(الصفحة 190)
و منها: ما رواه الصدوق باسناده عن حفص بن البخترى عن ابي عبد الله ـ عليه السلام ـ فيمن عقد الاحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على اهله قبل ان يلبّي قال ليس عليه شىء(1).
و منها: غير ذلك لكن في مقابلها ما رواه الشيخ باسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن احمد بن محمّد قال سمعت ابي يقول في رجل يلبس ثيابه و يتهيّأ للاحرام ثم يواقع اهله قبل ان يهلّ بالاحرام قال: عليه دم(2). قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية: اقول حمله الشيخ (قدس سره) على من لبّى سرّا و لم يجهر بالتلبية، و جوّز حمله على الاستحباب و يحتمل الحمل على عقد الاحرام بالاشعار او التقليد.
لكن الظاهر ـ مضافا الى ان الرواية لم تكن مرتبطة بالمعصوم لانه على تقديركون القائل في قوله: «قال عليه دم هو ابوه فلا تكون كلام الامام (عليه السلام) و على تقدير كون المراد هو الامام (عليه السلام) تكون مضمرة ـ ان الرواية معرض عنها عند الجميع لظهورها في ثبوت الكفارة قبل تحقق النيّة فضلا عن التلبية لان المفروض فيها مجرد لبس الثياب و التهيوء للاحرام من دون ان يكون قد عقده بالنيّة فلا دلالة لها على حكم المقام.
و قد انقدح انه لا مجال للمناقشة في جواز ارتكاب محرمات الاحرام قبل التلبيةو ليس فيه شىء لكن قد عرفت منّا في البحث عن كيفية الاحرام احتمال كون الاحرام متحققا بنفس النيّة غاية الامر ان لزومه و وجوبه يكون متوقفا على التلبية كالافتراق في باب البيع لكن هذا ينافي ظاهر الكلمات و الفتاوى و ان كان
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع عشر ح ـ 13.
- 2 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع عشر ح ـ 14.
(الصفحة 191)
التعبير بالوجوب او الايجاب و مثلهما في الروايات يلائمه فتدبّر.
المقام الثاني:
في حجّ القران و فيه جهات من البحث:
الجهة الاولى: ان المشهور فيه انّ احرامه ينعقد باحد امور ثلاثة: التلبيةو الاشعار و التقليد و ان القارن مخير بينها من دون ترتب و طولية، و عن السيد و ابن ادريس تعين التلبية في حج القران كغيره من سائر اقسام الحج و العمرة، و عن الشيخ و ابني حمزة و البرّاج انّ الاشعار و التقليد انما هما في طول التلبية و مع العجز عنها.
و يدلّ على المشهور روايات متعدّدة:
منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال يوجب الاحرام ثلاثة اشياء التلبية و الاشعار و التقليد فاذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد احرم(1). و الظاهر انه لا اطلاق للصحيحة يشمل الاحرام في جميع موارده حتى يكون ما يدل على تعين التلبية في غير حج القران مقيّدا لاطلاقها لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة بل هي في مقام بيان ما يتحقق به الاحرام و يوجبه في مجموع موارده و امّا انّ ايّا منها متعين في بعض الموارد و ايّا منها لا يكون كذلك في بعض الموارد الاخر فلا تكون الصحيحة متعرضة و ناظرة اليه و بالجملة غرض الرواية مجموع ما يتحقق به الاحرام في موارده و لا اطلاق لها بالاضافة الى جميع الموارد اصلا.
و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: من اشعر
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني عشر ح ـ 20.
(الصفحة 192)
بدنته فقد احرم و ان لم يتكلم بقليل و لا كثير(1).
و منها: صحيحة حريز بن عبد الله عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: اذاكانت بدن كثيرة فاردت ان تشعرها دخل الرجل بين كلّ بدنتين فيشعرها هذه من الشقّ الايمن، و يشعر هذه من الشّق الايسر، و لا يشعرها ابدا حتى يتهيّأ للاحرام فانه اذا اشعرها و قلّدها وجب عليه الاحرام و هو بمنزلة التلبية(2). و مثلها مع اختلاف يسير مرسلة جميل بن درّاج(3).
و منها: صحيحة اخرى لمعاوية بن عمّار رواها الصدوق باسناده عنه عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: يقلّدها نعلا خلقا قد صليت فيها و الاشعار و التقليدبمنزلة التلبية(4). و هذه الروايات كما انّها تدل على جواز الاجتزاء بالاشعار و التقليد مكان التلبية كذلك تدل على كونهما في رتبتها من دون تقدم و تأخر خصوصا مثل صحيحة عمر بن يزيد فلا تنبغى المناقشة في ذلك.
الجهة الثانية: ان التقليد في حج القران مشترك بين انواع الهدى من البدنة و البقر و الغنم و لكن الاشعار يختص بالبدنة امّا اختصاص الاشعار بالبدنة فمضافا الى انه قد صرح به غير واحد بل يظهر منه ارساله له ارسال المسلمات قال العلامة في محكّى القواعد: و يتخير القارن في عقد احرامه بها ـ يعني التلبية ـ او بالاشعار المختص بالبدن او التقليد المشترك بينها، يدل عليه بعد عدم ثبوت الاطلاق في مثل صحيحة معاوية بن عمار الاولى على ما عرفت و بعد انّ جميع ما ورد في مورد
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني عشر ح ـ 21.
- 2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني عشر ح ـ 19.
- 3 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني عشر ح ـ 7.
- 4 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني عشر ح ـ 11.
(الصفحة 193)
الاشعار فقد تعرض للبدنة و لا يكون في شىء منها اشعار بوجود الاشعار في غيرالبدنة من سائر انواع الهدى مثل صحيحة عمر بن يزيد و صحيحة حريز و مرسلة جميل المتقدمة انه لا يلزم اقامة الدليل على اختصاص الاشعار بالبدنة بل يكفى بعد دلالة الادلة المتقدمة في التلبية الظاهرة في لزومها و تعيّنها في جميع انواع الحجو العمرة عدم قيام الدليل على جريان الاشعار في غير البدنة مع قيامه على جريان التقليد في جميع انواع الهدي في حج القران مضافا الى ما ربما يقال من عدم مناسبة غير البدنة مع الاشعار لضعف البقر و الغنم عنه و وقوعهما في معرض التلفو الهلاك و امّا جريان التقليد في جميع انواع الهدي في حج القران فلدلالة الروايات الكثيرة التي وقع في بعضها التصريح بالغنم و البقر و في بعضها التصريح بجريانه في البدنة كما سيأتى التعرض لبعضها انشاء الله تعالى.
الجهة الثالثة: انّ الاولى في البدنة الجمع بين القران و الاشعار لما رواه السكوني عن جعفر (عليه السلام) انه سئل ما بال البدنة تقلّد النعل و تشعر؟ فقال: امّا النعل فتعرف انّها بدنة و يعرفها صاحبها بنعله، و امّا الاشعار فانه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث اشعرها فلا يستطيع الشيطان يمسّها (يتسنّمها)(1). فان ظاهر السؤال المفروغية عن الجمع بين الامرين الاشعار و التقليد و ان مورده هي علّة الجمع بينهما و الجواب تقرير له و بيان لتلك العلّة.
و صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال البدن تشعرفي الجانب الايمن و يقوم الرجل في الجانب الايسر ثم يقلّدها بنعل خلق قد صلّى فيها.(2)
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني عشر ح ـ 22.
- 2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني عشر ح ـ 4.
(الصفحة 194)
و لو لا دلالة الروايات الكثيرة و اتفاق الفتاوى على عدم لزوم الجمع بين الامرين لكان اللازم العمل بمقتضاهما و لكنها توجب حملهما على الاستحباب.
الجهة الرّابعة: ان الاولى الجمع في البدنة بين الاشعار و التقليد و بين التلبية ايضا خروجا من خلاف مثل السيد و ابن ادريس القائلين بتعين التلبية في انعقاد الاحرام في جميع اقسام الحج و العمرة كما عرفت.
الجهة الخامسة: انه ذكر في المتن ان الاحوط وجوب التلبية على القارن وجوبانفسيّا من غير فرق بين ما اذا كان الهدى هى البدنة او غيرها من دون ان يكون له مدخليّة في انعقاد الاحرام بوجه و استظهر ذلك السيد (قدس سره) في العروة.
و الاصل في هذه الجهة ما حكى عن كاشف اللثام في شرح عبارة القواعد:
و لو جمع بين التلبية واحدهما كان الثاني مستحبّا من ان الاقوى الوجوب لاطلاق الاوامر و التأسي و استظهره من عبارة الشرايع و من قبلهما يعنى المحقق و العلامة.
و امّا صاحب الجواهر فقد تعرض لهذا الامر في موردين:
احدهما فصل انواع الحج حيث قال: «انما الكلام في المستفاد من عبارة القواعد من استحباب التلبية بعد عقد الاحرام و الاشعار و التقليد و لعلّ وجهه الاحتياط و اطلاق الاوامر بها في عقده و نحو ذلك مما يكفي في مثله و امّا احتمال الوجوب تعبّدا و ان انعقد الاحرام بغيرها كما هو مقتضي ما سمعته من كشف اللثام بل قد يوهم ظاهره وجوب الاشعار و التقليد بعدها ايضا فهو في غاية البعد خصوصا الاخير فتأمل جيّدا».
ثانيهما: هذا المقام حيث حمل عبارتي الفاضلين على استحباب الثاني من حيث عقد الاحرام قال و هو لا ينافي الوجوب تعبّدا و انه يمكن استفادته ـ يعني الوجوب من اطلاق الامر بالتلبية و ما في موثق يونس من الامر بالتلبية بعد الاشعار و ما في بعض الروايات الاخر و لكن العمدة هما الاوّلان: