(الصفحة 367)
ومنها : رواية محمّد بن مسلم قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) في الذبيحة بغير حديدة ، قال : إذا اضطررت إليها فإن لم تجد حديدة فاذبحها بحجر(1) .
ومقتضى الجمع حمل الطائفة الاُولى المطلقة على صورة الاختيار ، بقرينة الطائفة الثانية الواردة في مورد الاضطرار ، لكن الضرورة المسوّغة للذبح بغير الحديد من الاُمور المذكورة لابدّ أن تكون ناشئة إمّا من ناحية الحيوان لأجل الخوف على تلفه مع الصبر إلى القدرة على الحديد ، وإمّا أن تكون جائية من قبل الشخص لأجل الاضطرار إلى أكل لحمه فوراً ، وإلاّ فمجرّد إرادة الذبح ولو مع عدم الضرورتين معاً ـ غاية الأمر عدم وجود الحديد فعلاً ، ومن الممكن الوصول إليه بعداً ـ لا تجوّز الذبح بغير الحديد ، فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّه استدرك في المتن وقوع الذكاة بالسنّ أو الظفر ولو في حال الضرورة ، واستشكل فيه أوّلاً ، وإن نفى الخلوّ عن الرجحان عدم الوقوع بهما في حال اتّصالهما بالمحلّ ، واحتاط بالاجتناب مع الانفصال أيضاً ، وإن نفى الخلوّ عن القرب في الوقوع في هذه الصورة .
والمنشأ دلالة بعض الروايات المتقدّمة على الجواز بالعظم في مورد الضرورة ، ودلالة بعض الروايات على العدم ولو في مورد الضرورة ; وهي الرواية المرويّة عن الحسين بن علوان ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) ، أنّه كان يقول : لا بأس بذبيحة المروة والعود وأشباههما ما خلا السنّ والعظم(2)، فإنّها ظاهرة ـ بقرينة
- (1) الكافي : 6 / 228 ح1 ، تهذيب الأحكام : 9 / 52 ح215 ، الاستبصار : 4 / 80 ح298 ، وعنها الوسائل : 24 / 9 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب2 ح4 .
- (2) قرب الإسناد : 106 ح363 ، وعنه الوسائل : 24 / 10 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب2 ح5 والبحار : 65 / 321 ح21 .
(الصفحة 368)مسألة : الواجب في الذبح قطع تمام الأعضاء الأربعة : الحلقوم ; وهو مجرى النفس دخولاً وخروجاً ، والمريء ; وهو مجرى الطعام والشراب ، ومحلّه تحت الحلقوم ، والودجان ; وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم أو
أنّ عدم البأس بذبيحة المروة والعود منحصر بصورة الضرورة ـ في أنّ السنّ والعظم لا يجديان في هذه الصورة أيضاً .
والجمع بينهما ـ على ما يظهر من المتن بالفرق بين صورتي الاتّصال والانفصال ـ لا شاهد له ، إلاّ أن يقال بأنّه في صورة الاتّصال لا يظهر فري الأوداج الأربعة نوعاً ، وهذا ـ مضافاً إلى أنّه خلاف المفروض ـ لا دليل عليه ، وإن ذكر صاحب الوسائل عقيب نقل هذه الرواية : لعلّه مخصوص بالعظم الذي لا يقطع الأوداج ، أو محمول على الكراهة ، ولعلّ الثاني أولى . والمحكيّ عن أبي حنيفة الفرق بينهما ، فمنع في الأوّل وأجاز في الثاني(1) ، وإليه أشار في المسالك ، حيث قال في المحكيّ عنها : وربما فرّق بين المتّصلين والمنفصلين; من حيث إنّ المنفصلين كغيرهما من الآلات ، بخلاف المتّصلين ، فإنّ القطع بهما يخرج عن مسمّى الذبح ، بل هو أشبه بالأكل والتقطيع ، والمقتضي للذكاة هو الذبح ، ويحمل النهي في الخبر على المتّصلين جمعاً ، انتهى(2) . وفي محكيّ الرياض احتاط بالمنع مطلقاً(3) ، والظاهر ما ذكرنا .
- (1) الخلاف : 6 / 23 مسألة 22 ، شرح معاني الآثار : 4 / 183ـ 184 ، الحاوي الكبير : 19 /33 ، المحلّى بالآثار : 6/137 مسألة 1052 ، النتف في الفتاوى : 147 ، المبسوط للسرخسي : 12 / 2 ، حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء : 3 / 422 ، بدائع الصنائع : 4 / 158 ـ 159 ، الهداية شرح بداية المبتدي : 4/397 ، بداية المجتهد : 1 / 468 ، المغني لابن قدامة : 11 / 43 ، الشرح الكبير لابن قدامة : 11 / 50 ، تبيين الحقائق لشرح كنز الدقائق : 5 / 290 ، اللباب في شرح الكتاب : 3 / 227 .
- (2) مسالك الأفهام : 11 / 472 .
- (3) رياض المسائل : 12 / 96 .
(الصفحة 369)المريء ، وربما يطلق على هذه الأربعة: الأوداج الأربعة ، واللازم قطعها وفصلها ، فلا يكفي شقّها من دون القطع والفصل1 .
مسألة : محلّ الذبح في الحلق تحت اللحيين على نحو يقطع به الأوداج الأربعة ، واللازم وقوعه تحت العقدة المسمّاة في لسان أهل هذا الزمان
1 ـ قال المحقّق في الشرائع بعد الحكم بوجوب قطع الأعضاء الأربعة : ولا يجزئ قطع بعضها مع الإمكان ، وهذا في قول مشهور ، وفي الرواية : إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس(1) ، والظاهر أنّ المراد بها هي صحيحة زيد الشحّام السابقة ، لكن في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج السابقة الواردة في مورد المروة والقصبة والعود يذبح بهنّ الإنسان إذا لم يجد سكِّيناً ، قال (عليه السلام) : «إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك» ومن البعيد اختصاص فري الأوداج بصورة الضرورة ، بحيث يكون مرجعه إلى عدم الاعتبار في صورة عدمها ، كما أنّ احتمال إرادة خصوص الودجين ولو من باب التجوّز خلاف الظاهر ، وعلى فرض التعارض فموافقة الشهرة(2)التي هي أوّل المرجّحات على ما ذكرناه مراراً تقتضي الأخذ بصحيحة ابن الحجّاج والالتزام بفري الأوداج الأربعة ، وإطلاقها على الحلقوم والمريء ـ مع أنّ المحيط بهما هو الودجان فقط ـ إنّما هو لعدم إمكان القطع بدونه .
ثمّ إنّ التعبير بالقطع كما في بعض الروايات المتقدّمة ، أو بالفري كما في البعض الآخر ، يدلّ على أنّ المعتبر هو القطع ، فلا يكفي الشقّ والفصل من دون تحقّق عنوان القطع .
- (1) شرائع الإسلام : 3 / 205 .
- (2) مسالك الأفهام : 11 / 473 ـ 474، رياض المسائل : 12 / 97ـ 98.
(الصفحة 370)بـ «الجوزة» وجعلها في الرأس دون الجثّة والبدن ، بناءً على ما يدّعى من تعلّق الحلقوم أو الأعضاء الأربعة بتلك العقدة على وجه لو لم تبق في الرأس بتمامها ، ولم يقع الذبح من تحتها ، لم تقطع الأوداج بتمامها ، وهذا أمر يعرفه أهل الخبرة ، فإن كان الأمر كذلك ، أو لم يحصل العلم بقطعها بتمامها بدون ذلك فاللازم مراعاته ، كما أنّه يلزم أن يكون شيء من كلّ من الأوداج الأربعة على الرأس حتّى يعلم أنّها انقطعت وانفصلت عمّا يلي الرأس1 .
1 ـ لا شبهة في اعتبار إحراز فري الأوداج الأربعة في الحكم بالحلّية ، وفي المتن : أنّ اللازم وقوعه تحت العقدة المسمّـاة في لسان أهل هذا الزمان بـ «الجوزة» وجعلها في الرأس دون الجثّة والبدن الخ ، وقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) بعد اعتبار فري الأوداج الأربعة كما ذكرنا ، أنّه بقي شيء كثر السؤال عنه في زماننا هذا ; وهو دعوى تعلّق الأعضاء الأربعة بـ «الخرزة» التي تكون في عنق الحيوان المسمّـاة بـ «الجوزة» على وجه إذا لم يبقها الذابح في الرأس لم يقطعها أجمع، أو لم يعلم بذلك وإن قطع نصف الجوزة ، ولكن لم أجد لذلك أثراً في كلام الأصحاب ولا في النصوص ، والمدار على صدق قطعها تماماً أجمع ، وربما كان الممارسون لذلك العارفون أولى من غيرهم في معرفة ذلك; وهم الذين اُشير إليهم في بعض النصوص بمن يحسن الذبح ويجيده(1) ، انتهى .
وكيف كان ، فلا دليل على اعتبار الأمر المذكور عدا لزوم إحراز فري الأوداج الأربعة فقط ، واللازم الرجوع إلى أهل الخبرة ، كما أنّه ذكر في الذيل أنّه يلزم أن يكون مقدار يسير من الأوداج الأربعة على الرأس حتّى يعلم أنّها انقطعت
- (1) جواهر الكلام : 36 / 109 .
(الصفحة 371)مسألة : يشترط أن يكون الذبح من القدّام ، فلو ذبح من القفا وأسرع إلى أن قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح حرمت . نعم ، لو قطعها من القدّام لكن لا من الفوق; بأن أدخل السكّين تحت الأعضاء وقطعها إلى الفوق ، لم تحرم الذبيحة وإن فعل مكروهاً على الأوجه ، والأحوط ترك هذا النحو1 .
وانفصلت عمّا يلي الرأس ، والوجه فيه واضح .
1 ـ أمّا اشتراط أن يكون الذبح من القدّام متفرّعاً عليه، أنّه لو ذبح من القفا وأسرع إلى أن قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح ، فالظاهر أنّ الوجه فيه عدم استقرار الحياة مع الذبح كذلك حين فري الأوداج وقطعه ، ولذا يتحقّق منه السرعة إلى قطع الأوداج قبل خروج الروح ، وسيأتي البحث في ذلك مفصّلاً إن شاء الله تعالى موضوعاً وحكماً .
وأمّا لو تحقّق القطع من القدّام لكن لا من الفوق; بأن أدخل السكّين تحت الأعضاء وقطعها إلى الفوق ، فقد قال المحقّق في الشرائع : و ـ يعني وكذا يكره ـ أن تقلّب السكين فيذبح إلى الفوق ، وقيل فيهما : يحرم ، والأوّل أشبه(1) ، معلّلاً له في الجواهر بقول الصادق (عليه السلام) في خبر حمران : ولا تقلّب السكّين لتدخلها تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق(2) (3) ، والقائل بالحرمة بعض القدماء(4) ، لكن الرواية قاصرة عن
- (1) شرائع الإسلام : 3 / 206 .
- (2) الكافي : 6 / 229 ح4 ، تهذيب الأحكام : 9 / 55 ح227 ، وعنهما الوسائل : 24 / 10 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب3 ح2 .
- (3) جواهر الكلام : 36 / 136 .
- (4) النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى : 584 ، المهذّب : 2 / 440 .