(الصفحة 410)
ويظهر من بعض أنّ هذا الاستصحاب من قبيل القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي ، وهو ممنوع جدّاً ; لأنّ عدم التذكية لا يكون متّحداً مع الحيوان في حالتي الحياة والموت ، كالكلّي المتّحد مع أفراده ، بل هو أمر عدميّ يقارن الحياة ، وقد يقارن الموت .
ثمّ إنّ الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) أجاب عن الفاضل التوني بما ملخّصه : أنّ الاستصحاب يجري في ذلك الأمر الندبي إذا لم يرد به إثبات الموجود المتأخر المقارن له ، نظير إثبات الموت حتف الأنف بعدم التذكية ، وكذا إذا لم يرد به إثبات ارتباط الموجود المقارن له به ، نظير إثبات كون هذا الدم الموجود ليس بحيض باستصحاب عدم صيرورة المرأة حائضاً ، أو عدم رؤيتها لدم الحيض حتّى يحكم عليه بالاستحاضة; لورود الدليل مثلاً على أنّ كلّ ما تقذفه المرأة من الدم إذا لم يكن بحيض فهو استحاضة(1) .
ويظهر من حاشية بعض الأعاظم على هذا المقام من كلام الشيخ أنّ استصحاب عدم التذكية يكون من قبيل استصحاب عدم صيرورة المرأة حائضاً في عدم إثباته كون هذا اللحم غير مذكّى ـ إلى أن قال : ـ فمقتضى القاعدة هو التفكيك بين الآثار ، فما كان منها مرتّباً على عدم كون اللّحم مذكّى; كعدم حلّيته ، وعدم جواز الصلاة فيه ، وعدم طهارته ، وغير ذلك من الأحكام العدميّة المنتزعة عن الوجوديات التي تكون التذكية شرطاً في ثبوتها ، ترتّب عليه ، فيقال : الأصل عدم تعلّق التذكية بهذا اللحم الذي زهق روحه ، فلا يحلّ أكله ولا الصلاة فيه ، ولا استعماله فيما يشترط بالطهارة ، وأمّا الآثار المترتّبة على كونه غير مذكّى; كالأحكام الوجودية
- (1) فرائد الاُصول : 2 / 641 ـ 643 .
(الصفحة 411)مسألة : لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمناً ، أو مخالفاً يعتقد طهارة جلد الميتة بالدبغ ، ويستحلّ ذبائح أهل الكتاب ، ولا يراعي الشروط التي اعتبرناها في التذكية، وكذا لافرق بين كون الآخذموافقاًمع المأخوذ منه في شرائط التذكية اجتهاداً أو تقليداً ، أو مخالفاً معه فيها إذا احتمل الآخذ تذكيته على وفق مذهبه ، كما إذا اعتقد الآخذ لزوم التسمية بالعربيّة دون المأخوذ منه إذا احتمل أنّ مابيده قد روعي فيه ذلك وإن لم يلزم رعايته عنده.والله العالم1 .
الملازمة لهذه العدميات ; كحرمة أكله أو نجاسته ، وبتنجيس ملاقيه ، وحرمة الانتفاع به ، وببيعه أو استعماله في سائر الأشياء غير المشروطة بالطهارة; كسقي البساتين ، وإحراقه على القول بها وغير ذلك من الأحكام المتعلّقة على عنوان الميتة أو غير المذكّى فلا(1) .
والظاهر تماميّة هذا الكلام وثبوت التفكيك بين الآثار بنحو عرفت ، وإن أجاب عنه جمع ، منهم : سيّدنا المحقّق الاستاذ البروجردي فيما قرّرته من دروسه ومباحثه ، من أراد التفصيل فليراجع كتاب نهاية التقرير في بحث لباس المصلّي(2) .
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : ولا يشترط الإيمان ، وفيه قول بعيد باشتراطه(3) ، وهذا القول محكيّ عن الحلّي(4) وأبي الصلاح(5) وابني حمزة(6)
- (1) حاشية فرائد الاُصول لآقا رضا الهمداني : 387 ـ 388 .
- (2) نهاية التقرير : 1 / 304 ـ 310 .
- (3) شرائع الإسلام : 3 / 204 .
- (4) السرائر : 3 / 106 .
- (5) الكافي في الفقه : 277 .
- (6) الوسيلة : 361 .
(الصفحة 412)
والبرّاج(1) ، وعمدة الدليل على عدم اشتراط الإيمان ـ مضافاً إلى السيرة المستمرّة ونفي الحرج(2) ـ رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ذبيحة من دان بكلمة الإسلام وصام وصلّى لكم حلال إذا ذكر اسم الله تعالى عليه(3) .
وكذا روايات شراء الفراء واللحم من سوق المسلمين(4) ، وغير ذلك .
نعم ، لا ينبغي الإشكال في الكراهة مع وجود المؤمن ، لروايات كثيرة .
منها : رواية زكريّا بن آدم قال : قال أبو الحسن (عليه السلام) : إنّي أنهاك عن ذبيحة كلّ من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك ، إلاّ في وقت الضرورة إليه(5) ، واستثناء صورة الضرورة بعد وضوح أنّ المراد بها ليست هي الضرورة المسوّغة لأكل الميتة دليل على أنّ المراد بالنهي الكراهة ، ومنها غير ذلك .
وأولى منه أنّه لا يعتبر العلم بكون الآخذ موافقاً مع المأخوذ منه في شرائط التذكية اجتهاداً أو تقليداً أو مخالفاً معه ، بشرط عدم العلم بعدم رعاية ما تلزم رعايته على مذهب الآخذ ، كما في المثال المذكور في المتن ، وإلاّ فمع العلم بعدم
- (1) المهذّب : 2 / 439 .
- (2) جواهر الكلام : 36 / 93 .
- (3) تهذيب الأحكام : 9 / 71 ح300 ، الاستبصار : 4 / 88 ح336 ، وعنهما الوسائل : 24 / 67 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب28 ح1 .
- (4) وسائل الشيعة : 3 / 490 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ب50 ، وج24 / 70 ، كتاب الصيد والذبائح : ب29 ح1 .
- (5) تهذيب الأحكام : 9 / 70 ح298 ، الاستبصار : 4 / 86 ح330 ، وعنهما الوسائل : 24 / 67 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب28 ح5 .
(الصفحة 413)
الرعاية لم تتحقّق التذكية بنظر الآخذ حتماً ، وقد عرفت(1) حكم ذبيحة الناصب ودلالة الرواية ، بل الروايات على أنّه لا تحلّ ذبيحته . نعم ، في رواية حمران ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سمعته يقول : لا تأكل ذبيحة الناصب إلاّ أن تسمعه يسمّي(2) . ولكنّ الظاهر أنّه لا فرق في عدم حلّية ذبيحة الناصب بين الصورتين كما عرفت ، هذا تمام الكلام في كتاب الصيد والذباحة .
- (1) في ص361 .
- (2) تهذيب الأحكام : 9 / 72 ح304 ، الاستبصار : 4 / 87 ح335 ، وعنهما الوسائل : 24 / 68 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب28 ح7 .
require("baknext.php");
?>