(الصفحة 333)
و الحدأة كعنبة طائر معروف و الجمع حداء و حدا قاله في القاموس ـ و الظاهر انه الذي يسمّى في الفارسية ب «زغن» ـ و المراد من الاسود هو الحية العظيمة.
و كيف كان فلا شبهة في ان مقتضى عموم الرواية لزوم الاجتناب عن قتل السّباع ماشية و طائرة و خروج مثل الحيوانات الاهلية لا يقدح في لزوم العمل بالعموم في موارد عدم ثبوت الدليل على التخصيص نعم لا مجال لدعوى الغاءالخصوصية من عنوان «القتل» المأخوذ في الرّواية و عليه فلا دلالة لها على حرمة اخذ السباع و الاستيلاء عليها في المواضع المعدّة لحفظها لمشاهدة الناس ايّاها ـ مثلا ـ.
و منها: رواية حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: كلّ ما يخاف المحرم على نفسه من السّباع و الحيّات و غيرها فليقتله و ان لم يردك فلا ترده(1). و الامر بالقتل في الصورة الاولى و ان كان يمكن المناقشة في دلالته على الوجوب لكونه في مقام توهم الحظر الاّ ان النهي عنه في الصورة الثانية لا مجال لرفع اليد عن ظهوره في الحرمة الاّ ان الاشكال في سند الرواية حيث انّه رواها الشيخ مسندة، صحيحة، عن حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) و رواها الكليني عن حريز عمّن اخبره و لو لا كان الراوي شخصا واحدا لقلنا بانه لا منافاة بين الطريقين و لا مجال لرفع اليد عن السند الصحيح الاّ انه مع وحدة الراوي و هو حريز لا يبقي مجال لاحتمال التعدد خصوصا مع كون الراوي عن حريز في كلا الطريقين هو حمّادحيث ان الكليني اضبط في نقل الرواية لتمحض فنّه فيه فالرواية مرسلة لا اعتبار بها اصلا.
و منها: صحيحة عبد الرحمن العزرمي عن ابي عبد الله (عليه السلام) عن ابيه
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الواحد و الثمانون ح ـ 1.
(الصفحة 334)
عن علّي (عليهما السلام) قال: يقتل المحرم كلّما خشي على نفسه(1). و على ما ذكرنا فاللازم الالتزام بحرمة قتل السباع على المحرم فيما اذا لم يخف على نفسه و إن لم تكن مرتبطة بمسئلة الصيد.
الجهة السابعة:
فيما يتعلق بصيد البحر و الكلام فيه في ضمن امور:
الامر الأوّل: انه لا شبهة في عدم حرمة صيد البحر على المحرم و في الجواهر: «بلاخلاف بل الاجماع بقسميه عليه بل عن المنتهى دعوى اجماع المسلمين عليه و انه لا خلاف فيه بينهم».
و يدلّ عليه قبل الاجماع مجموع الآيتين الواردتين في الصيد فان قوله تعالى:
(لا تقتلوا الصيد و انتم حرم) و ان كان مطلقا شاملا لصيد البحر ايضا الاّ ان قوله و حرم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرما قرينة على التقييد و اختصاص الاوّل بصيد البرّ لا لاجل ثبوت المفهوم بل لاجل كون الحكم المرتبط بالصيد الذي وقع التعرض له في الايتين حكما واحدا فاضافة متعلقه الى البرّ تدل على كون الحكم محدودا بذلك نعم لا يلزم اثبات دلالة الآية على عدم حرمة غيره و ان كان قوله:
(احلّ لكم صيد البحر...) مطلقا شاملا للمحرم و غيره و لا مجال لاحتمال كون قوله تعالى:
(لا تقتلوا الصيد) قرينة على اختصاص الحلّية بغير المحرم.
و يؤيد ما ذكرنا استشهاد الامام (عليه السلام) بالآية على حلّية صيد البحر على المحرم و من الواضح ان مرجع الاستشهاد الى افادة الآية بنفسها لذلك لوضوح الفرق بين الاستشهاد و بين التفسير و التبيين للآية و ان كان على خلاف ظاهرها.
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الواحد و الثمانون ح ـ 7.
(الصفحة 335)
و الرّوايات الدالة على الحلية متعددة:
منها: رواية عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: و اجتنب في احرامك صيد البرّ كلّه و لا تاكل ممّا صاده غيرك و لا تشر اليه فيصيده(1).
و منها: رواية حريز عمن اخبره عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بان يصيد المحرم السّمك و يأكل مالحه و طريّه و يتزود قال الله:
(احلّ لكم صيد البحر و طعامه متاعاً لكم) قال مالحه الذي تاكلون و فصل ما بينهما، كل طير يكون في الأجام يبيض في البرّ و يفرخ في البر فهو من صيد البرّ، و ما كان من صيد البرّيكون في البرّ و يبيض في البحر فهو من صيد البحر(2). و رواها الشيخ مسندة بطريق صحيح عن حريز و لكن عرفت انه مع وحدة الراوي تتردد الرواية بين الارسال و غيرها و حيث ان الكليني اضبط فالرواية تكون مرسلة غير معتبرة.
و منها: صحيحة معاوية عن ابي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال:
و السّمك لا باس باكله طريّه و مالحه و يتزوّد قال الله تعالى:
(احلّ لكم صيد البحر و طعامه متاعاً لكم و للسيّارة) قال فليتخيّر الذين يأكلون و قال: فصلّ ما بينهما كل طير يكون في الاجام يبيض في البرّ و يفرخ في البرّ فهو من صيد البرّ، و ما كان من الطير يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر(3).
و منها: رواية محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام)قال: مرّ علىّ ـ صلوات الله عليه ـ على قوم يأكلون جرادا فقال سبحان الله و انتم محرمون؟ فقالواانّما هو من صيد البحر فقال لهم ارمسوه في الماء اذا(4). فانّها تدل على مفروغية
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الاوّل ح ـ 5.
- 2 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب السادس ح ـ 3.
- 3 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب السادس ح ـ 1.
- 4 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب السابع ح ـ 1.
(الصفحة 336)
عدم حرمة صيد البحر و ان انكار الامام (عليه السلام) بالنسبة الى الجراد انّما هو من جهة عدم كونه من صيد البحر و الاّ فالكبرى كانت مسلّمة.
و منها غير ذلك من الروايات الدالة على الحلية فلا شبهة في هذا الامر.
و هنا فرعان:
احدهما: انه لو فرض ثبوت صنفين لنوع واحد يكون احدهما بحريّا و الاخر برّيا يترتب على كل منهما حكمه فيحرم على المحرم صيد الثاني دون الاوّل و هذا كالجراد فان له صنفا بحريّا ايضا يسمّى بالخطّاف كما حكاه في كتاب «معجم الحيوان» للمعلوف عن الدميري و انّها سمكة ببحر سبتة لها جناحان على ظهرها اسودان تخرج من الماء و تطير في الهواء ثم تعود الى البحر و عن كتاب سلسلة التواريخ حيث قال: و ذكروا ان في ناحية البحر سمكا صغيرا طيّارا يطير على وجه الماء يسمّي جراد الماء...
و الظاهر انه غير روبيان الذي عرّف بانه برغوث البحر و كيف كان لا اشكال في اصل الحكم و ان الصنف البحري يجوز صيده للمحرم.
ثانيهما: انه لو كان حيوان ذا حياتين يعيش في البحر الذي يكون المراد به ما يعم النهر و يعيش في البر ايضا كالبط فالظاهر جريان حكم صيد البرّ عليه و يدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار قال: قال ابو عبد الله (عليه السلام) الجراد من البحر، و قال كل شىء اصله في البحر و يكون في البرّ و البحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله، فان قتله فعليه الجزاء كما قال الله ـ عزّ و جلّ ـ.(1)
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب السادس ح ـ 3.
(الصفحة 337)
الامر الثاني:
في المعيار و المناط في كون الصيد بحريّا فنقول قال المحقق في الشرايع بعدالحكم بانه لا يحرم على المحرم صيد البحر: «و هو ما يبيض و يفرخ في الماء» و من الظاهر ان البيض و الفرخ منضّما يكون من شؤون الطير مع ان عمدة صيد البحر هو السمك و هو و ان كان يبيض الاّ انه لا فرخ له فكيف يجعل المعيار في مطلق الصيد البحري ذلك نعم لا يرد هذا الاشكال على روايتي حريز و معاوية المتقدمتين فان صدرهما و ان كان متعرضا لحكم السمك و ان صيده حلال على المحرم و كذا اكله، مالحه و طريّه الاّ ان مورد الذيل المتعرض لبيان الضابطة و هي ان يبيض و يفرخ في البحر او في البرّ هو الطير، الذي يكون في الآجام و ان كان يرد عليهما انّ التعرض للضابطة بالاضافة الى خصوص الطير الكذائي دون مطلق صيد البحر لا يرى له وجه الاّ ان يقال بانّ الضابطة انّما هي بالاضافة الى المواردالمشكوكة و السمك الذي لا حياة له خارج الماء اصلا لا شبهة في كونه بحريّا بالمعنى الوسيع الشامل للبحر الذي اشرنا اليه آنفا.
و كيف كان فالاشكال على عبارة الشرايع بحاله الاّ ان يقال بان المراد من العبارة المذكورة هو المعنى الكنائى الذي يرجع الى ان توليد مثله يكون في البحر و ان لم يكن له فرخ كما في سائر التعبيرات الكنائية مثل زيد كثير الرماد او مهزول الفصيل و مثلها هذا و امّا الرّوايات الواردة في هذا الامر فعلى طائفتين:
الاولى: ما يدل على انّ المعيار في كل طير في الآجام هو ان يبيض و يفرخ في البحر و هي روايتا حريز و معاوية المتقدمتان.
الثانية: ما ورد في الجراد و هي صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) المتقدمة ايضا قال: مرّ على ـ صلوات الله عليه ـ على قوم يأكلون جرادا