(الصفحة 392)
أقول : يدلّ على ذلك روايات متعدّدة ، كصحيحة محمّد الحلبي قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) في ثور تعاصى فابتدره قوم بأسيافهم وسمّوا ، فأتوا عليّاً (عليه السلام)، فقال : هذه ذكاة وحيّة ولحمه حلال .
ومثلها رواية عيص بن القاسم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) (1).
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ قوماً أتوا النبيّ (صلى الله عليه وآله)فقالوا : إنّ بقرة لنا غلبتنا واستصعبت (واستعصت خ ل) علينا ، فضربناها بالسيف ، فأمرهم بأكلها(2) .
ورواية إسماعيل الجعفي قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : بعير تردّى في بئر كيف ينحر؟ قال : يدخل الحربة فيطعنه بها ويسمّي ويأكل(3) .
وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال .
ثمّ إنّه ذكر في الذيل أنّ الاجتزاء هنا بعقر الكلب فيه وجهان ، وقد قوّى الاجتزاء بالإضافة إلى المستعصي دون المتردّي ، ولعلّ الوجه أنّ المستعصي يكون كالممتنع بالذات ; لعدم الفرق بين الامتناع بالذات ، وبين الامتناع بالعرض لأجل الاستعصاء ، وأمّا المتردّي فقد عرفت في بعض الروايات المتقدّمة لزوم طعنه بالحربة التي هي آلة جماديّة ، وذكر صاحب الجواهر (قدس سره) أنّه ربما ظهر من بعض هنا
- (1) الكافي : 6 / 231 ح3 و2 ، تهذيب الأحكام : 9 / 54 ح225 و224 ، الفقيه : 3 / 208 ح957 ، وعنها الوسائل : 24 / 19 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب10 ح1 و2 .
- (2) الكافي : 6 / 231 ح4 ، الفقيه : 3 / 208 ح956 ، تهذيب الأحكام : 9 / 54 ح226 ، وعنها الوسائل : 24 / 20 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب10 ح3 .
- (3) الكافي : 6 / 231 ح5 ، تهذيب الأحكام : 9 / 54 ح322 ، وعنهما الوسائل : 24 / 20 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب10 ح4 .
(الصفحة 393)مسألة : للذباحة والنحر آداب ووظائف مستحبّة ومكروهة .
فمنها : على ما حكي الفتوى به عن جماعة أن يربط يدي الغنم مع إحدى رجليه ويطلق الاُخرى ، ويمسك صوفه وشعره بيده حتّى تبرد ، وفي البقر أن يعقل قوائمه الأربع ويطلق ذنبه ، وفي الإبل أن تكون قائمة ويربط يديها ما بين الخفّين إلى الركبتين أو الإبطين ، ويطلق رجليها ، وفي الطير أن يرسله بعد الذبح حتّى يرفرف .
ومنها : أن يكون الذابح والناحر مستقبل القبلة .
ومنها : أن يعرض عليه الماء قبل الذبح والنحر .
ومنها : أن يعامل مع الحيوان في الذبح والنحر ومقدّماتهما ما هو الأسهل والأروح وأبعد من التعذيب والإيذاء له ; بأن يساق إلى الذبح والنحر برفق ويضجعه برفق ، وأن يحدّد الشفرة ، وتُوارى وتُستر عنه حتّى لا يراها ، وأن يسرع في العمل ويمرّ السكّين في المذبح بقوّة1 .
المفروغيّة من جواز عقره بالكلب; لصيرورته بذلك حينئذ كالصيد ، وذكر أنّه قد تقدّم الإشكال منّا في ذلك بالنسبة إلى خصوص المتردّي(1) ، ولعلّ وجه الإشكال ما ذكرناه من الرواية ، فتدبّر .
1 ـ للذباحة والنحر آداب ووظائف مستحبّة ومكروهة :
أمّا المستحبّة وإن لم يقع التصريح بها في كلامه ، فهي اُمور مذكورة جملة منها في بعض الروايات ، ولو فرض عدم اعتبارها ، لكنّه لا يقدح في ذلك بناءً على قاعدة التسامح في أدلّة السنن ، ولو قلنا بشمولها للفتوى
- (1) جواهر الكلام : 36 / 140 .
(الصفحة 394)وأمّا المكروهة ، فمنها : أن يسلخ جلده قبل خروج الروح ، وقيل بالحرمة وإن لم تحرم به الذبيحة ، وهو أحوط .
ومنها : أن يقلب السكّين ويدخلها تحت الحلقوم ويقطع إلى فوق .
ومنها : أن يذبح حيوان وحيوان آخر مجانس له ينظر إليه ، وأمّا غيره ففيها تأمّل ، وإن لا تخلو من وجه .
ومنها : أن يذبح ليلاً ، وبالنهار قبل الزوال يوم الجمعة إلاّ مع الضرورة .
ومنها : أن يذبح بيده ما ربّاه من النعم . وأمّا إبانة الرأس قبل خروج الروح منه فالأحوط تركها ، بل الحرمة لا تخلو من وجه . نعم ، لا تحرم الذبيحة بفعلها على الأقوى . هذا مع التعمّد . وأمّا مع الغفلة أو سبق السكِّين فلا حرمة ولا كراهة ـ لا في الأكل ولا في الإبانة ـ بلا إشكال ، والأحوط ترك أن تنخع الذبيحة بمعنى إصابة السكِّين إلى نخاعها وهو الخيط الأبيض وسط القفار الممتدّ من
التي لا يعلم مستندها تكون الدائرة أوسع ، ففي رواية حمران بن أعين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قوله : وإن كان شيء من الغنم فأمسك صوفه أو شعره ، ولا تمسكنّ يداً ولا رجلاً ، فأمّا البقرة فاعقلها وأطلق الذنب ، وأمّا البعير فشدّ أخفافه إلى إباطه وأطلق رجليه ، وإن أفلتك شيء من الطير وأنت تريد ذبحه أو ندّ عليك فارمه بسهمك ، فإذا هو سقط فذكّه بمنزلة الصيد(1) ، والأخبار في هذا الباب عمدتها مذكورة في باب الذبح الذي هو من أحكام منى يوم النحر ، فراجع .
- (1) الكافي : 6 / 229 ح4 ، تهذيب الأحكام : 9 / 55 ح227 ، وعنهما الوسائل : 24 / 11 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب3 ذح2 .
(الصفحة 395)الرقبة إلى عجز الذنب1 .
1 ـ البحث في أصل المكروهات لا يكون حائزاً للأهمّية بعد إلغاء الخصوصية من قاعدة التسامح في أدلّة السنن ، أو لرجوع المكروهات إلى المستحبّات ، على خلاف ما هو التحقيق من وجوب ترك كلّ حرام ، وحرمة ترك كلّ واجب ، ومثلهما بالإضافة إلى المستحبّات والمكروهات ، لما ذكرنا في محلّه من عدم ثبوت حكمين في مورد حكم واحد ، أعمّ من الأمر أو النهي ، لكن في المسألة اُمور ينبغي التعرّض لها :
منها : أن يذبح حيوان وحيوان آخر مجانس له ينظر إليه ، ففي رواية غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : لا تذبح الشاة عند الشاة ولا الجزور عند الجزور وهو ينظر إليه(1) . والمورد وإن كان المماثل ، إلاّ أنّ التعبير بأنّه ينظر إليه لعلّه أعمّ .
ومنها : إبانة الرأس قبل خروج الروح منه ، فقد احتاط تركها ، بل قد قوّى الحرمة التكليفيّة في صورة التعمّد وإن نفى الحرمة الوضعيّة ، فقد وردت فيها صحيحة الفضيل بن يسار قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل ذبح فتسبقه السكّين فتقطع الرأس؟ فقال : ذكاة وحيّة لا بأس بأكله(2) . فإنّه يظهر منها ثبوت الحرمة التكليفيّة مع عدم سبق السكّين ، ولا محالة مع عدم الغفلة أيضاً .
ومنها : نخع الذبيحة ، فقد وردت فيه صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام)
- (1) الكافي : 6 / 229 ح7 ، تهذيب الأحكام : 9 / 56 ح232 وص80 ح341 ، وعنهما الوسائل : 24 / 16 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب16 ح1 .
- (2) الكافي : 6 / 230 ح1 ، الفقيه : 3 / 208 ح959 ، تهذيب الأحكام : 9 / 55 ح229 ، وعنها الوسائل : 24 / 17 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب9 ح1 .
(الصفحة 396)مسألة : لو خرج جنين أو أُخرج من بطن اُمّه ، فمع حياة الاُمّ أو موتها بدون التذكية لم يحلّ أكله ، إلاّ إذا كان حيّاً ووقعت عليه التذكية ، وكذا إن خرج أو اُخرج حيّاً من بطن اُمّه المذكّاة ، فإنّه لا يحلّ إلاّ بالتذكية ، فلو لم يذكّ لم يحلّ وإن كان عدمها من جهة عدم اتّساع الزمان لها على الأقوى ، وأمّا لو خرج أو اُخرج ميّتاً من بطن اُمّه المذكّاة حلّ أكله ، وكانت تذكيته بتذكية اُمّه ، لكن بشرط كونه تامّ الخلقة ، وقد أشعر أو أوبر وإلاّ فميتة ، ولا فرق في حلّيته مع الشرط المزبور بين ما لم تلجه الروح ، وبين ما ولجته ومات في بطن اُمّه على الأقوى1 .
قال : سألته عن الذبيحة؟ فقال : استقبل بذبيحتك القبلة ، ولا تنخعها حتّى تموت ، ولا تأكل من ذبيحة لم تذبح من مذبحها(1) ، ومثلها رواية الحلبي(2) .
1 ـ في هذه المسألة صور :
الاُولى : ما لو خرج جنين أو اُخرج من بطن اُمّه ، فمع اتّصاف الاُمّ بالحياة أو موتها بدون التذكية لم يحلّ أكل الجنين ، إلاّ إذا كان حيّاً ووقعت عليه التذكية ، ويشمله إطلاق مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال : ولا تأكل ذبيحة لم تذبح من مذبحها(3) .
الثانية : المفروض مع صيرورة اُمّه مذكّاة ، فإنّ تذكية الاُمّ لا تؤثّر في صيرورة
- (1) الكافي : 6 / 229 ح5 ، تهذيب الأحكام : 9 / 53 ح220 ، وعنهما الوسائل : 24 / 15 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب6 ح1 .
- (2) الكافي : 6 / 229 ح6 ، تهذيب الأحكام : 9 / 55 ح228 ، وعنهما الوسائل : 24 / 16 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب6 ح2 .
- (3) الكافي : 6 / 229 ح5 ، تهذيب الأحكام : 9 / 53 ح220 ، وعنهما الوسائل : 24 / 12 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب4 ح1 .