(الصفحة 13)مسألة : ما ذكرنا من كفاية المعاطاة في المسجد إنّما هو فيما إذا كان أصل البناء بقصد المسجديّة ; بأن نوى ببنائه وتعميره أن يكون مسجداً ، خصوصاً إذا حاز أرضاً مباحة لأجل المسجد وبنى فيها بتلك النيّة . وأمّا إذا كان له بناء مملوك ـ كدار أو خان ـ فنوى أن يكون مسجداً وصرف الناس بالصلاة فيه ـ من دون إجراء الصيغة عليه ـ يشكل الاكتفاء به . وكذا الحال في مثل الرباط والقنطرة2 .
وأنّه بدونها غير صحيح ، ولكنّه قوّى نفسه الاكتفاء بالمعاطاة(1) ، كما هو المحكيّ عن ابن إدريس(2) ، والشهيد في الذكرى(3) في المسجد ولو مع عدم إجراء الصيغة ; لأنّ معظم المساجد في الإسلام على هذه الصورة .
والظاهر عدم اختصاص ذلك بالمسجد ، بل يجري في مثله من الاُمور المذكورة في المتن .
وأمّا ما يظهر منه من اعتبار صلاة بعض الناس فيما بناه بعنوان المسجدية ، أو دفن بعض الأموات فيما لو عيّن قطعة من الأرض لأن تكون مقبرة للمسلمين ، أو العبور على القنطرة فيما لو بنى قنطرة فالظاهر أنّه لا دليل عليه ، بل الظاهر كفاية البناء أو التعيين بقصد العناوين المذكورة والتخلية بينها وبين الناس في الاستفادة المناسبة وإن لم تتحقّق بالفعل ، وإلاّ يلزم شبه الدور ، فإنّ جواز الاستفادة متوقّف على الوقفيّة ، فلو كان العكس يلزم الدور ، فتدبّر .
2 ـ الغرض من هذه المسألة بيان أنّ ما ذكرنا في المسألة السابقة من كفاية
- (1) ملحقات العروة : 2 / 189 مسألة 1 .
- (2) السرائر : 1 / 280 .
- (3) ذكرى الشيعة : 3 / 133 .
(الصفحة 14)مسألة : لا إشكال في جواز التوكيل في الوقف . وفي جريان الفضوليّة فيه خلاف وإشكال لا يبعد جريانها فيه ، لكن الأحوط خلافه1 .
المعاطاة في المسجد إنّما هو فيما إذا كان أصل البناء وإحداثها بقصد المسجديّة ; كأن كان له أرض مملوك ، أو حاز أرضاً مباحة لأجل المسجد وبنى فيها بتلك النيّة . أمّا إذا كان له بناء مملوك قد أحدث بغير هذا العنوان ـ كدار أو خان ـ فنوى أن يكون مسجداً وصرف الناس بالصلاة فيه من دون إجراء الصيغة عليه ، فقد استشكل في المتن في الاكتفاء به .
ولعلّ السرّ في الإشكال أنّ تعيّنه للوقفيّة بعنوان المسجديّة إمّا أن يكون لأجل النيّة ، أو بضميمة صرف الناس بالصلاة فيه ، والأوّل لا يوجب التعيّن لاحتياج الوقف إلى الصيغة ولو قلنا بالاكتفاء مقامها بالمعاطاة ، فإنّ مجرّد النيّة لا يوجب ذلك ، وصرف الناس بالصلاة فيه لازم أعمّ من المسجديّة ، ومن الممكن أن يريد صلاة الناس في داره من غير أن تكون مسجداً ، وهذا بخلاف ما إذا كان أصل الإحداث بقصد المسجديّة ، خصوصاً مع الصرف المذكور ، وهكذا الحال في مثل الرباط والقنطرة .
هذا ، ولكن الظاهر الجواز خصوصاً في الصورة المذكورة ; لتقوّم عنوان المسجدية بالقصد ، وإلاّ فالبناء من حيث هو لا دلالة له على ذلك ، فأيّ فرق بين الإحداث وتغيير النيّة في مثل الدار والخان ، كما لا يخفى .
1 ـ نفى الإشكال عن جواز التوكيل في الوقف ; سواء كانت دائرة التوكيل متّسعة شاملة لأصل إحداث البناء بهذا العنوان ، أم غير متّسعة ، كما إذا كانت في إنشاء صيغة الوقف ، أو إجراء المعاطاة فيه ; لعدم الدليل على لزوم المباشرة ، كما أنّه
(الصفحة 15)مسألة : الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف على الجهات العامّة ، كالمساجد والمقابر والقناطر ونحوها ، وكذا الوقف على العناوين الكلّية ، كالوقف على الفقراء والفقهاء ونحوهما ، وأمّا الوقف الخاصّ ـ كالوقف على الذرّية ـ فالأحوط اعتباره فيه ، فيقبله الموقوف عليهم ، ويكفي قبول الموجودين ، ولا يحتاج إلى قبول من سيوجد منهم بعد وجوده ، وإن كان الموجودون صغاراً أو فيهم صغار قام به وليّهم ، لكن الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف الخاصّ أيضاً ، كما أنّ الأحوط رعاية القبول في الوقف العامّ أيضاً ، والقائم به الحاكم أو المنصوب من قبله1 .
لا تلزم المباشرة في إحداث البناء بلا إشكال ، وقد وقع الخلاف والإشكال في جريان الفضوليّة فيه ، وقد نفى البُعد عن جريانها ، ولكن جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي خلاف ذلك ، والظاهر أنّ الحكم يدور مدار أنّ صحّة الفضولي في مواردها كالبيع والنكاح ومثلهما ، هل تكون على وفق القاعدة ، كما هو الظاهر فتجري في المقام ; لعدم خصوصيّة مقتضية للمنع ، أو على خلاف القاعدة ، فيقتصر في مواردها على المتيقّن ، وهو غير المقام بشهادة الاختلاف؟ والوجه في الاحتياط المذكور واضح غير خفيّ .
1 ـ قد وقع الخلاف بينهم في اعتبار القبول في الوقف مطلقاً ، وعدم اعتباره كذلك ، والتفصيل بين الوقف الخاصّ وبين الوقف العامّ ، فيعتبر في الأوّل دون الثاني ، وقد قوّى في المتن عدم الاعتبار مطلقاً ، واحتاط الاعتبار كذلك ، والظاهر أنّه لا دليل على اعتبار القبول في الوقف وكونه من العقود المفتقرة إلى إيجاب وقبول ، خصوصاً في الوقف على الجهات والمصالح العامّة ، والوقف على العناوين
(الصفحة 16)مسألة : الأقوى عدم اعتبار قصد القربة حتّى في الوقف العامّ وإن
الكلّية كالفقراء والفقهاء مثلاً .
ودعوى أنّه من المعلوم أنّه لا تدخل العين أو المنفعة في ملك الغير بسبب اختياري ابتداءً من غير قبول ، يدفعها أنّ كون السبب اختياريّاً محتاجاً إلى القبول أوّل الكلام ، فلِمَ لا يكون غير اختياري كالإرث؟ مع أنّه من الواضح عدم اعتبار الطبقة اللاحقة في الوقف الخاصّ الذين يوجدون بعداً ، خصوصاً مع موت الواقف وعدم وجوده في ذلك الزمان ، مع أنّه لا فرق بينهم وبين الطبقة السابقة من هذه الجهة أصلاً .
مضافاً إلى خلوّ الأخبار المشتملة على أوقاف الأئمّة (عليهم السلام) عن ذكر القبول .
ومنها : ما اشتهر عن مولى الموحِّدين عليه أفضل صلوات المصلّين في قصّة «عين ينبع» من أنّها صدقة بتّة بتلاً في حجيج بيت الله ، وعابري سبيل الله ، لا تباع ولا توهب ولا تورث(1) .
هذا ، ولكن ذكر المحقّق الخراساني (قدس سره) أنّ الذي تقتضيه الاُصول اعتبار القبول ; لعدم نهوض أمارة معتبرة أو أصل مقبول على عدم اعتباره ، والأصل عدم حصول الأثر بلا قبول(2) . ثمّ إنّه على تقدير اعتبار القبول أو رعاية الاحتياط يكون المتصدّي له في الأوقاف العامّة هو الحاكم أو المنصوب من قبله ، وفي الوقف الخاصّ هو الموقوف عليهم ، وإن كانوا جميعاً صغاراً أو فيهم صغار يقوم بذلك وليّهم الشرعي ، كما في سائر الموارد .
- (1) الكافي : 7 / 54 ح9 ، التهذيب : 9 / 148 ح609 ، وعنهما الوسائل : 19 / 186 ، كتاب الوقوف والصدقات ب6 ح2 .
- (2) الرسائل الفقهيّة للمحقّق الخراساني ، أوّل كتاب الوقف .
(الصفحة 17)كان الأحوط اعتباره مطلقاً1 .
مسألة : يشترط في صحّة الوقف القبض ، ويعتبر فيه أن يكون بإذن الواقف ، ففي الوقف الخاصّ يعتبر قبض الموقوف عليهم ، ويكفي قبض الطبقة الاُولى عن بقيّة الطبقات ، بل يكفي قبض الموجودين من الطبقة الاُولى عمّن سيوجد ، ولو كان فيهم قاصر قام وليّه مقامه ، ولو قبض بعض الموجودين دون بعض صحّ بالنسبة إلى من قبض دون غيره . وأمّا الوقف على الجهات العامّة والمصالح كالمساجد وما وقف عليها ، فإن جعل الواقف له قيّماً ومتولّياً اعتبر قبضه أو قبض الحاكم ، والأحوط عدم الاكتفاء بالثاني مع وجود الأوّل ، ومع عدم القيّم تعيّن الحاكم .
1 ـ المشهور اشتراط القربة في صحّة الوقف ، ولكن قوّى في المتن تبعاً للسيّد في الملحقات وجماعة عدم الاشتراط(1) ; للإطلاقات ولصحّته من الكافر ، وإطلاق الصدقة عليه ـ مع أنّه يعتبر فيها قصد القربة ـ إنّما هو باعتبار الأفراد التي يقصد فيها القربة ، ولا يلزم أن يكون جميع أفراده كذلك ، بل ربما لا يلائم الاعتبار مع الوقف الخاصّ الذي يكون المقصود منه حبس العين الموقوفة لانتفاع جميع الطبقات بها ، كالوقف على الأولاد مثلاً ، وقد أيّد عدم الاعتبار بما في الأخبار من انتفاع الميّت بالولد الصالح(2) ، مع أنّه لم يقصد القربة نوعاً في طلبه ، بل كان المقصود لذّة النفس أو أصل حصول الأولاد .
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 186 مسألة 3 ، الدروس الشرعيّة : 2 / 264 ، مسالك الأفهام : 5/350 و408ـ409 ، الروضة البهيّة : 3 / 164 ـ 165 ، مفاتيح الشرائع : 3 / 207 .
- (2) وسائل الشيعة : 19 / 171 ـ 175 ، كتاب الوقوف والصدقات ب1 .