(الصفحة 86)
فكتب بخطّه إليّ : وأعلمه أنّ رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن يبيع الوقف أمثل ، فإنّه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس(1) .
وقد اُورد على الاستدلال بهما بإيرادات :
منها : احتمال كون المراد تلف مال الوقف ونفوس الموقوف عليهم ، لا مطلق الأموال ومطلق النفوس .
ومنها: عدم ظهورهما في الوقف المؤبّد الذي هو محلّ البحث ; لعدم ذكر الأعقاب.
ومنها: احتمال أن يكون مورد السؤال قبل تماميّة الوقف; لعدم الإقباض ، ويؤيّده كون البائع هو الواقف ، ولو كان بعد تماميّته كان الأمر إلى الناظر أو الموقوف عليه .
ومنها : أنّ الظاهر من الخبر كون الثمن للموجودين ، مع أنّه مناف لحقّ البطون ولقول المجوّزين .
وبالجملة : فالاستدلال لهذا الأمر للجواز في مقابل أدلّة المنع مشكل .
قلت : هذه الإيرادات وإن كانت قابلة للنقاش بل الجواب ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ ملاحظة نفس عنوان الموضوع تكفي في الحكم بالجواز ; لأنّ في دوران الأمر بين جواز بيع الوقف ، وبين تحقّق تلف الأموال والأنفس بسبب الاختلاف نوعاً لا شكّ في أنّ الترجيح مع الأوّل ، ولا حاجة إلى ما يدلّ على الجواز .
ثمّ إنّ هاهنا بعض الاُمور الذي قيل بجواز بيع الوقف معه ، كزوال عنوان لاحظه الواقف في الوقفيّة ، كما إذا وقف بستاناً مع لحاظ البستانيّة في عنوان الوقف ، نظراً إلى أنّه إذا خرج عن هذا العنوان بطل كونه وقفاً ، وقد حكي عن المحقّق الشيخ
- (1) الكافي : 7 / 36 ح30 ، الفقيه : 4 / 178 ح628 ، التهذيب : 9 / 130 ح557 ، الاستبصار : 4 /98 ح381 ، وعنها الوسائل : 19 / 187 ـ 189 ، كتاب الوقوف والصدقات : ب6 ح5 و 6 .
(الصفحة 87)
الأعظم الأنصاري (قدس سره) أنّه لا وجه للبطلان ; لأنّه إن اُريد بـ «العنوان» ما جعل مفعولاً في قوله : «وقفت هذا البستان» فلا شكّ في أنّه ليس إلاّ كقوله : «بعت هذا البستان» أو «وهبته» وإن اُريد به شيء آخر فهو خارج عن مصطلح أهل العرف والعلم ، ولابدّ من بيان المراد منه ، هل يراد ما اشترط لفظاً ، أو قصداً في الموضوع زيادةً على عنوانه ؟(1)
واُورد عليه بأنّه فرق بين أن يجعل البستان مورداً للوقف أو عنواناً ، وهو في قوله : «بعت هذا البستان» بمنزلة : «بعت هذا الشيء» بخلاف ما إذا جعل عنواناً ، كما هو المفروض في الوقف(2) .
وأنت خبير بأنّه لا فرق بين بيع البستان وبين وقفه; في أنّ زوال العنوان المذكور كما لا يوجب بطلان البيع من رأس ; لأنّ لازمه تعلّق البيع بجميع أبعاضه من الأراضي والأشجار وغيرهما ، كذلك زوال العنوان المذكور لا يوجب بطلان الوقف ; لعين ما ذكر ، فإنّ يبوسة الأشجار مثلاً إنّما توجب خروج بعض العين الموقوفة عن كونها كذلك ، لا بطلان أصل الوقف رأساً ، فإنّ يبوسة الأشجار بمنزلة وقوع بعض البستان في وسط الطريق ، حيث إنّه لا ملازمة بين جميع الأبعاض كما لا يخفى ، فما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) هو الظاهر .
ثمّ إنّ المتصدّي للبيع في موارد جوازه وللتبديل وشراء عين اُخرى بدل العين الموقوفة في مورد جوازه هو المتولّي للوقف في صورة وجود المتولّي الذي عيّنه الواقف ، وإلاّ فالحاكم أو المنصوب من قبله، كما لا يخفى .
- (1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 4 / 75 ـ 76 .
- (2) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 254 .
(الصفحة 88)مسألة : لا إشكال في جواز إجارة ما وقف وقف منفعة ـ سواء كان وقفاً خاصّاً أو عامّاًـ على العناوين ، أو على الجهات والمصالح العامّة ، كالدكاكين والمزارع الموقوفة على الأولاد ، أو الفقراء ، أو الجهات العامّة ، حيث إنّ المقصود استنماؤها بإجارة ونحوها ووصول نفعها إلى الموقوف عليهم ، بخلاف ما كان وقف انتفاع ، كالدار الموقوفة على سكنى الذرّية ، وكالمدرسة والمقبرة والقنطرة والخانات الموقوفة لنزول المارّة ، فإنّ الظاهر عدم جواز إجارتها في حال من الأحوال1 .
1 ـ قد عرفت في بعض المسائل السابقة(1) أنّ الوقف على قسمين : وقف منفعة ، فيصير الموقوف عليه مالكاً للمنفعة ، سواء كان وقفاً خاصّاً ، كالوقف على الأولاد ، أو وقفاً عامّاً كالفقراء أو الجهات العامّة . ووقف انتفاع لا يملك الموقوف عليه المنفعة بوجه ، بل إنّما له حقّ الانتفاع ، وقد عرفت(2) من أنّ الفرق بينهما هو الفرق بين الإجارة والعارية ، حيث إنّ المستأجر يملك المنفعة ، وأمّا المستعير فله حقّ الانتفاع ، من دون أن تجوز له الإجارة بوجه أصلاً .
فاعلم أنّ الأمر في المقام أيضاً كذلك ، فإذا كان الوقف وقف منفعة تجوز إجارة العين الموقوفة لثبوت ملكية المنفعة ، كإجارة المستأجر العين المستأجرة في صورة عدم اشتراط المباشرة والاستفادة بنفسه ، وكذا في صورة الإطلاق لو قيل بانصرافها إلى فرض المباشرة ، فإنّه لا مانع في هذه الصورة من إجارة المستأجر بعد كونه مالكاً للمنفعة ، ولم يكن قيد المباشرة ملحوظاً بالاشتراط أو بالانصراف إليها عند الإطلاق على احتمال .
(الصفحة 89)مسألة : لو خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه واحتاج بعضه الآخر إلى التعمير لحصول المنفعة ، فإن أمكن تعمير ذلك البعض المحتاج من منافعه فالأحوط تعميره منها وصرف ثمن البعض الآخر في اشتراء مثل الموقوفة ، وإن لم يمكن لا يبعد أن يكون الأولى بل الأحوط أن يصرف الثمن في التعمير المحتاج إليه . وأمّا جواز صرفه لتعميره الموجب لتوفير المنفعة فبعيد . نعم ، لو لم يكن الثمن بمقدار شراء مثل الموقوفة يصرف في التعمير ولو للتوفير1 .
وهذا بخلاف ما إذا كان الوقف وقف انتفاع ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، فإنّ الموقوف عليه في هذا النوع من الوقف لم يصر مالكاً للمنفعة ، بل له حقّ الانتفاع فقط ، فكما أنّه لا تجوز إجارة ما استعاره ، كذلك لا تجوز الإجارة هنا في حال من الأحوال ، فإنّ الدار الموقوفة على سكنى الذرّية إذا كان الفرد الآخر ذرّية واجداً لشرائط الموقوف عليه ، فلا مجال للاستئجار والإجارة بعد عدم الفرق بين هذا الفرد وسائر الأفراد ، وإذا لم يكن واجداً له لا يجوز جعل العين الموقوفة تحت اختياره واستيلائه لينتفع به ، كما هو واضح .
1 ـ لو خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه لأجل الخراب كما عرفت(1) ، واحتاج بعضه الآخر إلى التعمير لحصول المنفعة ، ففيه صورتان :
الاُولى : إمكان تعمير ذلك البعض المحتاج إلى التعمير من منافع نفسه ، فمقتضى الاحتياط اللازم التعمير من المنافع وصرف ثمن البعض الآخر المبيع لأجل عروض الخراب المجوّز للبيع في اشتراء مثل الموقوفة وإن كان أصغر ، كما هو الغالب في مثل هذا الفرض ، ففي الحقيقة قد وقع الجمع في هذه الصورة بين التعمير من
(الصفحة 90)مسألة : لا إشكال في جواز إفراز الوقف عن الملك الطلق فيما إذا كانت العين مشتركة بينهما ، فيتصدّيه مالك الطلق مع متولّي الوقف أو الموقوف عليهم ، بل الظاهر جواز قسمة الوقف أيضاً لو تعدّد الواقف والموقوف عليه ، كما إذا كانت دار مشتركة بين شخصين ، فوقف كلّ منهما حصّته المشاعة على أولاده ، بل لا يبعد الجواز فيما إذا تعدّد الوقف والموقوف عليه مع اتّحاد الواقف ، كما إذا وقف نصف داره مشاعاً على مسجد ، والنصف الآخر على
المنافع بالإضافة إلى البعض غير المخروب ، وبين اشتراء مثل الموقوفة بثمن البعض المخروب الذي صار جائز البيع .
الثانية : أن لا يمكن تعمير ذلك البعض من منافع نفسه ، وقد نفى في المتن البُعد عن أن يكون الأولى بل الأحوط أن يصرف ثمن البعض المخروب في التعمير المحتاج إليه ، حفظاً للعين الموقوفة عن الخراب ، ورعايةً لغرض الواقف مع الإمكان . نعم ، أفاد في الذيل أمرين :
أحدهما : الصرف للتعمير لا للاحتياج إلى التعمير ، بل لمجرّد توفير المنفعة وزيادتها ، وقد استبعد الجواز لذلك ، ولعلّه لأجل أنّه مع إمكان الصرف في شراء مثل العين الموقوفة ـ حتّى يستفيد به البطون اللاحقة ـ لا وجه للصرف للتعمير لمجرّد التوفير مع ترتّب المنفعة العقلائيّة المقصودة للواقف عليه .
ثانيهما : أنّه لو لم يكن الثمن بمقدار شراء مثل العين الموقوفة ولو كان أصغر منها ، لا مانع من الصرف في التعمير للتوفير ; لأنّه مع الدوران بين بقاء الثمن بنفسه أو التقسيم بين أفراد البطن الموجود ، ولا محالة ينتفى موضوع الوقف بهذا المقدار ، وبين صرفه في تعمير البعض الموجود ولو لتوفير المنفعة الموجب لاستفادة جميع البطون منه بهذا الوصف ، يكون الترجيح مع الثاني .