(الصفحة 195)
احدهما: اطلاق الامر بالتلبية الدال على وجوبها مطلقا و لو بعد الاشعارو التقليد الّذي به يتحقق الاحرام و ينعقد فلا محالة يكون واجبا نفسيّا.
و الجواب عنه ظاهر فانه لا ينبغي الاشكال في انّ الا و امر الواردة في التلبية ناظرة الى الاحرام و مدخليتها في انعقاده و لا اشعار في شىء منها الى الوجوب النفسي غير المرتبط بالاحرام و انعقاده اصلا.
ثانيهما: موثقة يونس بن يعقوب التي رواها الكليني (قدس سره) قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام) اني قد اشتريت بدنة فكيف اصنع بها؟ فقال: انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة فافض عليك من الماء و البس ثوبك ثم انخها مستقبل القبلة ثم ادخل المسجد فصلّ ثم افرض بعد صلوتك ثم اخرج اليها فاشعرها من الجانب الايمن من سنامها ثم قل: بسم الله اللّهم منك و لك اللهم تقبّل منّي ثم انطلق حتى تأتي البيداء فلبّه(1). و الهاء في فلبّه للسّكت و اشتمال الرواية على جملة من المستحبات لا يمنع عن دلالتها على الوجوب بالاضافة الى التلبية و لكن الاشكال انّما هو في ان الرواية رواها الصدوق مشتملة على زيادة في السؤال و الجواب و هي مع هذه الزيادة لا تكون مرتبطة بالمقام حيث ان السؤال فيها و الجواب عبارة عن قوله: «خرجت في عمرة فاشتريت بدنة و انا بالمدينة فارسلت الى ابي عبد الله (عليه السلام) فسئلته كيف اصنع بها فارسل الىّ ما كنت تصنع بهذا فانه كان يجزيك ان تشتري من عرفة قال انطلق و ذكر مثله(2). و من الواضح ان الرواية ترتبط بعمرة التمتع التي لا ينعقد احرامها الا بالتلبية فاللازم ان يقال باستحباب الاشعار اذاكان الهدى الذي هي البدنة معه حال الميقات و بالجملة لم يثبت ما يدل على
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني عشر ح ـ 2.
- 2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني عشر ح ـ 3.
(الصفحة 196)مسألة 10 ـ لو نسى التلبية وجب عليه العود الى الميقات لتداركها و ان لم يتمكن يأتي فيه التفصيل المتقدم في نسيان الاحرام على الاحوط لو لم يكن الاقوى، و لو اتى قبل التلبية بما يوجب الكفارة للمحرم لم تجب عليه لعدم انعقاده الاّ بها1.
الوجوب مع تردّد الرواية بين النقلين.
1 ـ قد تقدم البحث عن حكم نسيان الاحرام و انه قد ورد فيه روايات متعددة تدل على لزوم العود الى الميقات لتداركه مع التمكن منه و مع عدم التمكن فيه تفصيل مرّ البحث عنه مفصّلا.
انّما الكلام في هذه المسئلة في نسيان خصوص التلبية و انه هل يجري فيه ماذكر هناك و عمدته لزوم الرجوع الى الميقات للتدارك في صورة التمكن او لا يجري فيه؟ و التحقيق ان يقال بابتناء الحكم المذكور على ما تقدم في البحث عن ماهية الاحرام و حقيقته فان قلنا بانّها مركبة من النية و التلبية فقط او بضميمة لبس الثوبين فالظاهر جريان الحكم المذكور في تلك الروايات هنا لعدم تحقق الاحرام المركب بعد عدم تحقق احد جزئيه او اجزائه فيدخل المقام في نسيان الاحرام كما انه لو قلنا بانّها عبارة عن امر اعتباري يعتبره الشارع عقيب نيّة الحج او العمرة بضميمة التلبية كما يظهر مما افاده الماتن (قدس سره) في اوّل البحث عن كيفية الاحرام و من قوله في ذيل هذه المسئلة لعدم انعقاده الاّ بها و ان كان ما افاده تعليقا على العروة هناك يشعر بتردده فيه و احتماله ان يكون الاعتبار بعد النية فقط فالظاهر دخول نسيان التلبية في نسيان الاحرام الذي ورد فيه تلك الروايات و ان كان القدر المتيقن من موردها صورة ترك النية و التلبية معا الاّ ان مقتضي اطلاقها الشمول للمقام.
و امّا ان قلنا بانّ الاحرام عبارة عن مجرّد النيّة الظاهرة في نية ترك المنهيّات المعهودة و المحرمات المعروفة في باب الاحرام كما عن ظاهر المبسوط و الجمل
(الصفحة 197)
و استظهره صاحب المسالك فنسيان التلبية لا يرتبط بنسيان الاحرام و لا تشمله تلك الروايات لعدم كون الاحرام منسيّا بوجه و ـ ح ـ تكون التلبية من واجبات الاحرام و النسيان قد رفع وجوبها و بعد ارتفاع النسيان يلزم الاتيان بها لعدم شرطية مقارنتها مع النية في صحتها و ترتب الاثر عليها فالتلبية ـ ح ـ تكون كلبس الثوبين الخارج عن ماهية الاحرام و لكنه يكون من واجباته و لعلّه لذلك حكى عن الشيخ في النهاية و المبسوط: انه من ترك الاحرام ناسيا حتى يجوز الميقات كان عليه ان يرجع اليه و يحرم منه اذا تمكن منه و الاّ احرم من موضعه، و اذا ترك التلبية ناسيا ثم ذكر جدّد التلبية و ليس عليه شىء.
و لا مجال لدعوى لزوم الرجوع الى الميقات على هذا التقدير ايضا لانه كما يجب الاحرام من الميقات كذلك تجب التلبية منه و ذلك لعدم الدليل على لزوم كون التلبية منه لو لم تكن دخيلة في الاحرام كما انه لا تجب المقارنة بينها و بين النيّة كما هو المشهور ظاهرا.
و ممّا ذكرنا يظهر انه لو قيل بان ماهية الاحرام عبارة عن البناء النفسانيو الالتزام القلبي بترك محرمات الاحرام كما اختاره في «المستمسك» على ما تقدم لا يكون نسيان التلبية مشمولا لما ورد في نسيان الاحرام بوجه.
كما انه لو قيل بما احتملناه سابقا و يظهر من السيّد من ان اصل الاحرام ينعقد بمجرد النية و لكنه يجوز له ابطاله و نقضه و ارتكاب جميع محرمات الاحرام بعدها قبل التلبية او ما يقوم مقامها من الاشعار او التقليد لا يكون نسيان التلبية مشمولا لتلك الروايات لظهورها في نسيان اصل الاحرام و لا يشمل نسيان ما يوجب الاحرام و يؤثر في لزومه و عدم نقضه و ترتب حرمة المحرّمات عليه و لذا اورد على السيد (قدس سره) بان مقتضي ما ذكره في ماهية الاحرام لا يجتمع مع اجراء حكم نسيان الاحرام على نسيان التلبية.
(الصفحة 198)مسألة 11 ـ الواجب من التلبية مرّة واحدة نعم يستحب الاكثار بها و تكرارها مااستطاع خصوصا في دبر كلّ فريضة او نافلة و عند صعود شرف او هبوط واد و في آخر الليل و عند اليقظة و عند الركوب و عند الزّوال و عند ملاقاة راكب و في الاسحار1.
هذا و لو قلنا بان التلبية واجبة نفسا امّا مطلقا او في خصوص حج القران كما تقدم في المسئلة السابقة بنحو الاحتياط اللزومي لا يكون نسيان التلبية مرتبطابنسيان الاحرام بوجه و منه يظهر انّ الجمع بين ما اختاره الماتن (قدس سره) في تلك المسئلة و بين اطلاق جعل موضوع المسئلة هنا نسيان التلبية و الحكم بجريان حكم نسيان الاحرام عليه غير تامّ الاّ ان يقال ان قوله في الذيل لعدم انعقاده الاّ بهاقرينة على ان المراد من التلبية المنسية هي التلبية المرتبطة بالاحرام و لا يكون شاملا لما يجب نفسا فتدبّر.
1 ـ امّا كون الواجب من التلبية مرة واحدة فلظهور الروايات الواردة فيها فيها مع ان الطبيعة تتحقّق بمصداق واحد، و امّا استحباب الاكثار بها و تكرارها مااستطاع خصوصا في المواقع المذكورة في المتن فيدل عليه روايات متعددة:
منها: صحيحة معاوية بن عمار الطويلة الواردة في كيفية التلبية المشتملة على التلبيات الكثيرة و العبارات المتعددة و على قوله (عليه السلام) بعد ذلك: تقول ذلك في دبر كلّ صلوة مكتوبة و نافلة و حين ينهض بك بعيرك و اذا علوت شرفا او هبطتواديا او لقيت راكبا او استيقظت من منامك و بالاسحار و اكثر ما استطعت و اجهر بها و ان تركت بعض التلبية فلا يضرّك غير انّ تمامها افضل الحديث(1). و هذه الرواية تدل على استحباب جميع المواقع المذكورة في المتن بالاستحباب الخاص الاّ آخر الليل و عند الزّوال و الظاهر ان المراد ب آخر الليل هو عند المنام بقرينة قوله: و في الاسحار لكن في الجواهر: «لم نجد فيما وصل الينا من النصوص
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الاربعون ح ـ 2.
(الصفحة 199)
التعرض للنوم كما اعترف به في المدارك».
و امّا عند الزوال فالظاهر ان المراد به عند زوال الشمس الذي هو وقت صلوتى الظهرين و الظاهر ان مستنده في ذلك هي مرسلة الصدوق قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما من حاجّ يضحي ملبّيا حتى تزول الشمس الاّ غابت ذنوبه منها(1). مع ان الظاهر انّ المراد بزوال الشمس في المرسلة هي غيبوبة الشمس و غروبها بقرينة قوله: الاّ غابت... فتدبّر و الامر سهل ثم ان السيد (قدس سره) في العروة تعرض بعد هذه المسئلة لمسئلة اخرى كان ينبغي ان يتعرض لها الماتن (قدس سره) لاهميّتها و ورودروايات كثيرة مختلفة متعارضة فيها و وجود بعض الفتاوى او الاحتمالات فيها ايضا و نحن نقتفي اثره و نتعرض لها لكثرة فائدتها فنقول: قال (قدس سره) «ذكر جماعة ان الافضل لمن حج على طريق المدينة تأخير التلبية الى البيداء مطلقا كما قاله بعضهم او في خصوص الرّاكب كما قيل، و لمن حج على طريق آخر تأخيرها الى ان يمشي قليلا، و لمن حجّ من مكّة تأخيرها الى الرقطاء كما قيل او الى ان يشرف على الابطح لكن الظاهر ـ بعد عدم الاشكال في عدم وجوب مقارنتها للنية و لبس الثوبين ـ استحباب التعجيل بها مطلقا، و كون افضلية التأخير بالنسبة الى الجهر بها فالافضل ان يأتي بها حين النيّة و لبس الثوبين سرّا و يؤخر الجهر بها الى المواضع المذكورة. و البيداء ارض مخصوصة بين مكة و المدينة على ميل من ذى الحليفة نحو مكّة، و الابطح مسيل وادى مكة و هو مسيل واسع فيه دقائق الحصي اوله عندمنقطع الشعب بين وادى منى و آخره متصل بالمقبرة التي تسمّى بالعلى عند اهل مكّة، و الرقطاء موضع دون الردم يسمّى مدعى و مدعى الاقوام مجتمع قبائلهم، و الرّدم حاجز يمنع السّيل عن البيت و يعبّر عنه بالمدعى» و الكلام فيه يقع في مقامات:
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الواحد و الاربعون ح ـ 2.