(الصفحة 395)
و من جميع ما ذكرنا يظهر الجواب عن الاستدلال للبطلان بصحيحة سليمان بن خالد قال سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول في الجدال شاة و في السباب و الفسوق بقرة و الرفث فساد الحجّ(1). فان كلمة «الفساد» و لو كانت ظاهرة في نفسها في البطلان كما في مثل الصلوة و الصوم الاّ ان مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة و بين الروايتين حمل الفساد فيها على التنزيل و كون الاطلاق من باب الاستعارة لانه كما ان العبادة الباطلة يجب عليه قضائها و الاتيان بها ثانية كذلك الحج اذا وقع فيه الجماع يترتب عليه لزوم التكرار من دون ان يكون فاسدا بخلاف الجدال و الفسوق لعدم ترتب لزوم التكرار على مثلهما.
و يؤيد ما ذكرنا اطلاق عنوان الفساد في بعض الروايات في بعض الموارد الذي اجمع على عدم الفساد فيه مثل صحيحة حمران بن اعين عن ابي جعفر (عليه السلام) قال سئلته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة اشواط ثم غمزه بطنه فخاف ان يبدره فخرج الى منزله فنقض ثم غشى جاريته قال يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان قد بقي عليه من طوافه و يستغفر الله و لا يعود و ان كان طوف طواف النساء فطاف منه ثلاثة اشواط ثم خرج فغشى فقد افسد حجه و عليه بدنة و يغتسل ثم يعود فيطوف اسبوعا(2). فان الاجماع قائم على عدم بطلان الحج بالجماع بعد الموقفين مع انه قد وقع التعبير بالفساد في الجماع اثناء طواف النساء قبل تجاوز النصف.
و من الروايات الّتي عبر فيها بالفساد مع كون المراد به هو عدم اداء الكفارة مع وضوح عدم كونه موجبا للفساد رواية ابي بصير انه سئل الصادق ـ عليه
- 1 ـ وسائل اورد صدره فيه في الباب الاوّل من ابواب بقية كفارات الاحرام ح ـ 1 و ذيله في الباب الثاني منهاح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الحادى عشر ح ـ 1.
(الصفحة 396)
السلام ـ عن رجل واقع امرأته و هو محرم قال عليه جزور كوماء فقال لا يقدر فقال ينبغي لاصحابه ان يجمعوا له و لا يفسدوا حجّه(1). فانها ظاهرة في اطلاق الفساد مع عدم اداء الجزور المذكور مع انه من الواضح عدم كونه موجبا للفساد بمعنى البطلان و لم يقل به احد.
و قد انقدح مما ذكرنا ان الاظهر كون الحج الذي وقع فيه الجماع قبل الوقوف بالمشعر صحيح و ان كان قبل الوقوف بعرفة و ان الثاني عقوبة محضة.
الامر الثاني: في لزوم التفريق بينهما و الكلام فيه يقع من جهات:
الجهة الاولى: في اصل اللزوم في الجملة و عدمه فالمحكي عن الخلاف و الغنية الاجماع عليه قال في الجواهر بعد ذلك: و لعلّه كذلك اذ لا اجد فيه خلافا محقّقا و ان عبّر عنه في محكي النهاية و المبسوط و السرائر و المهذب بلفظ «ينبغي» فانه يمكن ارادة الوجوب منه و يدل على الوجوب كثير من الروايات المتقدمة المتعرضة لذلك التي وقع فيها التعبير بقوله (عليه السلام) و يفرق بينهما... او يفترقان فان الجملة الخبرية الواقعة في مقام افادة الحكم ظاهرة في الوجوب بل لعلّه كانت دلالتها على الوجوب اشد و آكد من دلالة هيئة افعل كما قرر في محلّه و لا موجب لرفع اليد عن مقتضى ظاهرها و الحمل على الاستحباب بل قد عرفت انّ لزوم اتمام الحج الذي وقع فيه الجماع انّما استفيد من لزوم التفريق لانّ لزوم التفريق لا يجتمع مع عدم لزوم الاتمام لعدم تعرض الروايات المتقدمة مع كثرتها للزوم الاتمام بالمطابقةو من البعيد ان لا يكون فيها تعرض للزوم الاتمام و لو بالدلالة الالتزامية مع ان الاتمام و عدمه اوّل ما يبتلى به من ارتكب الجماع فان لزوم الحج عليه في القابل و ثبوت الكفارة امران متاخران عن مسئلة الاتمام و عليه فلا مجال لدعوى عدم
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 13.
(الصفحة 397)
وقوع التعرض له في الروايات بالكلية فاللازم الالتزام بلزوم التفريق حتى يكون طريقا الى استفادة لزوم الاتمام فافهم و اغتنم.
الجهة الثانية: في العنوان الذي هو متعلق اللزوم فان التعبير الواقع في كثير من الروايات المتقدمة هو عنوان التفريق و في رواية علي بن ابي حمزة عنوان الافتراق و الظاهر ان متعلّق اللزوم هو العنوان الثاني الذي لازمه كون التكليف متوجّها الى نفس الزوجين دون الاوّل الذي لازمه كون التكليف متوجها الى الثالث لانّه ـ مضافا الى ان الجماع قلّ ما يتفق ان يطّلع عليه غير الزوجين خصوصا في حال الاحرام الذي يكون فيه محرّما بل من اعظم محرمات الاحرام و عليه فتوجيه التكليف الى الغير لا يترتب عليه اثر غالبا ـ تكون مناسبة الحكم و الموضوع مقتضية لتوجه التكليف الى الزوجين المرتكبين للمحرّم و عليه فالظاهر كون متعلق اللزوم هو الافتراق كما وقع التعبير به في مثل الشرايع نعم لو اطلع عليه الغير و لم يفترقا يجب عليه ذلك من باب الامر بالمعروف فتدبّر.
الجهة الثالثة: هل الواجب هو الافتراق في خصوص الحج الاوّل او في خصوص الحج الثاني كما هو ظاهر الشرايع بل صريحها او في كليهما؟ فنقول مقتضى روايتى معاوية بن عمار المتقدمتين الدالتين على التفريق هو كون التفريق في الحج الاوّل و مقتضى صحيحته الثالثة كون التفريق في الحج الثاني و هي ما رواه عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال سئلته عن رجل وقع على امرأته و هو محرم قال ان كان جاهلا فليس عليه شيء، و ان لم يكن جاهلا فعليه سوق بدنة و عليه الحج من قابل فاذا انتهى الى المكان الذي وقع بها فرّق محملا هما فلم يجتمعا في خباء واحد الاان يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدى محلّه(1)
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 12
(الصفحة 398)
و لكن حيث ان الظاهر اتحاد هذه الرواية مع الروايتين كما ان الظاهراتحادهما ايضا فالرواية التي رواها معاوية في هذه المسئلة واحدة و عليه يتردد الامر بين كون التفريق المأمور به هو التفريق في الاول او التفريق في الثاني فلا يصح للاستدلال بها على خصوص واحد منهما.
نعم مقتضى جملة من الروايات كون التفريق في الاوّل من دون تعرض للتفريق في الثاني كمرفوعة ابان بن عثمان الى ابي جعفر و ابي عبد الله (عليهما السلام) قالا: المحرم اذا وقع على اهله يفرق بينهما يعني بذلك لا يخلوان و ان يكون معهما ثالث(1). و قد نقلها في الوسائل في موضعين و جعلها روايتين مع وضوح عدم تعدّد في البين.
و كصحيحة عبيد الله بن عليّ الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: قلت ارأيت من ابتلى بالجماع ما عليه؟ قال عليه بدنة و ان كانت المرأة اعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما بدنتان ينحرانهما، و ان كان استكرهها و ليس بهوى منها فليس عليها شىء و يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا الى المكان الذي اصابا فيه ما اصابا قلت: أرأيت ان اخذا في غير ذلك الطريق الى ارض اخرى يجتمعان؟ قال نعم الحديث(2). و رواية محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) في حديث قال قلت له:
أرأيت من ابتلى بالرفث و الرفث هو الجماع ما عليه؟ قال يسوق الهدى و يفرق بينه و بين اهله حتى يقضيا المناسك و حتى يعودا الى المكان الذي اصابا فيه ما اصابا فقلت أرأيت ان ارادا ان يرجعا في غير ذلك الطريق قال فليجتمعا اذا قضيا المناسك(3)
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 6.
- 2 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 14.
- 3 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 15.
(الصفحة 399)
و صحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: سئلته عن رجل باشر امرأته و هما محرمان ما عليهما؟ فقال ان كانت المرأة اعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدى جميعا و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك و حتى يرجعاالى المكان الذي اصابا فيه ما اصابا، و ان كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شيء(1).
و ليس في شيء من الروايات الحكم بلزوم التفريق في خصوص الحج الثاني سوى صحيحة معاوية التي عرفت حالها نعم في روايتان ثبوت التفريق في كلا الحجين و هما صحيحة زرارة و رواية علي بن ابي حمزة المتقدمتان و عليه فاللازم الحكم على طبقهما و الفتوى باللزوم في كليهما نعم يمكن ان يقال بالفرق بينهما في غاية الافتراق و سيأتي البحث عنها انشاء الله تعالى.
الجهة الرابعة: هل الحكم بلزوم التفريق ينحصر بما اذا كانت المرئة محرمة مطاوعة او يشمل ما اذا كانت مكرهة على الوقاع؟ ظاهر الشرايع هو الاوّل حيث قال: «و لو كانت امرأته محرمة مطاوعة لزمها مثل ذلك ـ يعنى الكفارة و الحج من قابل ـ و عليهما ان يفترقا اذا بلغا ذلك المكان حتى يقضيا المناسك اذا حجّا على تلك الطريق» فانّها كما تدل على ان لزوم الافتراق انّما هو في الحج الثاني كذلك تدلّ على انّ مورده صورة المطاوعة فلا يجب في غير هذه الصّورة.
هذا و لكن مقتضى اطلاق بعض الروايات الشمول لصورة الاستكراه ايضامثل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن ابي عبد الله (عليه السلام) في المحرم يقع على اهله فقال: يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء الا ان يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدى
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الرابع ح ـ 1.