(الصفحة 453)
عن هذه الجملة و ـ ح ـ فان عدّت روايتين فنقول انّ ما يكون ضعفه مجبورا باستنادالمشهور اليه و الفتوى على طبقه انّما هي الرّواية التي رواها الشيخ (قدس سره) لكونها موافقة لفتوى المشهور و امّا الرواية التي رواها الكليني المشتملة على النهي عن الخطبة فلا جابر لضعف سندها بعد عدم حكاية القول بالحرمة الاّ من ابي على نعم ظاهر صاحب الوسائل ايضا ذلك لعطفه الخطبة على ايقاع العقد لنفسه او لغيره او الشهادة في الحرمة فرواية الكليني ضعيفة غير منجبرة.
و ان لم تعدّ روايتين بل لا يكون في البين الاّ رواية واحدة غاية الامر كونهامروية بكيفيتين فنقول ان استناد المشهور الجابر للضعف انّما يجدي بالمقدار الذي يكون موافقا لفتوى المشهور و امّا الخارج عن ذلك المقدار فلا تكون الرواية الضعيفة حجة بالاضافة اليه ايضا فلو فرض كون رواية واحدة ضعيفة مروية بطريق واحد فقط مشتملة على حكمين مستقلين غير مرتبطين و لا متلازمين و كان فتوى المشهور مطابقا لاحدهما فقط دون الآخر لا يجدي ذلك في اعتبار الرواية بالنسبة الى كلا الحكمين بحيث يجوز التمسك بها للحكم الآخر ايضا فتدبّر و عليه فهذه المرسلة لا تصلح لاثبات الحرمة بوجه.
نعم يمكن التمسك بمرسلة الصدوق المتقدمة التي عرفت كونها معتبرة في نفسها بحيث لا تحتاج الى الانجبار نظرا الى ان موردها و ان كان هي الشهادة و قد حكم فيها بالنهي عنها الظاهر في الحرمة الاّ ان ذيلها المشتمل على الاستفهام الانكاري الذي هو بمنزلة التعليل للحكم ربما يدل على حرمة الخطبة بل انطباق التعليل على الخطبة اوضح من انطباقه على الشهادة تحمّلا و اداء و ذلك لانّ تحمل الشهادة الذي معناه مجرد الحضور و الشهود لا دخالة له لا في اصل تحقّق النكاح و لا في اتصافه بالصّحة لان مرجعه الى مجرد النظارة دون الدخالة و اداء الشهادة و اقامتهاو ان كان له مدخلية لكن مدخليته انّما هي بالاضافة الى مقام الاثبات عند
(الصفحة 454)
الحاكم بخلاف الاشارة الى الصيد و امّا الخطبة فمدخليتها في اصل النكاح و تحققه انّما هي كمدخلية الاشارة في وجود الصيد و تحققه لان الخطبة من مقدمات النكاح و وجوده فهي اشبه بالاشارة من الشهادة و عليه فيمكن التمسك بهذه المرسلة المعتبرة للقول بالحرمة.
و لكن يمكن الايراد عليه بان كون الذيل بمنزلة التعليل الذي كان الحكم دائرا مداره سعة و ضيقا محلّ نظر لان لازمه الحكم بحرمة الاعانة على تحقق النكاح و لو بين محلّين باية كيفية سواء كانت اعانة مالية او ارشادية او نحوهما و لا يمكن الالتزام به.
و مع ذلك فالاحتياط في ترك الخطبة انّما هو على سبيل الوجوب دون الاستحباب كما في المتن.
ثمّ انه لو لم نقل بحرمة الخطبة لعدم نهوض دليل معتبر عليها فالظاهر انه لا دليل على الكراهة ايضا لانّ منشأ الكراهة امّا قاعدة التسامح و امّا ما اشار اليه في الجواهر من انّها تدعوا الى الحرام كالصرف مع انّ قاعدة التسامح انّما تجري في السنن و المستحبات و لا تشمل رواياتها للكراهة بوجه و الدعوة الى الحرام مع انها ممنوعة صغرى في بعض الموارد لان النكاح قد يقع بين محلين و العاقد غير محرم ممنوعة كبرى لانه لا دليل على كراهة شيء يدعو الى الحرام بعد كون الدعوة لا تتجاوز عن حدّ الاعداد كما لا يخفى فلا وجه للكراهة على تقدير عدم الحرمة هذاتمام الكلام في الحكم الاوّل من الاحكام الثلاثة التي وقع التعرض لها في هذا الامر.
الحكم الثاني:
هي الحرمة الابدية و القدر المتيقن من موردها ما اذا تزوج المحرم لنفسه و كان
(الصفحة 455)
عالما بالحرمة التكليفية الاحرامية المتقدمة و ان لم يدخل بها و في الجواهر: اجماعابقسميه بل المحكي منه مستفيض او متواتر.
و المحكّي عن المرتضى و سلاّر تعميم الحكم لصورة الجهل ايضا مطلقا من دون فرق بين صورة الدخول و عدمه لكن المحكّي عن الخلاف و الكافي و الغنية و السرائر و الوسيلة الحكم بالتحريم في صورة الجهل فيما اذا تحقق الدخول كذات العدّة بل عن الخلاف الاجماع عليه و ان نفى في الجواهر تحققه في المقام.
و كيف كان فاللازم ملاحظة الروايات الواردة في الباب و هي على ثلاث طوائف:
الطّائفة الاولى: ما ظاهره بمقتضى الاطلاق تحقق الحرمة الابدية مطلقا من دون فرق بين صورتى العلم و الجهل مثل صحيحة اديم بن الحرّ الخزاعي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال ان المحرم اذا تزوج و هو محرم فرّق بينهما و لا يتعاودان ابدا، و الذي يتزوج المرأة و لها زوج يفرق بينهما و لا يتعاودان ابدا(1). و رواية ابراهيم بن الحسن عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال ان المحرم اذا تزوج و هو محرم فرّق بينهما ثم لا يتعاودان ابدا(2). و الرواية ضعيفة لان ابراهيم بن الحسن مجهول لكن يغلب على الظنّ انّها هي الرواية المتقدمة و ان ابراهيم تصحيف اديم و الحسن تصحيف الحرّ لشدة شباهتهما في الكتابة و يؤيده اتحادهما في المتن و التعبير و كذا كون الراوي عن كليهما هو ابن بكير و عليه فلا تكون هذه رواية ضعيفة بل متحدة مع الرواية السّابقة.
و مرسلة الصدوق المعتبرة قال قال (عليه السلام) من تزوج امرأة في احرامه
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الخامس عشر ح ـ 2.
- 2 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الخامس عشر ح ـ 1.
(الصفحة 456)
فرق بينهما و لم تحلّ له(1). و لكن يمكن المناقشة في دلالتها بعد ظهورها في الحرمة الابدية لانه يمكن ان يكون المراد هو عدم كونها حلالا له بالاضافة الى هذا النكاح لا مطلقا لكن الرواية الاولى كافية لتماميتها سندا و دلالة كما انه بعد المراجعة الى المصدر و هو كتاب الفقيه ظهر ان فيه زيادة قوله (عليه السلام) ابدا و عليه فهذه الرواية ايضا تامة كذلك.
الطائفة الثانية: ما تقابل الطائفة الاولى و تدل على عدم تحقق الحرمة الابدية مطلقا و هي صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: قضى امير المؤمنين (عليه السلام) في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل ان يحلّ فقضى ان يخلّي سبيلها، و لم يجعل نكاحه شيئا حتى يحلّ فاذا احلّ خطبها ان شاء، و ان شاء اهلها زوّجوه و ان شاؤا لم يزوجوه(2). و لا مجال للمناقشة في اطلاقها بانه يمكن ان يكون المورد الذي قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيه بما في الرواية خصوص صورة الجهل و ذلك لما ذكرنا مرارا من انه لو كان الحاكي لمثل هذا القضاء هو الامام (عليه السلام) و كان غرضه من الحكاية بيان الحكم و افادته من هذا الطريق الذي هو احد الطرق في مقام بيان الحكم لا بد من الاخذ باطلاق كلامه ضرورة انه مع مدخلية المقيد كان عليه البيان كما في سائر الطرق فالرواية مطلقة في نفسها.
الطائفة الثالثة: ما تدل على عدم ثبوت شىء على المحرم في صورة الجهل مطلقااو على مدخلية العلم في الحرمة الابدية في المقام فالاولى مثل صحيحة عبد الصّمد بن بشير المتقدمة المشتملة على قوله (عليه السلام) ايّ رجل ركب امرا بجهالة فلا شيء
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الخامس عشر ح ـ 4.
- 2 ـ وسائل ابواب بقية كفارات الاحرام الباب الثامن ح ـ 3.
(الصفحة 457)
عليه. فان النكرة في سياق النفي تفيد العموم و لا مجال لدعوى اختصاصه بالكفارة فانّ الحرمة الابدية اشد من الكفارة بمراتب.
و الثانية ما رواه الكليني عن عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد و عن محمد بن يحيى، (و ظ) عن احمد بن محمّد جميعا عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن المثنى عن زرارة بن اعين و داود بن سرحان عن ابي عبد الله (عليه السلام) و عن عبدالله بن بكير عن اديم بياع الهروي عن ابي عبد الله (عليه السلام) في الملاعنة اذا لاعنها زوجها لم تحلّ له ابدا الى ان قال: و المحرم اذا تزوج و هو يعلم انه حرام عليه لم تحلّ له ابدا(1). و الظاهر ان اديم ـ بضم الالف و فتح الدال ـ بياع الهروي هو اديم بن الحرّ الخزاعي المتقدم و ليسا برجلين و الرواية معتبرة و مدلولها مدخلية العلم بالحرمة الاحرامية في ثبوت الحرمة الابدية كمدخلية التزوج لنفسه و عليه فالرواية تدل على التفصيل و لا تتوقف دلالتها على التفصيل على القول بثبوت المفهوم للقضية الشرطية الراجع الى كون الشرط علة منحصرة لثبوت الجزاء و لم يكن الجزاء متحققا بدونه اصلا بل بعد وضوح انه لا يكون في هذا المقام الاّ حكم واحد فاذا كان مقتضى القضية الشرطية مدخلية امرين في ثبوته: التزوج لنفسه و كون المحرم المتزوج عالما بحرمة التزوج في حال الاحرام فلا محالة يكون الحكم منتفيا بانتفاء واحد منهما.
و عليه فهذه الرواية المفصلة كما انّها تصلح لتقييد الطائفة الثانية النافية للحرمة الابدية مطلقا و مقتضى التقييد اختصاصها بصورة عدم العلم و ان كان مقتضاها في نفسها هو الاطلاق كما عرفت كذلك تصلح لتقييد الطائفة الاولى المثبتة للحرمة الابدية مطلقا لانّهما و ان كانا مثبتين الاّ انه حيث يكون الحكم
- 1 ـ وسائل ابواب ما يحرم بالمصاهرة و نحوها الباب الواحد و الثلاثون ح ـ 1.