(الصفحة 129)
فيه و لم يكن مروره على الميقات بقصد الاتيان به لكنه بعد التجاوز عنه بداله ذلك و قصد الاتيان بالواجب و اخرى لا يكون واجبا عليه لكنه بعد التجاوز بداله ان يحج استحبابا كما انه يمكن تصوير صورة ثالثة و هى تحقق الاستطاعة له بعد التجاوز عن الميقات فاراد ان يحج لاجلها ففي الصورة الاولى لا مجال لدعوى الاولوية الظنية فضلا عن القطعية لانّ معذورية الناسي و الجاهل العازمين على الاحرام على تقدير عدم النسيان و الجهل لا يستلزم معذورية العاصي المفروض و مروره على الميقات من دون احرام و ان لم يكن محرّما بالحرمة التكليفية لعدم كونه قاصدا للحج و لا لدخول مكة او الحرم الاّ ان الكلام ليس في هذا الحكم بل في الحكم الوضعي الذي مرجعه الى مدخلية الاحرام من الميقات في صحة حجّه و عمرته و قد قام الدليل الخاص في الجاهل و الناسي و لم يدل دليل عليه في المقام بل مقتضي الادلة العامّة الواردة في المواقيت عدم الصّحة و عدم الاكتفاء بالاحرام من غيرها كما انه في الصورة الثانية التى بداله ان يحج ـ مثلا ـ استحبابا لا مجال لدعوى الاولويّة لان التسهيل الوارد بالاضافة اليهما بمقتضي الروايات الخاصة المتقدمة لا يستلزم التسهيل بالاضافة الى غيرهما كما لا يخفى.
و امّا الصورة الثالثة فيمكن ان يقال فيها بعدم تحقق الاستطاعة بعد عدم امكان الاحرام من الميقات و فرض مدخليته في صحة الحج و عدم دلالة ما ورد في الناسي و الجاهل على حكم غيرهما و منع ثبوت الاولوية بعد عدم التكليف فتدبّر.
ثالثها: صدر صحيحة الحلبي المتقدمة المشتملة على السؤال عن رجل ترك الاحرام حتى دخل الحرم و يظهر الاستدلال به من صاحب الجواهر نظرا الى ان اطلاق الترك يشمل ما هو المفروض في المقام و هو من لم يكن مريدا للنسك و لا لدخول مكة او الحرم.
و يرد عليه مضافا الى ما عرفت من اتحاد هذه الرواية مع صحيحته الاخرى
(الصفحة 130)
المشتملة على السؤال عن خصوص الناسي و عليه فلم يعلم كون المذكور في السؤال هو عنوان الترك المطلق او خصوص الترك الناشي عن النسيان انه على تقدير كون مورد السؤال هو الترك لا يشمل المقام و ان قلنا بشموله للترك عن عمد على خلاف ما استظهرنا منه كما مرّ و ذلك لان الظاهر من السؤال و الجواب هو كون المفروض ما لو ترك الوظيفة الثابتة عليه المقررة له و في المقام لا تكون وظيفته حين العبور الاحرام فالرواية لا تشمله بوجه و ان قلنا بشمولها للعامد.
رابعها: ذيل صحيحة الحلبي المتقدمة و هو قوله (عليه السلام): فان خشى ان يفوته الحج فليحرم من مكانه و قد استدل به بعض الاعلام (قدس سره)في شرح العروة نظرا الى انه يستفاد منه جواز الاحرام من غير الميقات في كل مورد يخشى ان يفوت الحج منه قال: «و المفروض ان هذا الشخص قد وجب عليه الحج بالفعل و لا يجوز له التسويف و فرضنا انه لا يتمكن من الذهاب الى الميقات لضيق الوقت و غيره من الاعذار فيحرم من غير الميقات الى ان قال مورد السؤال و ان كان لا يشمل المقام لكن تعليله بخشية فوت الحج شامل له فان المستفاد من التعليل ان المدار في جوازالاحرام من غير الميقات بخوف فوت الحج الواجب عنه».
و يرد عليه مضافا الى ما عرفت من عدم كون الكلام في خصوص الحج الواجب بل في الاعم منه و من الحج المستحب و الرواية مطلقة سؤالا و جوابا ان حمل الفقرة المذكورة على التعليل لا شاهد له بوجه فان المفروض فيها فوت الحج عن الناسي او مطلق التارك غير الشامل للمقام على ما اعترف به (قدس سره) فان تجويز الاحرام من غير الميقات بالاضافة اليه لئلاّ يفوت منه الحج لا دلالة له على التجويز في غير مورده و ليس هذا بمنزلة التعليل الموجب لسراية الحكم بالاضافة الى غير مورده كما لا يخفى.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يقم دليل على اتحاد حكم هذا الفرض
(الصفحة 131)
مع الناسي و الجاهل فاللازم بمقتضي القاعدة عدم صحة حجّه عند عدم التمكن من العود الى الميقات و الاحرام منه.
الفرع الرّابع:
ما لو نسى الاحرام الى آخر الاعمال و المناسك فتارة يكون ذلك في العمرة و اخرى يكون في الحج، و العمرة في الصورة الاولي قد تكون عمرة مفردة و اخرى تكون عمرة التمتّع و قد وقع عنوان هذا الفرع في المتن بخصوص الناسي و لكن الظاهر بقرينة ما سبق من التشريك بين الناسي و الجاهل في الحكم ثبوت التشريك هنا ايضا و ان الحكم لا يكون مختصّا بالناسي و كيف كان فالمشهور شهرة عظيمة كما في الجواهر بل في محكى الدروس نسبته الى الاصحاب عداالحلّى صحة عمله و عدم وجوب القضاء اى تأدية ما كان يريد الاحرام له من حج او عمرة ان كان واجبا و المحكى عن الحلّى صاحب السرائر وجوب القضاء في الصورة المذكورة قال فيها بعد ما نسب صحة الحج الى ما روي في اخبارنا:
«و الذي تقتضيه اصول المذهب انه لا تجزى و تجب عليه الاعادة لقوله (صلى الله عليه وآله) انما الاعمال بالنيّات و هذا عمل ب لانية فلا يرجع عن الادلّة باخبار الاحاد و لم يوردها و لم يقل به احد من اصحابنا سوى شيخنا ابي جعفر (قدس سره) فالرجوع الى الادلة اولى من تقليد الرجال».
اقول: ما ورد من النصوص في هذا الفرع لا يتجاوز عن اثنين:
احدهما: ما رواه الكليني عن على بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير عن جميل بن دراج عن بعض اصحابنا عن احدهما (عليهما السلام)في رجل نسي ان يحرم او جهل و قد شهد المناسك كلّها و طاف و سعى، قال تجزيه نيّته اذا كان قد نوى ذلك فقد تمّ حجّه و ان لم يهلّ، و قال في مريض اغمى عليه حتّى اتى
(الصفحة 132)
الوقت فقال يحرم عنه(1). و الكلام في الرواية تارة من حيث السند و اخرى من جهة الدلالة:
امّا من الجهة الاولى فالظاهر انه لا يمكن انجبار ضعف السند بالارسال من طريق كون جميل من اصحاب الاجماع لما مرّ غير مرة من انّ كون الرجل من اصحاب الاجماع عبارة اخرى عن كونه مجمعا على وثاقته و صحة روايته و لا يستلزم ذلك الصحة و ان كان المرويّ عنه مجهولا او ضعيفا كما ان اعتبار مراسيل ابن ابي عمير على تقدير الشمول للارسال مع الواسطة لا دليل عليه اصلا فيبقي انحصار الانجبار من طريق ثبوت الشهرة الفتوائية و استناد المشهور الى الرواية بناء على كونه جابرا كما هو مقتضي التحقيق و قد عرفت ان صاحب الجواهر ادّعى الشهرة العظيمة و صاحب الدروس نسبه الى الاصحاب عدا الحلّى لكن التعبير عن المشهور ب «قيل» كما في الشرايع ربما يوهن الشهرة كما ان ما عرفت من عبارة الحلّى ربما يؤيّد عدمها و لكن مع ذلك لا مجال لطرح الرواية بملاحظة الفتاوي.
و امّا من الجهة الثانية: فالرواية صريحة بالاضافة الى صورتي الجهل و النسيان كما انه لا مجال للمناقشة في دلالتها بالاضافة الى الحج اذا ترك الاحرام فيه جهلا او نسيانا الى آخر الاعمال و انّه يجزيه و لا يجب عليه الاعادة نعم يأتي البحث بالنسبة الى التقييد بقوله (عليه السلام) اذا كان قد نوى ذلك.
و امّا بالاضافة الى العمرة المفردة فالظاهر عدم شمول الرواية لها لدلالتها على اجزاء الحج الواقع بدون احرام كذلك و لا دلالة لها على اجزاء العمرة المفردة من دون فرق بين عمرة القران و الافراد و بين مطلق العمرة المفردة.
و امّا عمرة التمتع فتارة يتحقق نسيان الاحرام فيها الى آخر اعمالها و بعد الفراغ
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب العشرون ح ـ 1.
(الصفحة 133)
عنها يرتفع النسيان و يستكشف انها وقعت باجمعها بلا احرام و اخرى يستمرّو يدوم النسيان الى آخر اعمال الحج و في الصورة الاولى تارة يتمكن من اعادتها بالاحرام من الميقات او مما امكن و اخرى لا يتمكن منها لضيق الوقت و شبهه.
و الظاهر انه يمكن استفادة الصحة من الرواية في الصورة الثانية بل يمكن دعوى الاولوية بالاضافة الى الحجّ و الحكم بالصحة فيها ايضا و امّا الصورة الاولى فاستفادة الصحة منها فيها مشكلة فان عمرة التمتع و ان كانت مرتبطة بالحج و همامعا عمل واحد مرتبط و لاجله ربما يطلق عليها الحج بلحاظ كونها من اجزائه الاّ انه مع ذلك لا مجال لدعوى ظهور الرواية في صحتها ايضا و عليه فمع التمكن من الاعادة تجب عليه الاعادة و مع عدمه لا تبعد دعوى انقلاب وظيفته الى حجّ الافراد كما في مورد الحيض على ما تقدم البحث فيه مفصّلا.
و الظاهر ان المراد من عدم التمكن من الجبران في المتن هو الفرض الثاني من الصورة الاولى كما ان عنوان الجبران انما يكون مورده عمرة التمتع لان العمرة المفردة قابلة للجبران دائما كما لا يخفى.
ثمّ انّ المنوى في قوله (عليه السلام) تجزيه نيّته اذا كان قد نوى ذلك... هل هو الاحرام او مجموع الحج بتمام افعاله و مناسكه؟ الظاهر انه لا سبيل الى الاوّل لانه مضافا الى ان الجاهل المفروض في الرواية معطوف على الناسي لا يكاد يتحقق منه نيّة الاحرام لانه لا يجتمع ذلك مع الجهل كما هو ظاهر لا يعقل تعلّق النيّة بالاحرام كما سيأتي تحقيقه في البحث عن حقيقة الاحرام فاللازم ان يكون المراد بالمنوى هو مجموع افعال الحج، و الظاهر ان قوله (عليه السلام) اذا كان قد نوي ذلك لا دلالة له على مدخلية امر زائد على قوله تجزيه نيّته و ان كان الظاهر من محكّى نهاية الشيخ (قدس سره) ذلك حيث قال: «فان لم يذكر اصلا حتى فرغ من جميع مناسكه فقد تمّ حجة و لا شىء عليه اذا كان قد سبق في عزمه الاحرام» و يدل على عدم اعتبار قيد زائد