة، انّما تكره قبلة الشهوة(3). و حسين بن حمّاد من الموثقين بنحو العموم و عليه فالرواية معتبرة و قد استدل القائلون باختصاص التقبيل المحرّم في حال الاحرام بما اذا كان عن شهوة بهذه الرواية و الكلام في مفادها و مدلولها من جهات:
الاولى: الظاهر ان المراد بالكراهة المتعلقة بقبلة الشهوة هي الحرمة دون الكراهة الاصطلاحية الفقهية الواقعة في مقابل الحرمة.
الثانية: الظاهر ان المراد بقبلة الشهوة هي القبلة الناشئة عن الشهوة في مقابل
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع اورد صدرها في الباب السابع عشر ح ـ 2 و ذيلها في الباب الثامن عشر ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثامن عشر ح ـ 6.
- 3 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثامن عشر ح ـ 5.
(الصفحة 360)
قبلة الرحمة الناشئة عن محبة و عطوفة و لا مجال لما صنعه صاحب الجواهر (قدس سره) من الحمل على ارادة: انما يكره ما يحتمل الشهوة بخلاف الام و غيرها من المحارم، و مراده حمل الرواية على ان مراده تعلق القبلة بمن يجري في حقّها الشهوة نوعا و يحتملها كذلك من دون فرق بين ان تكون القبلة الخاصة الواقعة في حال الاحرام مع الشهوة او بدونها.
و انت خبير بوضوح فساد هذا الحمل و لا وجه لاحتماله اصلا فضلا عن حمل الرواية عليه.
الثالثة: ان قوله: انما تكره... في مقام بيان الضابطة و افادة القاعدة خصوصامع التصدير بكلمة الحصر فهل مورد هذه الضابطة خصوص الامّ التي هي مورد سؤال الرّواية او يعم سائر المحارم النسبية كالاخت ـ مثلا ـ او ان موردها مطلق التقبيل و لو كان الطرف هي الزوجة بل الاجنبية بل الغلام و الرجل اذا كان قبلتهما بشهوة؟ فيه وجوه و الظاهر هو الوجه الاخير لانها كما تدلّ على ان مطلق قبلة الرحمة لا مانع منه في الاحرام كذلك تدلّ على حرمة كل قبلة وقعت بشهوة من دون فرق بين مواردها اصلا.
ثم انه لو فرض كون الروايات السّابقة على هذه الرواية دالّة على حرمة التقبيل مطلقا لكان مقتضى هذه الرّواية المشتملة على الضابطة المذكورة تقييد اطلاق تلك الروايات و الحكم باختصاص الحرمة بما اذا كان التقبيل عن شهوة كما هو ظاهر.
الرّابعة انّ مورد اكثر الروايات المتقدمة بل هذه الرواية ايضا هو تقبيل الرجل المرئة و امّا تقبيل المرئة المحرمة لزوجها ـ مثلا ـ فقد ذكر بعض الاعاظم (قدس سره) على ما في تقريرات بحثه انه لا دليل على حرمته لان مورد النصوص هو تقبيل الرجل المحرم امرأته و لا وجه للتعدي عنه الى غيره الاّ دعوى كون حرمة التقبيل من
(الصفحة 361)
احكام المحرم مطلقا سواء كان رجلا ام امرأة لكن هذه الدعوي غير مسموعة لاناطتها بالغاء خصوصية الرّجولية و هو موقوف على احراز عدم دخل هذه الخصوصيّة، و كون الرجل مذكورا من باب المثال.
و انت خبير بملاحظة ما ذكرنا ان تعميم الحكم للمرئة لا يتوقّف على الغاءالخصوصيّة بوجه بل نفس هذه الضابطة المذكورة في رواية حسين بن حمّاد تدل على انّ المحرّم على المحرم هو التقبيل بشهوة من دون فرق بين الرجل و المرئة بل قد عرفت شمولها لتقبيل الغلام و الرجل ايضا فلا مجال للترديد في الحكم.
و قد ظهر من جميع ما ذكرنا ان حرمة القبلة بشهوة من احكام الاحرام و لا فرق بين مواردها و بين الرجل و المرأة.
الجهة الثالثة:
في حرمة مسّ المرأة و لمسها اذا كان بشهوة من دون فرق بين ان يتعقبه خروج المني و بين ما اذا لم يتعقبه الخروج و يدل على ذلك روايات متعددة:
منها: ذيل صحيحة مسمع ابي سيار المتقدمة في الجهة الثانية(1) المشتملة على التفصيل صريحا بين المس بشهوة و ثبوت دم شاة فيه و بين المس و الملازمة من دون شهوة و انه لا شىء عليه.
و منها: صحيحة سعيد الاعرج انه سئل ابا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينزل المرأة من المحمل فيضمّها اليه و هو محرم فقال: لا بأس الاّ ان يتعمّد و هو احق ان ينزلها من غيره(2). و الظاهر ان المراد من التعمد هو كون الضم مطلوبا له في
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الثاني عشر ح ـ 3.
- 2 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الثالث عشر ح ـ 2.
(الصفحة 362)
نفسه لاجل اللذة و التمتع لا لاجل الانزال من المحمل.
و منها: صحيحة الحلبي المتقدمة في الجهة الثانية(1) المشتملة على التفصيل فيوضع اليد على المرئة بين ما اذا لم يكن بشهوة فلا شىء عليه و بين ما اذا كان بشهوة فيهريق دم شاة و من المعلوم ان وضع اليد من مصاديق المسّ و اللمس و لا خصوصية فيه بوجه.
و منها: صحيحة اخرى للحلبي قال قلت لابي عبد الله (عليه السلام) المحرم يضع يده على امرأته قال لا بأس، قلت فينزلها من المحمل و يضمّها اليه قال لا بأس، قلت فانه اراد ان ينزلها من المحمل فلما ضمّها اليه ادركته الشهوة قال ليس عليه شىء الاّ ان يكون طلب ذلك(2). و الظاهر اتحادها مع الرواية السابقة و عدم كونها رواية واحدة بعد كون السائل هو الحلبي و السؤال الأوّل عن وضع المحرم يده على امرأته غاية الامر ان الراوي عن الحلبي في الرواية السّابقة هو الحماد و في هذه الرواية هو عبد الله بن مسكان و هو لا يوجب تعدد الرواية كما ان عدم اشتمال الاولى على السؤال على انزالها من المحمل لا يوجب ذلك فتدبر.
ثم انّ مقتضى اطلاق هذه الروايات انه لا فرق في حرمة المس بشهوة بين صورة انزال المني و صورة عدمه لكن هنا رواية ربما يتوهم دلالتها على الاختصاص بصورة الانزال و هي صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن محرم نظر الى امرأته فامنى او امذى و هو محرم قال لا شيء عليه و لكن ليغتسل و يستغفر ربّه، و ان حملها من غير شهوة فامنى او امذى و هو محرم فلا شىء
- 1 ـ وسائل قد عرفت انه اورد صدرها في الباب السابع عشر من ابواب كفارات الاستمتاع ح ـ 2 و ذيلهافي الباب الثامن عشرح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح ـ 5.