(الصفحة 368)
صاحب الجواهر (قدس سره) بانّها قاصرة عن معارضة غيره من وجوه ثم ذكر ان نفي الشيء عليه لا يدل على نفي الحرمة.
و استبعد بعض الاعلام (قدس سره) حمل الشيخ (قدس سره) بان الظاهر ان السؤال عن المحرم بما هو محرم و ملتفت الى احرامه لا ذات المحرم و شخصه كما انه اورد على صاحب الجواهر بانّا لا نعرف الوجوه التي كانت في نظره الشريف.
و يدفع الاستبعاد مضافا الى منع الظهور الذي افاده، انه يمكن ان يكون مرادالشيخ هو نسيان حرمة النظر الى الزوجة بشهوة فتدبر لا نسيان اصل الاحرام.
كما انّه اورد بعض الاعاظم (قدس سره) على صاحب الجواهر بان قوله (عليه السلام): لا شيءعليه يفيد العموم لدلالة النكرة الواقعة في حيّز النفي على العموم و عليه فهو يدل على نفي الحكم التكليفي و الوصفي معا و نفي احدهما بقرينة في مقام لا دلالة له على عدم العموم في مورد آخر.
اقول: انّه حيث يكون المفروض في مورد الرّواية وقوع النظر الكذائي خارجاو محطّ نظر الرواية انّما هو بيان الوظيفة بعد الوقوع لا يبقى مجال لحمل قوله (عليه السلام) لا شيء عليه، على العموم المشتمل على الحرمة التكليفية ضرورة ان الحرام بعدارتكابه لا تبقى حرمته بالاضافة الى المحرّم الذي ارتكبه نعم لو كان مورد الرواية عبارة عن المحرم الذي يريد ان ينظر كذلك لكان مقتضي العموم نفي الحكم التكليفي ايضا لكن موردها فرض الوقوع و التحقق فلا موقع للعموم ـ ح ـ نعم يمكن ان يقال ان مقتضي العموم نفي وجوب التوبة عليه بعده ايضا و عليه فبناء على القول بوجوب التوبة عقيب ارتكاب المعصية يكون نفي الوجوب كاشفا عن عدم تحققها فيستكشف عدم ثبوت الحرمة لكن ظاهر كلام بعض الاعاظم استفادة نفي الحرمة بلا واسطة لا معها كما لا يخفى هذا و لكن الجواب عن صاحب
(الصفحة 369)
الجواهر (قدس سره) انه لو كان مورد الرواية هو مجرد النظر بشهوة من دون مدخلية التعقب للامناء لكان حمل قوله (عليه السلام) لا شيء عليه على نفي الكفارة غير الملازم لنفي الحرمة لعدم ثبوت الكفارة في جميع محرمات الاحرام في محلّه و امّا مع فرض كون مورد الرواية هو النظر بشهوة المتعقب للامناء كما هو ظاهرها فلا يبقى مجال للحمل على نفي الكفارة مع صراحة روايات متعددة في ثبوت الكفارة في نفس هذا الفرض ففي ذيل صحيحة معاوية بن عمّار التي استدل بها للمشهور قال في المحرم ينظر الى امرأته او ينزلها بشهوة حتى ينزل قال عليه بدنة.
و في ذيل صحيحة مسمع المتقدمة ايضا و من نظر الى امرأته نظر شهوة فامنى فعليه جزور، و عليه فكيف يمكن حمل الموثقة على نفي الكفارة نعم لو لم يكن موردها مشتملا على ذكر الامناء و كان مقصورا على مجرد النظر بشهوة لكان مقتضى الجمع بين دليل المشهور و الموثقة حمل قوله: لا شيء عليه، على عدم ثبوت الكفارةو حمل دليل المشهور على مجرّد الحرمة مع الالتزام بعدم كون الاستغفار المأمور به فيه مأخوذا بعنوان الكفّارة و الاّ فلا يبقي مجال للجمع ايضا.
و مما ذكرنا ينقدح انه لا بد من الاعراض عن الرواية للتسالم على ثبوت الكفارة في موردها حتى الصدوق القائل بجواز النظر بشهوة لا ينفى ثبوت الكفارة نعم سيأتي في شرح المسئلة الثالثة انه قد حكى عن المفيد و المرتضى اطلاق القول بعدم ثبوت الكفارة و لعلّهما استندا الى هذه الرّواية و لكن موافقة الشهرة الفتوائية لسائر الروايات توجب الاخذ بها و طرح هذه الرّواية فلا تصلح لمعارضتها بوجه.
و هنا رواية اخرى استدل بها ايضا للقول المزبور و هي صحيحة علي بن يقطين عن ابي الحسن (عليه السلام) قال سئلته عن رجل قال لامرأته او لجاريته بعد ما حلق و لم يطف و لم يسع بين الصفا و المروة: اطرحي ثوبك و نظر الى فرجها، قال
(الصفحة 370)
لا شيء عليه اذا لم يكن غير النظر(1). و يجري ما ذكره صاحب الجواهر من حمل نفي الشىء عليه على الكفارة من دون ان يرد عليه ما اوردناه عليه في حمل الموثقة و يمكن ان يقال بدلالته على جواز النظر مطلقا و اطلاقه يقيد بما يدل على حرمته اذا كان بشهوة و دعوى كون النظر الى الفرج المذكور في الرواية ملازما للشهوة مدفوعة بمنع ذلك و عدم كون الغلبة موجبة للانصراف كما حقق في محلّه و عليه فاللازم هو الالتزام بما هو المشهور من الحكم بحرمة النظر اذا كان بشهوة دون ما اذا لم يكن كذلك هذا كلّه في النّظر بشهوة الى الزوجة او الامة.
و امّا النظر بشهوة الى غيرهما فقد ذكر صاحب المدارك في شرح عبارة الشرايع التي هي مطلقة خالية عن الاضافة الى الزوجة كعبارة الماتن ـ قدس سره الشريف ـ ما هذا لفظه: «قال الشارح ـ يعني صاحب المسالك (قدس سره) و لا فرق في ذلك ـ يعني تحريم النظر بشهوة ـ بين الزوجة و الاجنبيّة بالنّسبة الى النظرة الاولى ان جوّزناهاو الاّ فالحكم مخصوص بالزوجة، و كان وجه الاختصاص عموم تحريم النظر الى الاجنبيّة على هذا التقدير و عدم اختصاصه بحالة الشهوة و هو جيّد الاّ ان ذلك لا ينافي اختصاص التحريم الاحرامى بما كان بالشهوة كما اطلقه المصنّف ـ رحمه الله ـ ». و قد تبعه في عدم المنافاة المذكور في ذيل كلامه صاحب الجواهر (قدس سره) و ان كان صاحبا كشف اللثام و الحدائق قد تبعا الشهيد في الاطلاق بالاضافة الى الاجنبيّة و انه لا فرق في حرمة النظر اليها في حال الاحرام بين صورة كونه بشهوةو عدم كونه كذلك.
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح ـ 4.
(الصفحة 371)
اقول هنا مطلبان:
احدهما: ان المستفاد من هذه الكلمات و كذا صريح كلام الجواهر ان عدم الفرق بين الزوجة و الامة و بين كل امرأة يجوز النظر اليها في غير حال الاحرام كالامة التي يريد ابتياعها و المرأة المخطوبة التي يريد تزويجها و الاجنبيّة بالاضافة الى النظرة الاولى على تقدير جوازها امر مسلّم و انّ الجميع مشترك في التفصيل الموجود في الزوجة بين صورة الشهوة و صورة عدمها من دون ترديد.
مع انك عرفت ان مورد الروايات امّا الزوجة او هي مع الامة المملوكة للمحرم و مجرد اشتراكهما مع المذكورات في جواز النظر في غير حال الاحرام لا يوجب الاشتراك في الحرمة الاحرامية فمن الممكن ان لا يكون النظر الى الاجنبيّة في حال الاحرام محرّما من جهة الاحرام بوجه و ان كان محرّما في نفسه و لذا نقول حيث ان مورد الروايات الرجل المحرم الّذي ينظر الى زوجته او امته لا مجال لدعوى تعميم الحكم بالاضافة الى المرئة المحرمة اذا نظرت الى زوجهابشهوة و كذا الامة المحرمة اذا نظرت الى مولاها كذلك لعدم الدليل على الغاء الخصوصية و عدم الاحاطة بالملاك اصلا و بالجملة فهذه الجهة التي هي كالمسلّمة بينهم لم ينهض عليها دليل اصلا.
ثانيهما: في الاجنبية التي لا يجوز النظر اليها في غير حال الاحرام من دون فرق بين ما اذا كان بشهوة و ما اذا لم يكن كذلك فهل الحرمة الاحراميّة المتعلّقة بالنظر اليها مختصة بما اذا كان بشهوة كالزوجة او تعم صورة عدم الشهوة أيضا، و البحث فيها انّما هو بعد الفراغ عن ثبوت حرمة احرامية بالاضافة اليها و ذلك لوجود بعض الروايات الدالة على ذلك و لولاها لكان مقتضى القاعدة نفى هذا الحكم رأسا لما عرفت في المطلب الاوّل و عليه فاللازم ملاحظتها من هذه الجهة فنقول:
(الصفحة 372)
امّا الرّوايات فمنها: موثقة ابي بصير قال قلت لابي عبد الله (عليه السلام) رجل محرم نظر الى ساق امرأة فامني فقال ان كان موسرا فعليه بدنة و ان كان وسطا فعليه بقرة، و ان كان فقيرا فعليه شاة ثم قال: اما انّى لم اجعل عليه هذا لانّه امني انما جعلته عليه لانه نظر الى ما لا يحلّ له(1). و فيما رواه الصدوق باسناده عن ابي بصير عطف قوله الى فرجها على ساق امرأة.
و قد ذكر بعض الاعلام (قدس سره) ان مراده (عليه السلام) يعني من التعليل ان الحكم بالكفارة لم يجعل لمجرد الامناء بل للامناء المترتّب على النظر المحرم فموضوع الحكم بوجوب الكفارة، النظر المنتهى الى الامناء لا الامناء فقط و لو كان خاليا عن النظرالمحرم و لا النظر المحرم وحده و بالجملة ليس معنى الرواية ان مجرد ارتكاب الحرام يوجب الكفارة بل معناها ان النظر المحرم المترتب عليه الامناء يوجب الكفارة.
و يرد عليه اوّلا: ان كلامه يشعر بل يدلّ على انه جعل معنى التعليل الذي نفاه، كون ارتكاب الحرام موجبا للكفارة و ظاهره ان ارتكاب كلّ محرم يكون كذلك مع انه على هذا التقدير لا بدّ من فرض وجود النظر و تعميم الحكم في مورده بمعنى ان النظر الى كل ما لا يحلّ كذلك سواء كان ساق امرأة اجنبيّة او بعض اعضائهاالاخر او عورة الرجل ـ مثلا ـ او غيرها من الامور التي لا يجوز النظر اليه.
و ثانيا: و هو العمدة ـ انّ ظاهره كون الرواية المشتملة على العلة المذكورة ظاهرة في نفسها في ثبوت الكفارة على النظر المحرم الذي يتعقّبه الامناء مع ان الانصاف انّ الرواية لو خلّى و طبعها ظاهرة في كون العلة لثبوت الكفارة مجرد تحقق النظر الى ما لا يحلّ له و لا مدخلية للامناء فيه بوجه و حمل قوله (عليه السلام) اني لم اجعل عليه لانّه امني، على كون المراد نفي مدخلية الامناء فقط مع كون الضمير يرجع الى الرجل
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب السادس عشر ح ـ 2.