(الصفحة 387)مسألة : لا يشترط في حلّية الذبيحة بعد وقوع الذبح عليها حيّاً أن يكون خروج روحها بذلك الذبح ، فلو وقع عليها الذبح الشرعي ثمّ وقعت في نار
بالتعيّش يوماً أو يومين ، وفي بعض الكلمات بل ولعلّه المشهور : ولو نصف يوم ، وتفسير الحركة غير المستقرّة بأن تكون الحركة كحركة المذبوح(1) ، وقد عرفت أنّ الكلام قد يكون في مقام الثبوت ، وقد يكون في مقام الإثبات(2) . أمّا بحسب مقام الثبوت ، فلا دليل على اعتبار استقرار الحياة بوجه ولو نصف يوم ، فيقع الذبح على الموارد المذكورة في المتن مع بقاء الحياة ولو كانت عند إشراف الخروج .
نعم ، في صورة الشكّ يكون الكاشف عن تلك الحياة المعتبرة الحركة بعد الذبح ولو كانت يسيرة ، ويدلّ على أصل الحكم ما مرّ في باب الصيد من أنّه إذا أدركه وكانت الأوصاف الثلاثة المتقدّمة موجودة فيه يجب ذبحه لحلّية أكل لحمه(3) ، وقد عرفت منّا وقوع الخلط ظاهراً في كلمات الأصحاب بين مقام الثبوت ومقام الإثبات ، كما أنّه يرد على المتن أنّه لا وجه لتكرار المسألة مرّتين أو ثلاث مرّات ، خصوصاً مع اختلاف النظر فيها ولو على نحو الإشكال لا الفتوى .
فالإنصاف أنّ المعتبر في مقام الثبوت هو أصل الحياة ولو كانت عند إشراف الخروج ، والكاشف عنها هو الأوصاف الثلاثة المتقدّمة(4) ، فمع تطرّف العين وتركّض الرجل وتحرّك الذنب يعلم بعدم زهوق الروح ، ومع العلم بعدمه يصحّ ذبحه ويحلّ أكله ، فتأمّل جيّداً .
- (1) في ص373 ـ 375.
- (2) في ص384.
- (3، 4) في ص324 ـ 325.
(الصفحة 388)أو ماء أو سقطت من جبل ونحو ذلك فماتت بذلك حلّت على الأقوى1 .
مسألة : يختصّ الإبل من بين البهائم بكون تذكيتها بالنحر ، كما أنّ غيرها يختصّ بالذبح ، فلو ذبحت الإبل أو نحر غيرها كان ميتة . نعم ، لو بقيت له الحياة بعد ذلك أمكن التدارك ; بأن يذبح ما يجب ذبحه بعدما نحر ، أو ينحر ما يجب نحره بعدما ذبح ووقعت عليه التذكية2 .
1 ـ المعتبر في حلّية الذبيحة وقوع الذبح عليها المؤثّر في زهاق الروح ولو بالقوّة ، فلو سبقه إلى ذلك أمر آخر بعد وقوع الذبح الشرعي بحيث كان المؤثّر بالفعل في زهاق الروح سابقاً على المؤثّر بالقوّة الذي يكون هو الذبح ، فلا يستفاد من الأدلّة اعتبار عدمه ، فإذا ذبح فوق جبل وسقطت منه ونحو ذلك فماتت بالسقوط ونحوه فلا دليل على اعتبار عدمه بعد وقوع الذبح المؤثّر في ذلك بالقوّة عليه ، ولا ينطبق عليه عنوان المتردّية بعد كون المراد بها هو الساقط من غير ذبح أصلاً ، بحيث كان الموت مستنداً إلى السقوط مطلقاً ، واحتمال لزوم كون الذبح مؤثّراً قوّة وفعلاً يدفعه عدم الدليل ، بل ظهور الدليل في الخلاف .
وفي صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال : وإن ذبحت ذبيحة فأجدت الذبح فوقعت في النار ، أو في الماء ، أو من فوق بيتك ، إذا كنت قد أجدت الذبح فكُل(1) .
2 ـ يختصّ الإبل من بين البهائم باختصاص تذكيتها بالنحر ، كما أنّ سائر البهائم
- (1) تهذيب الأحكام : 9 / 58 ح16 ، تفسير العياشي : 1 / 291 ح16 ، وعنهما الوسائل : 24 / 26 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب13 ح1 .
(الصفحة 389)مسألة : كيفيّة النحر ومحلّه أن يدخل سكّيناً أو رمحاً ونحوهما من الآلات الحادّة الحديديّة في لبّته ، وهي المحلّ المنخفض الواقع بين أصل العنق
وغيرها من الحيوانات القابلة للذبح يختصّ باختصاص تذكيتها المؤثّرة في الحلّية والطهارة أو الطهارة بالذبح ، فلو انعكس الأمر لا تصحّ ، ويدلّ عليه من الروايات صحيحة صفوان قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن ذبح البقر من المنحر؟ فقال : للبقر الذبح ، وما نحر فليس بذكي(1) .
ومرسلة الصدوق المعتبرة ، قال : قال الصادق (عليه السلام) : كلّ منحور مذبوح حرام ، وكلّ مذبوح منحور حرام(2) .
ورواية يونس بن يعقوب ، قال : قلت لأبي الحسن الأوّل (عليه السلام) : إنّ أهل مكّة لا يذبحون البقر ، إنّما ينحرون في لبّة البقر ، فما ترى في أكل لحمها؟ قال : فقال :
{فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} ، لا تأكل إلاّ ما ذبح(3) .
ثمّ إنّه لو انعكس الأمر; بأن ذبح ما كان اللازم نحره ، أو نحر ما كان اللازم ذبحه لا تحلّ بذلك ، بل هي ميتة إلاّ إذا عمل على طبق الوظيفة الأوّلية في حال بقاء الحياة المعتبر في التذكية المتقدّم سابقاً ، وقد تردّد في الحلّية المحقّق في الشرائع ، معلّلاً بأنّه لا استقرار للحياة بعد الذبح أو النحر(4) ، ولكن عرفت منع اعتبار الأمر المذكور(5) .
- (1) الكافي : 6 / 228 ح2 ، تهذيب الأحكام : 9 / 53 ح218 ، وعنهما الوسائل : 24 / 14 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب5 ح1 .
- (2) الفقيه : 3 / 210 ح968 ، وعنه الوسائل : 24 / 14 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب5 ح3 .
- (3) الكافي : 6 / 229 ح3 ، تهذيب الأحكام : 9 / 53 ح219 ، وعنهما الوسائل : 24 / 14 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب5 ح2 ، والآية في سورة البقرة: 2 / 71.
- (4) شرائع الإسلام : 3 / 205 .
- (5) في ص375 .
(الصفحة 390)والصدر ، ويشترط فيه كلّ ما اشترط في التذكية الذبحيّة ، فيشترط في الناحر ما اشترط في الذابح ، وفي آلة النحر ما اشترط في آلة الذبح ، وتجب التسمية عنده ، كما تجب عند الذبح ، ويجب الاستقبال بالمنحور ، وفي اعتبار الحياة واستقرارها هنا ما مرّ في الذبيحة1 .
مسألة : يجوز نحر الإبل قائمة وباركة مقبلة إلى القبلة ، بل يجوز نحرها ساقطة على جنبها مع توجيه منحرها ومقاديم بدنها إلى القبلة وإن كان
1 ـ في صحيحة معاوية بن عمّار قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : النحر في اللبّة والذبح في الحلق(1) . وفي رواية حمران بن أعين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على نحر الإبل أيضاً قوله (عليه السلام) : وأمّا البعير فشدّ أخفافه إلى إباطه واطلق رجليه(2) .
ثمّ إنّ الدليل على أنّه يشترط فيه كلّ ما اشترط في التذكية الذبحيّة ـ مضافاً إلى عموم الدليل في بعض الشرائط ، كقوله تعالى :
{وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ}(3) وإلى أنّ الظاهر أنّ المراد من قوله (عليه السلام) : فاستقبل بذبيحتك القبلة ، كما في الروايات المتقدّمة(4) أعمّ من النحر ـ أنّه لم يقل أحد بالفرق بين الذبح والنحر من هذه الجهة أصلاً .
- (1) الكافي : 6 / 228 ح1 ، تهذيب الأحكام : 9 / 53 ح217 ، وعنهما الوسائل : 24 / 10 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب3 ح1 .
- (2) الكافي : 6 / 229 ح4 ، تهذيب الأحكام : 9 / 55 ح227 ، وعنهما الوسائل : 24 / 10 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب3 قطعة من ح2 .
- (3) سورة الأنعام : 6 / 121 .
- (4) في ص378 .
(الصفحة 391)الأفضل كونها قائمة1 .
مسألة : كلّ ما يتعذّر ذبحه ونحره ـ إمّا لاستعصائه ، أو لوقوعه في موضع لا يتمكّن الإنسان من الوصول إلى موضع ذكاته ليذبحه أو ينحره ، كما لو تردّى في البئر ، أو وقع في مكان ضيّق وخيف موته ـ جاز أن يعقره بسيف ، أو سكّين ، أو رمح أو غيرها ممّا يجرحه ويقتله ، ويحلّ أكله وان لم يصادف العقر موضع التذكية ، وسقطت شرطية الذبح والنحر ، وكذلك الاستقبال . نعم ، سائر الشرائط من التسمية وشرائط الذابح والناحر تجب مراعاتها ، وأمّا الآلة فيعتبر فيها ما مرّ في آلة الصيد الجماديّة ، وفي الاجتزاء هنا بعقر الكلب وجهان ، أقواهما ذلك في المستعصي ، ومنه الصائل المستعصي دون غيره كالمتردّي2 .
1 ـ كما عرفت أنّه يجوز في مثل الشاة في حال الذبح وضعها على الجانب الأيمن ، وكذا وضعها على الجانب الأيسر ، فاعلم أنّه يجوز نحر الإبل قائمة مقبلة إلى القبلة ، ويجوز نحرها ساقطة على جنبها مع توجيه منحرها ومقاديم بدنها إلى القبلة ، وإن كان الأفضل كما في المتن كونها قائمة .
2 ـ قال المحقّق في الشرائع : كلّ ما يتعذّر ذبحه أو نحره من الحيوان ، إمّا لاستعصائه ، أو لحصوله في موضع لا يتمكّن المذكّي من الوصول إلى موضع الذكاة منه وخيف فوته ، جاز أن يعقر بالسيوف أو غيرها ممّا يجرح ، ويحلّ وإن لم يصادف العقر موضع التذكية(1) . وأضاف إليه في الجواهر : ولم يحصل الاستقبال(2) .
- (1) شرائع الإسلام : 3 / 207 .
- (2) جواهر الكلام : 36 / 140 .