(الصفحة 64)
الى مكّة لا يجوز الاحرام من المنزل لانه بملاحظة كون الفصل بين عرفات و مكة اربعة فراسخ يصير الفصل سبعة عشر فرسخا فيزيد على اقرب المواقيت.
كما انه لو فرض وقوع مكة بين منزله و عرفات فاللازم ان يحرم من الميقات على تقدير كون المعيار هو عرفات اذا كان الفصل بين منزله و مكة ثلاثة عشر فرسخا كما ان اللازم هو الاحرام من المنزل على تقدير كون المعيار هى مكّة فالتفاوت بين العبارتين واضح.
و الحق ان يقال انه ليس المعيار و المناط هو القرب و البعد من جهة الفصل و المسافة اصلا بل المعيار انّ في طريق مريد الحج او العمرة الى مكّة لا بد من ملاحظة ان منزله هل يكون واقعا قبل الميقات او واقعا بعده ففى الصورة الاولى لا بد و ان يحرم من الميقات و ان لا يتجاوز عنه من دون احرام و في الصورة الثانية لا يجب عليه الرجوع الى الخلف لادراك الميقات بل يجوز الاحرام من المنزل و هذا من دون فرق بين ان يكون الفصل بين منزله و بين مكة اقلّ من اقرب المواقيت او اكثر فمن يكون منزله بعد الجحفة في طريق مكّة يحرم منه و ان كان الفصل بينهو بين مكة عشرين فرسخا ـ مثلا ـ مع ان اقل المواقيت ما يقرب من ستّة عشر فرسخا كما عرفت و عليه فالمناط ما ذكرنا من وقوع منزله في طريق مكّة قبل الميقات او بعده و يدلّ عليه ان قوله: دون الوقت الى مكّة في بعض الروايات لا دلالة له على المقايسة بين منزله و بين اقرب المواقيت و لو لم يكن واقعا في طريقه و مسيره بل مدلوله ملاحظة الميقات و ان منزله قبله او بعده كما ان بعض الروايات وارد فيمن كان منزله دون الجحفة او خلفها مع انّك عرفت انّ اطلاقه يشمل ماهو ابعد من اقرب المواقيت فيستفاد منه ان الملاك ما ذكر لا القرب و البعد اصلا.
و قد ظهر مما ذكرنا انه اذا كان في طريقه ميقاتان فجواز الاحرام من المنزل ينحصر بما اذا كان خلف الميقات الثاني و لا يجوز اذا كان المنزل واقعا بين ميقاتين
(الصفحة 65)
لان المستفاد من الروايات ان الحكم بجواز الاحرام من المنزل حكم تسهيلى وضع للتسهيل بعدم ايجاب السير الى الوراء لادراك الميقات فاذا كان الميقات قدّامه في طريق مكة فلا موجب للاحرام من المنزل فتدبّر.
بقى الكلام في هذا الميقات في امرين:
احدهما: ميقات اهل مكة بالاضافة الى حج القران او الافراد في مقابل حج التمتع و في مقابل العمرة المفردة فالمحكي عن صريح ابنى حمزة و سعيد و ظاهر الاكثر ان احرامهم من مكّة بل في محكى الرياض بعد نسبته الى الشهرة حاكيا لها عن جماعة من الاصحاب قال: بل زاد بعضهم فنفى الخلاف فيه بينهم مشعرا بدعوى الاجماع عليه كما حكاه في الذخيرة عن التذكرة.
و قد استدلّ لذلك بالنصوص المتقدمة الدالة على ان من كان دويرة اهله دون الميقات الى مكة فليحرم من منزله نظرا الى انّ اطلاقه يشمل اهل مكة لان منازلهم دون الميقات.
و لكن الظاهر عدم تمامية الاستدلال لانّ ظاهرها محاسبة الدويرة و الميقات بالاضافة الى مكة فهنا امور ثلاثة و امّا بالنسبة الى مكة فلا يبقى مجال لهذه المحاسبة لعدم ثبوت ازيد من امرين.
نعم يمكن الاستناد الى الاولوية خصوصا بعد ظهور كون الحكم بالاضافة الى دويرة الاهل حكما تسهيليّا كما عرفت نظرا الى انّه اذا لم يرد الشارع رجوع من كان منزله دون الميقات الى الميقات للاحرام و اكتفى له بالاحرام من منزله فمن كان منزله في مكة يجوز ذلك له بطريق اولى.
و لكن حيث ان الحكم تعبدى و الاولوية غير قطعية لا يمكن الاستناد اليها بوجه.
(الصفحة 66)
نعم قد استدل بمرسلة الصدوق المعتبرة المتقدمة الدالة على ان من كان منزله خلف الجحفة يحرم منه نظرا الى ان المعيار هو مجرّد كون المنزل خلف الجحفة من دون ان تكون مكة طرف المحاسبة و عليه فيشمل اطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب لمنازل اهل مكة لانّها باجمعها خلف الجحفة.
و لكنه اورد بعض الاعلام (قدس سره) على الاستدلال بها بان الخلف و القدام امران اضافيان اعتباريان و لا بد في صدقهما من فرض موضعين و فرض شخص يريد الذهاب من احدهما الى الآخر فاذا ذهب من هذا المكان و توجه الى مكان آخر فالمكان الاوّل يكون خلفا له و لو انعكس انعكس و عليه فلا يصدق عنوان الخلف على من كان منزله في مكة مطلقا بل في خصوص ما اذا توجه من الجحفة الى مكة فانّ الجحفة ـ ح ـ خلفه.
و الجواب عنه: انّ ظاهر الرواية ان اتصاف المنزل بكونه خلف الجحفة لا يتوقف على وجود ذاهب بالفعل و متحرك كذلك بل المنزل متصف بذلك في نفسه و السرّ فيه ان الخلفية و ان كانت متوقفة على مسئلة الذهاب و الحركة الاّ انه اذا كانت الحركة الى مكان من جهة خاصة و سمت مخصوص و بعبارة اخرى كانت من جهة واحدة تلاحظ الخلفية و القدامية بالاضافة الى خصوص تلك الجهة فاذا كان طريق قرية منحصرا بالعبور من قرية اخرى كانت القرية البعيدةواقعة خلف القرية الاولى القريبة و هى قدّام تلك، و في المقام ايضا كذلك فان الحركة الى الميقات انما تكون من طرف قبل الميقات لاجل الاحرام منه و لا تكون الحركة من مكة الى الميقات بمعهودة لعدم الحاجة الى الميقات من مكة نوعا و عليه فعنوان الخلفية انما يلاحظ بالاضافة الى تلك الحركة المتعارفة المعهودة و عليه يمكن دعوى اطلاق المرسلة و شمولها لمنازل مكة لوقوعها خلف الميقات بالاضافة المذكورة.
(الصفحة 67)
و لكن الاعتماد على مثل هذه الدعوى في اثبات الحكم خصوصا لاهل مكة الذين تكون شدة ارتباطهم بالبيت و بمناسك الحجّ بمرتبة لا يقاس بهم غيرهم في غاية الاشكال بل لو كان الاطلاق ظاهرا ايضا لا تكون المناسبة مقتضية لبيان حكمهم من طريق الاطلاق و اشباهه بل اللازم التصريح و تبيين حكمهم من جهة الاحرام بصورة واضحة كما لا يخفى.
و من هنا يمكن ان يقال ان عدم تعرض شيء من الروايات لبيان حكمهم اصلا و عدم وجود السؤال من الرواة في هذا المجال لعلّه يكون قرينة على وضوح حكمهم عند الجميع و ان احرامهم لا بد و ان يقع من مكة خصوصا بعد ملاحظةوجود السؤال بالاضافة الى المجاور و الى من وقع منزله بين مكة و الميقات و الى الجهات الواقعة في الحاشية و لم تقع اشارة في شيء من الروايات الى حكم المتن و هو اهالى مكة فمن ذلك يستكشف كون وظيفتهم ظاهرة عند الجميع و ليست الاّ ما ذكر من الاحرام من مكة.
و مع قطع النظر عن هذه القرينة تصير المسئلة مشكلة لعدم وضوح الاطلاق حتى في المرسلة و عدم شمول ما ورد في المجاور لمن تكون مكة وطنه الاصلى كما سيجىء.
و ثانيهما: ميقات المجاور بمكّة و هو تارة يكون ممن انتقل فرضه الى فرض اهل مكّة كما اذا جاورها سنتين و دخل في السنّة الثالثة على ما تقدم البحث فيه مفصّلا و اخرى لا يكون كذلك كما اذا كانت المجاورة اقلّ من المقدار المذكور كمااذا كانت سنة واحدة ـ مثلا ـ كما انه في الصورة الاولى قد يكون متوطنا بان قصد الاقامة في مكة الى آخر العمر و قد لا يكون كذلك كما اذا قصد الاقامة خمس سنين مثلا.
و الذي يظهر من المتن و غيره ان المجاور الذى انتقل فرضه و تبدلت وظيفته
(الصفحة 68)
يكون ميقاته ميقات اهل مكة من دون فرق بين المتوطن و غيره غاية الامر ثبوت الاحتياط الاستحبابي بالاضافة الى الاحرام من الجعرانة و ان المجاور غير المنتقل لا بد و ان يحرم من الجعرانة و لا يجوز له الاحرام من مكّة لحج القران او الافراد.
و يدل على كون المجاور الاوّل ميقاته مكة ما دلّ على ان اهل مكة يحرمون منها فان الملاك كون المنزل دون الميقات او كونه خلف الجحفة و من الواضح عدم اختصاص عنوان المنزل بمن كان المحلّ وطنا اصليّا له بل يشمل المقيم و المجاور فانّ منزله ايضا كذلك فادلة ميقات اهل مكة تشمل المجاور و لا تختص بهم.
نعم ما ذكرناه اخيرا من ان عدم تعرض الروايات سؤالا و جوابا لميقات اهل مكة صريحا قرينة مفيدة للاطمينان يكون حكمهم واضحا لا يحتاج الى التعرض و البيان لا يجرى في المجاور بل يختص باهل مكّة كما هو ظاهر.
لكن ورد في ميقات المجاور روايتان هما منشأ الاحتياط المذكور في المتنو العروة و هو الاحتياط بالاحرام من الجعرانة و لا بد من ايرادهما و البحث في مفادهما فنقول:
الرواية الاولى: رواية ابى الفضل قال كنت مجاورا بمكّة فسئلت ابا عبد الله ـ عليه السلام ـ من اين احرم بالحج؟ فقال من حيث احرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الجعرانة اتاه في ذلك المكان فتوح: فتح الطائف و فتح خيبر و الفتح، فقلت متى اخرج قال اذا كنت صرورة فاذا مضى من ذى الحجة يوم، فاذا كنت قد حججت قبل ذلك فاذا مضى من الشهر خمس(1). و قد استظهر العلامة المجلسى (قدس سره) في «المرآت» كون الرواية صحيحة و ان
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 6.