(الصفحة 457)
عليه. فان النكرة في سياق النفي تفيد العموم و لا مجال لدعوى اختصاصه بالكفارة فانّ الحرمة الابدية اشد من الكفارة بمراتب.
و الثانية ما رواه الكليني عن عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد و عن محمد بن يحيى، (و ظ) عن احمد بن محمّد جميعا عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن المثنى عن زرارة بن اعين و داود بن سرحان عن ابي عبد الله (عليه السلام) و عن عبدالله بن بكير عن اديم بياع الهروي عن ابي عبد الله (عليه السلام) في الملاعنة اذا لاعنها زوجها لم تحلّ له ابدا الى ان قال: و المحرم اذا تزوج و هو يعلم انه حرام عليه لم تحلّ له ابدا(1). و الظاهر ان اديم ـ بضم الالف و فتح الدال ـ بياع الهروي هو اديم بن الحرّ الخزاعي المتقدم و ليسا برجلين و الرواية معتبرة و مدلولها مدخلية العلم بالحرمة الاحرامية في ثبوت الحرمة الابدية كمدخلية التزوج لنفسه و عليه فالرواية تدل على التفصيل و لا تتوقف دلالتها على التفصيل على القول بثبوت المفهوم للقضية الشرطية الراجع الى كون الشرط علة منحصرة لثبوت الجزاء و لم يكن الجزاء متحققا بدونه اصلا بل بعد وضوح انه لا يكون في هذا المقام الاّ حكم واحد فاذا كان مقتضى القضية الشرطية مدخلية امرين في ثبوته: التزوج لنفسه و كون المحرم المتزوج عالما بحرمة التزوج في حال الاحرام فلا محالة يكون الحكم منتفيا بانتفاء واحد منهما.
و عليه فهذه الرواية المفصلة كما انّها تصلح لتقييد الطائفة الثانية النافية للحرمة الابدية مطلقا و مقتضى التقييد اختصاصها بصورة عدم العلم و ان كان مقتضاها في نفسها هو الاطلاق كما عرفت كذلك تصلح لتقييد الطائفة الاولى المثبتة للحرمة الابدية مطلقا لانّهما و ان كانا مثبتين الاّ انه حيث يكون الحكم
- 1 ـ وسائل ابواب ما يحرم بالمصاهرة و نحوها الباب الواحد و الثلاثون ح ـ 1.
(الصفحة 458)
واحدا غير متعدد يتحقق التقييد لا محالة كما في سائر موارد وحدة الحكم في المطلقو المقيد المثبتين سواء كان الكاشف عنها وحدة السبب او غيرها من الامور الاخر.
و قد انقدح مما ذكرنا انّ الرواية المفصلة شاهدة للجمع في نفسها و تتصرف في كلتا الطائفتين في عرض واحد فلا حاجة الى جعلها مقيدة للطائفة الثانية و جعل تلك الطائفة بعد التقييد و انقلاب النسبة مقيدة للطائفة الاولى بحيث يكون التصرّف فيها طولا كما لا يخفى.
ثم انّ هذه الرواية المفصلة تكون مطلقة من جهتين احديهما الدخول و عدمه و مقتضاها ثبوت الحرمة الابدية في كلتا الصورتين في فرض العلم، ثانيتهما كون المرئة المتزوج بها محرمة ام محلّة و على كلا التقديرين عالمة ام غير عالمة و من الفروض كونها محلة جاهلة باحرام الزوج او بحرمة تزوجه في حال الاحرام.
كما ان الطائفة الثانية التي عرض لها التقييد و صارت مقيدة بصورة الجهل يكون مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين صورة الدخول و عدمه فاذا دخل مع الجهل لا تتحقق الحرمة الابدية و التشبيه بالتزوج في حال العدة لم ينهض عليه دليل فانّ المقدار الذي يوجب دليل التفصيل التضييق في هذه الطائفة هو التحديد بصورة الجهل فقط و امّا اطلاقها من جهة الدخول و عدمه فباق بحاله كاطلاقها من سائر الجهات.
نعم هنا كلام يأتي التعرض له انشاء الله تعالى في بعض المسائل الآتية و هوانّه اذا تزوجت المرئة المحرمة بزوج في حال الاحرام مع علمها بحرمة التزوج في حال الاحرام هل يترتب على ذلك الحرمة الابديّة ام لا بل يختص موردها بما اذا كان المتزوج المحرم هو الرجل فانتظر.
ثم ان الظاهر كما قد صرّح به غير واحد ـ على ما حكى ـ انه لا فرق في ثبوت
(الصفحة 459)
الحرمة الابديّة بين ما تحقق التزوج في اثناء الاحرام الصحيح او تحقق بعد افساده كما لو تحقق بعد الجماع مع زوجته عالما عامدا قبل احد الوقوفين و قلنا بان الحج الذي يجب عليه قضائه في العام القابل هو فرضه و انّ الاوّل فاسد غاية الامر وجوب اكماله و لزوم اتمامه فانّ الظاهر ـ ح ـ انه كما يكون سائر محرّمات الاحرام حراما عليه كذلك يكون ايقاع العقد لنفسه ايضا حراما و يترتب عليه ما يترتب على الايقاع في الاحرام الصحيح من الحرمة الابدية كما ان الظاهر ترتب الكفارة عليه اذا اتى بموجبها فعلى ذلك لا فرق بين الاحرامين من هذه الجهة ايضا.
ثمّ انه حكى عن العلاّمة في التحرير انه استظهر ان مراد علمائنا بالعقد في المحرم و ذات العدّة انّما هو العقد الصحيح الذي لو لا المانع لترتب عليه اثره.
و اورد عليه بان لفظ التزويج و النكاح موضوع للاعم من الصحيح و الفاسد.
و يدفعه انّ الوضع للاعم لا ينافي كون المتفاهم العرفي و المنساق من النصوص و الفتاوي العقد الصحيح في نفسه الذي لو لا هذه الجهة لكان مؤثرا في حصول الزوجية و تحقق النكاح فاذا كانت ذات العدّة اخت زوجة العاقد لها لنفسه مع بقائها في حبالته فهل يؤثر ذلك في تحقق الحرمة الابديّة فانّها لو لم تكن ذات العدة لما كان نكاحها مؤثرا لحرمة الجمع بين الاختين و كذلك بالاضافة الى سائر شرائط الصحة المعتبرة فيها بحيث لولاها لم يتحقق النكاح الصحيح كما اذا قلنا باعتبار العربية ـ مثلا ـ في صحة عقد النكاح فهل العقد بغير العربية يؤثر في حرمة ذات العدة و مثلها.
نعم لو اجتمع عنوانان يكفى كل واحد منهما في ثبوت الحرمة الابدية كما اذاتزوج المحرم بذات العدة عالما بالحرمة من الجهتين فالظاهر عدم كون اجتماع العنوانين مانعا عن ثبوتها بل المتفاهم العرفي بعد ملاحظة ادلة العنوانين ثبوت الحرمة الابدية بطريق اولى فان الظاهر انه لا يكون المتفاهم من ادلة المحرم اعتبار
(الصفحة 460)
استقلال الاحرام في ايجاب الحرمة الابدية و كذلك من ادلة ذات العدة غاية الامران المقام يصير من قبيل العلل التكوينية التي يكون اجتماعها مانعا عن التأثير في المعلول بوصف الاستقلال بل المعلول يصير ـ ح ـ مستندا الى كليهما و مترشحا من مجموعهما و المقام الذي لا يتجاوز عن كونه امرا اعتباريا ايضا كذلك فالحرمة الابدية في المثال مستندة الى كلا الامرين من دون ان يكون هناك ترجيح في البين و يؤيد ذلك رواية الحكم بن عيينة قال سئلت ابا جعفر (عليه السلام)عن محرم تزوّج امرأة في عدّتها قال يفرق بينهما و لا تحلّ له ابدا(1).
الحكم الثالث:
هو البطلان و عدم تأثير عقد المحرم في تحقق الزوجية و لو بين محلّين و الدليل عليه في مورد ثبوت الحرمة الابدية و هو ما اذا تزوج لنفسه عالما بالحرمة التكليفية الاحرامية هو نفس ثبوت هذه الحرمة الابدية فانّها لا تجتمع مع الصحّة بوجه فالدليل عليها دليل عليه ايضا كما في سائر موارد الحرمة الابديّة المسببة عن النكاح فانّ لازمها البيّن عدم الصحة.
و امّا في غير مورد ثبوتها فروايات كثيرة واردة في هذا المجال بعد وضوح ان الروايات الدالة على الحكم الاوّل اعنى الحرمة التكليفية الاحرامية لا دلالة لها على البطلان لما قرّر في محلّه من الاصول من انّ النّهي المتعلق بالمعاملة بالمعنى الاعم الشامل لمثل النكاح اذا لم يكن ارشادا الى فساد المعاملة و عدم ترتب الاثر المترقب مع وجود متعلق النّهي بل كان مفيدا لمجرد الحكم التكليفي التحريمي لا دلالة له على الفساد لعدم الملازمة بين الحرمة و الفساد بخلاف الحرمة الابدية
- 1 ـ وسائل ابواب ما يحرم بالمصاهرة الباب السابع عشر ح ـ 15.
(الصفحة 461)
التي لا تتصور مع الصحة بوجه و عليه فاللازم اقامة الدليل على البطلان في غيرمورد الحرمة الابدية و هي روايات متعددة على ما اشرنا اليه:
منها: صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة التي رواها الشيخ (قدس سره) بطريقين عنه عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال ليس للمحرم ان يتزوج و لا يزوّج، و ان تزوج او زوّج محلاّ فتزويجه باطل(1). و فيما رواه الصدوق باسناده عنه مثله الاّ انه قال:
و لا يزوّج محلاّ و زاد: و ان رجلا من الانصار تزوج و هو محرم فابطل رسول الله (صلى الله عليه وآله) نكاحه(2) فان صدر الرواية ظاهر في الحرمة الاحرامية و ذيلها صريح في البطلان و التعبير بالتزويج في الجزاء في الذيل مع ان المذكور في الشرط التزوج و التزويج معا انّما هو لاجل كون المراد به الاعم من ان يكون لنفسه او لغيره كما هو ظاهر، و لا فرق في دلالة الذيل على البطلان بين ان يكون عطفها على الجملة الاولى بالواو او بالفاء كما جزم به بعض الاعلام (قدس سره) فيما تقدّم.
و منها: صحيحة ابي الصباح الكناني قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن محرم يتزوّج، قال: نكاحه باطل(3).
و منها:صحيحة معاوية بن عمّار قال: المحرم لا يتزوج و لا يزوّج فان فعل فنكاحه باطل(4). و التعبير في التفريع بقوله: فان فعل شامل لكلا الامرين التزوج و التزويج و هو اولى من التعبير بالتزويج الوارد في صحيحة عبد الله بن سنان و ان كان المراد منه الاعم ايضا على ما عرفت.
و منها: ذيل رواية مرسلة ابن فضال المتقدمة عن ابي عبد الله (عليه السلام)
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الرابع عشر ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الرابع عشر ح ـ 2.
- 3 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الرابع عشر ح ـ 3.
- 4 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الرابع عشر ح ـ 9.