(الصفحة 8)بسمه تعالى
هذا شرح كتاب الوقف وجملة من الكتب التي تعدّ من كتاب «تفصيل الشريعة» في شرح تحرير الوسيلة; للإمام الراحل الخميني قدّس سرّه الشريف ، وأنا الأقلّ الفاني محمّد الفاضل اللنكراني عفي عنه وعن والديه ، وكان تاريخ الشروع السادس من شهر صفر الخير من شهور سنة 1422 ، وأرجو من الله تعالى إتمام هذا الشرح وشرح الكتب التي لم تشرح بعد ، بحقّ أوليائه الطاهرين والأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، سيّما وليّ الله الأعظم روحي وأرواح العالمين له الفداء .
(الصفحة 9)
كتاب الوقف
وأخـواتـه
وهو تحبيس العين وتسبيل المنفعة . وفيه فضل كثير وثواب جزيل ، ففي الصحيح عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «ليس يتبع الرجلَ بعد موته من الأجر إلاّ ثلاث خصال : صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته ، وسنّة هدىً سَنّها فهي يُعمل بها بعد موته ، وولد صالح يدعو له»(1) ، وبمضمونه روايات1 .
1 ـ الوقف الذي يعبّر عنه بالصدقة الجارية كما في الرواية المذكورة في المتن ، بل في غالب الروايات كما ذكره السيّد في الملحقات(2) ، وتوصيف الصدقة بهذه الصفة ـ أعني الجارية ـ يوجب امتيازها عن الصدقة المصطلحة التي هي عبارة عن الهبة مع قصد القربة ، كما مرّ في كتاب الهبة ، ولا مانع من التعبير عن الوقف بالصدقة ، كما أنّه قد استعملت الصدقة في الكتاب في الزكاة في قوله تعالى :
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}(3) الخ ، ومن هذه الجهة تنقسم الصدقة إلى الصدقة الواجبة ، والصدقة المستحبّة .
- (1) الكافي : 7 / 56 ح1 ، أمالي الصدوق : 87 ح56 ، تحف العقول : 363 ، التهذيب : 9/232 ح909 ، وعنها الوسائل : 19/171 ، كتاب الوقوف والصدقات ب1 ح1 .
- (2) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 184 .
- (3) سورة التوبة : 9 / 60 .
(الصفحة 10)مسألة : يعتبر في الوقف الصيغة ; وهي كلّ ما دلّ على إنشاء المعنى المذكور ، مثل : «وقفت» و«حبست» و«سبّلت» بل و«تصدّقت» إذا اقترن به ما يدلّ على إرادته ، كقوله : «صدقة مؤبّدة لا تُباع ولا توهب» ونحو ذلك ، وكذا مثل : «جعلت أرضي موقوفة أو محبسة أو مسبّلة على كذا» ، ولا يعتبر فيه العربيّة ولا الماضويّة ، بل يكفي الجملة الاسميّة ، مثل : «هذا وقف» أو
وكيف كان ، فالوقف عبارة عن تحبيس العين وتسبيل المنفعة أو إطلاقها ، وقد وقع هذا التعبير في الرواية النبويّة(1) ، وفيه فضل كثير وثواب جزيل . والظاهر أنّه لا فرق فيه بين الوقف العامّ والوقف الخاصّ ; لإطلاق مثل الرواية المذكورة في المتن وإن كان بينهما فرق من جهة بعض الأحكام ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني (قدس سره) صاحب كفاية الاُصول في رسالته في الوقف بعد أن حكى عن جماعة من الفقهاء في تعريف الوقف أنّه تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة ، وعن جماعة اُخرى أنّه عقدٌ ثمرته تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة ، قال : وليس هذا خلافاً في حقيقته ; لما حقّقنا في البحث وغيره أنّ الأصحاب في تعاريفهم في سائر الأبواب إنّما هم بصدد شرح الاسم كاللغوي لا الحدّ أو الرسم ، وكيف كان ، فهو حبس خاصّ ، وهو المطلق منه المقابل للحبس لا مطلقه الشامل لهما ، والتفاوت بينهما إنّما يكون بالمرتبة ، كما يكون بين الإيجاب والاستحباب الخ(2) .
قلت : إنّ التعبير بأنّه عقد ، يتوقّف على اعتبار القبول فيه ، وسيأتي إن شاء الله تعالى عدم الاعتبار(3) ، من دون فرق بين الوقف العامّ والوقف الخاصّ ، فانتظر .
- (1) سنن ابن ماجة : 4 / 63 ح2397 ، السنن الكبرى للبيهقي : 9 / 135 ح12126 و22127 .
- (2) الرسائل الفقهيّة للمحقّق الخراساني ، أوّل كتاب الوقف .
- (3) في ص 15 ـ 16.
(الصفحة 11)«هذه محبسة أو مسبّلة»1 .
مسألة: لابدّ في وقف المسجد من قصد عنوان المسجديّة ، فلو وقف مكاناً على صلاة المصلّين وعبادة المسلمين صحّ ، لكن لم يصر به مسجداً ما لم يكن المقصود عنوانه ، والظاهر كفاية قوله : «جعلته مسجداً» وإن لم يذكر ما يدلّ على وقفه وحبسه ، والأحوط أن يقول : «وقفته مسجداً» أو « . . . على أن يكون مسجداً»2 .
1 ـ يعتبر في الوقف الصيغة الخاصّة ، لا بمعنى عدم وقوعه بالمعاطاة ، فإنّه يجيء في المسألة الثالثة كفاية المعاطاة في الجملة ، بل بمعنى أنّه إذا أراد الإنشاء باللفظ يعتبر فيه ذلك ; وهي كلّ لفظ دلّ على إنشاء المعنى المذكور ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، ولا يعتبر فيه العربيّة والماضويّة ، بل تكفي الجملة الاسمية ، كالأمثلة المذكورة في المتن ومثلها ، كالتعبير بأنّها صدقة جارية للعلماء ، أو الفقراء ، أو لخصوص الأولاد ; وذلك لعدم الدليل على اعتبار لفظ خاصّ ، فيكفي كلّ ما له ظهور عرفيّ في ذلك ; فإنّك عرفت أنّ المعتمد عند العقلاء هي أصالة الظهور ، وهي أعمّ من أصالة الحقيقة ، فقوله : «رأيت أسداً يرمي» ظاهر في الرجل الشجاع وإن لم يكن حقيقة فيه .
2 ـ لابدّ في وقف المسجد من قصد عنوان المسجديّة ; فإنّه عنوان خاصّ لا يتحقّق إلاّ بقصده ولو فرضنا عدم اعتبار التأبيد فيه ، كاستئجار الأرض لأن يعمل مسجداً ، على ما ذكره السيّد في العروة في كتاب الإجارة(1) ، فلو وقف مكاناً على صلاة المصلّين صحّ ، لكن لم يصر به مسجداً ، كما هو المتداول في زماننا هذا في
- (1) العروة الوثقى : 2 / 506، كتاب الإجارة، مسألة 3331 .
(الصفحة 12)مسألة : الظاهر كفاية المعاطاة في مثل المساجد ، والمقابر ، والطرق والشوارع ، والقناطر ، والرباطات المعدّة لنزول المسافرين ، والأشجار المغروسة لانتفاع المارّة بظلّها أو ثمرها ، بل ومثل البواري للمساجد ، والقناديل للمشاهد ، وأشباه ذلك ، وبالجملة : ما كان محبساً على مصلحة عامّة ، فلو بنى بناءً بعنوان المسجديّة وأذن في الصلاة فيه للعموم وصلّى فيه بعض الناس كفى في وقفه وصيرورته مسجداً . وكذا لو عيّن قطعة من الأرض لأن تكون مقبرة للمسلمين وخلّى بينها وبينهم وأذن إذناً عامّاً للدفن فيها ، فدفنوا فيها بعض الأموات ، أو بنى قنطرة وخلّى بينها وبين العابرين فشرعوا في العبور عليها ، وهكذا1 .
مملكتنا من تأسيس أمكنة كبيرة لصلاة الجمعة التي يجتمع فيها عدد كثير نوعاً يعبّرون عنها بالمصلّى باعتبار وقوع صلاة الجمعة فيها ، وهذه الأمكنة وإن كانت موقوفة على صلاة الجمعة أو مطلقاً ، لكنّها لا تكون مسجداً ، ولا يترتّب عليها أحكام المسجديّة من عدم جواز التنجيس ، وعدم مكث الجنب فيها ، وغيرهما من أحكام المسجد ; والسرّ فيه عدم كون عنوان المسجدية مأخوذاً في وقفه وحبسه ، ولذا ترى أنّ المتشرّعة يفرّقون بين تلك الأمكنة وبين المساجد ، كالتفريق بين المسجد والحسينية ، فتدبّر .
1 ـ والدليل على كفاية المعاطاة في مثل الأمثلة المذكورة في المتن ممّا كان محبساً على مصلحة عامّة أنّه لا دليل على اعتبار الإنشاء بالصيغة مثل الألفاظ المتقدّمة ، بل يكفي الإنشاء الفعلي; بأن بنى بناءً بعنوان المسجديّة وأذن في الصلاة فيه .
نعم ، ذكر السيّد في الملحقات أنّ ظاهر العلماء على اشتراط الصيغة في الوقف ،