(الصفحة 343)
الاحرام مع ان الظاهر الذي يؤيده بعض الروايات المتقدمة التي وقع فيه الاستشهاد بالآية هو دلالتها على الجواز في المورد المذكور و هو لا ينطبق على الوجه الثاني و عليه فليس في الكتاب اطلاق حتى يجوز له الرجوع اليه في مورد الشك بل عنوانان احدهما محكوم بالحلية و الاخر بالحرمة و لم يحرز شىء منهما فلا مجال للرجوع الى شىء من الدليلين.
نعم يوجد في بعض الروايات المتقدمة في اصل البحث و هي حرمة الصيد على المحرم بعض المطلقات مثل صحيحة الحلبي المشتملة على قوله (عليه السلام): لا تستحلّن شيئا من الصيد و انت حرام... فانه مطلق شامل لصيد البحر و البرّ و يجب الرجوع اليه في مورد الشك بناء على ما هو مقتضى التحقيق.
ثمّ انه ربما يستدلّ على ثبوت الحرمة في مورد الشك بوجهين اخرين:
احديهما: ما هو المحكي عن المحقق النائيني (قدس سره) من تأسيسه لقاعدة يكون المقام من مصاديقها و هو انه اذا كان هناك حكم الزامي اعمّ من التكليفي او الوضعي الذي يترتب عليه حكم الزامي و كان في مقابله حكم ترخيصي معلق على امروجودي فاذا شك في ذلك الامر الوجودي و لم يحرز عنوانه يؤخذ بذلك الحكم الالزامي و الوجه في ذلك هو فهم العرف.
و لتلاميذه في توجيه الفهم العرفي وجهان مختلفان:
احدهما: ما يظهر من بعض الاعاظم (قدس سره) على ما في تقريرات بحثه من ان العرف يفهم الملازمة بين انشاء الحكم المعلّق على الامر الوجودي بعنوانه الواقعي و بين انشاء الحكم الظاهري الذي هو ضدّ ذلك الحكم فيما اذا كان الامرالوجودي مشكوكا فالحكم الأوّل مدلول مطابقي لدليل الترخيص و الحكم الثاني مدلول التزامي عرفيّ له.
ثانيهما: ما يظهر من بعض الاعلام (قدس سره) على ما في تقريرات بحثه ايضا من ان
(الصفحة 344)
المتفاهم العرفي مدخلية الاحراز في الحكم بالجواز و انّه لا يترتب الحكم بالجواز ما لم يحرز الموضوع فاذا قال المولى لعبده لا تدخل عليّ احدا الاّ اصدقائي لا يجوز له ادخال احد على مولاه الاّ اذا احرز كونه صديقا له و الاّ فلا يجوز.
و الفرق بين الوجهين هو ظهور الوجه الاوّل في ثبوت احكام ثلاثة اثنان منها واقعيان و الثالث حكم ظاهري مجعول للمولى في صورة الشك و عدم الاحراز و ظهور الوجه الثاني في عدم ثبوت الزائد على حكمين غاية الامر مدخلية الاحراز في متعلق الحكم الثاني فالعنوان الوجودي لا يكون بنفسه مرخّصا فيه بل بضميمة الاحراز و بدونه لا يتحقق الترخيص واقعا بل الحكم الثابت هو الحكم الالزامي المجعول اوّلا من دون ان يكون في البين حكم ظاهري.
و قد رتّب المحقق المذكور على هذه القاعدة التي اسّسها فروعا كثيرة في ابواب الفقه:
منها: ما لو شك في ماء كونه كرّا ام لا فحكم بالنجاسة. و منها ما لو شك في كون اليد يد ضمان ام لا فحكم بالضمان، و منها ما لو شك في ماء انه غسالة الاستنجاء او غسالة سائر النجاسات فقد حكم بالنجاسة ايضا.
و عليه فمقتضى هذه القاعدة في المقام ثبوت الحرمة لانّ احلال صيد البحر في مقابل ما يدل على حرمة الصيد على المحرم لا بدّ في ثبوته من احراز كونه صيد البحر و مع عدم الاحراز يترتب الحكم بالحرمة باحد الوجهين المذكورين.
و الجواب: هو منع الكبرى و عدم ثبوت حكم العرف بشىء من الوجهين فان الملازمة بين الحكم الترخيصي المذكور الذي هو حكم واقعي في مقابل الحكم الواقعي الالزامي و بين الحكم الظاهري الذي هو ضدّه في صورة الشك ممالم تثبت بوجه كما انّ حكم العرف بمدخلية الاحراز في متعلق الحكم الترخيصي مع انّ ظاهره كونه عنوانا وجوديّا واقعيا غير ثابت قطعا فلا مجال لهذه القاعدة
(الصفحة 345)
خصوصا مع وجود قاعدة الطهارة و اصالة الحلية و البراته في مقابلها كما في كثيرمن الموارد التي رتبها عليها في الفقه.
نعم ربما يجاب عنه في خصوص المقام بمنع الصغرى ايضا نظرا الى ان دليل الحرمة قد علق الحكم فيه ايضا على امر وجودي و هو البريّة فيكون كلا الحكمين الحرمة و الحلية معلقين على امر وجودي و عليه فكما لا يمكن الحكم بالحلّية الا بعد احراز ذلك العنوان الوجودي كذلك الحكم بالحرمة ايضا لا يمكن الاّ بعد احرازالعنوان الوجودي الذي يكون متعلقا له.
و يرد عليه ـ مضافا الى ان الظاهر لزوم احراز العنوان في خصوص الحكم الترخيصي الواقع في مقابل الحكم الالزامي لا لزوم احراز العنوان في جميع الموارد فتدبر ـ ان الظاهر كما عرفت كون متعلق الحرمة في المقام هو نفس عنوان الصيدو ان كان هذا لا يظهر من الآيتين الواردتين في الصيد على ما تقدم وجهه الاّ انه يكون في البين بعض الروايات الصحيحة الدالة على ذلك فالاستشكال عليه بمنع الصغرى في غير محلّه بل العمدة هي منع الكبرى.
الوجه الثاني: قاعدة المقتضى و المانع بتقريب ان الصيدية مقتضية للحرمةو البحرية مانعة عنها فاذا احرز المقتضى لا يلزم في الحكم بوجود المقتضى (بالفتح) و ترتب الاثر من احراز عدم المانع بل يكفي عدم العلم به و الشك فيوجوده.
و الجواب عدم ثبوت هذه القاعدة بوجه في محلّ البحث عنها مضافا الى منع الصغرى لعدم الدليل على كون الصيدية مقتضية و الاطلاق و التقييد غير مسئلة المقتضي و المانع كما هو ظاهر.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الحكم في الشبهة المفهومية هي الحرمة التي هي مقتضى بعض الاطلاقات و لزوم الرجوع اليه على ما تقدم.
(الصفحة 346)
المورد الثاني: الشبهة المصداقية التي مرجعها الى تردد الحيوان الخارجي بين كونه صيد البحر او غيره و ظاهر الجواهر الحرمة مستندا الى مثل ما ذكرنا في الشبهة المفهومية من التمسك بالاطلاق مع انه غير خفي ان التمسك بالاطلاق في هذا المورد انّما يبتنى على جواز التمسك بالعام او المطلق في الشبهة المصداقية للمخصص اوالمقيد و هو و ان كان موردا للاختلاف الاّ ان مقتضى التحقيق عدم الجواز كما قد قرّر في محلّه.
نعم القاعدة التي اسّسها المحقق النائيني (قدس سره) و كذا قاعدة المقتضى و المانع المتقدمتان تشملان هذا المورد ايضا لكن عرفت عدم تماميتهما في المورد الاوّل ايضا.
و ما يختصّ به هذا المورد هو استصحاب عدم كون الحيوان المشكوك صيدالبحر فان قلنا باعتباره كما اختاره المحقق الخراساني (قدس سره) في مورد الشك في قرشية المرئة و عدمها و اختاره جماعة من المتأخرين عنه فاللازم هنا الاخذ به و اثبات عدم كونه صيد البحر فيترتب عليه الحرمة التي هي مقتضى الاطلاق و ان صار معنونابعنوان غير المقيد و بنقيضه الذي هو عدم كونه صيد البحر. و ان لم نقل باعتباره كما حققناه في محلّه و نبهنا عليه في هذا الكتاب مرارا نظرا الى عدم تحقق وحدة القضيتين: المتيقنة و المشكوكة لان القضية المتيقنة هي السالبة بانتفاء الموضوعو القضية المشكوكة هي السالبة بانتفاء المحمول و لا مجال لدعوى وحدة السالبتين و لو بنظر العرف الذي يكون هو المعيار في تشخيص الوحدة و عدمها فاللازم بعد قصور اليد عن التمسك بالادلة اللفظية و لو بمعونة الاستصحاب لعدم جريانه، الرجوع الى اصالة البرائة عن الحرمة و اصالة الحلية و الحكم بثبوتها في الشبهة المصداقية كما في سائر موارد الشبهات الموضوعية كالمايع المردد بين الخل و الخمر مع عدم ثبوت الحالة السابقة المتيقنة له و عليه فيفترق الموردان من جهة الحرمة
(الصفحة 347)
و الحلية كما انهما يفترقان من جهة كون الحكم بالحرمة في المورد الاول مقتضى اصالة الاطلاق و الحكم بالحلية في المورد الثاني مقتضى الاصل العملي.
الجهة الثامنة:
لا شبهة في جواز ذبح الحيوانات الاهليّة غير الممتنعة بالاصالة الواقعة في مقابل الصيد للمحرم و لو كان في الحرم لانّ مقتضى عموم قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المعتبرة المتقدمة: اتقّ قتل الدوابّ كلها الاّ الامور الثلاثة المذكورة فيها: الافعيو العقرب و الفأرة و ان كان لزوم اتقاء قتل الحيوانات الاهلية ايضا الاّ انه لا شبهة في جوازه للنصوص الخاصة و للسيرة على ذبح الهدى او نحره في منى قبل الخروج عن الاحرام المتحقق بالحلق او التقصير بعده و للضابطة المستفادة من صحيحة حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال المحرم يذبح ما حلّ للحلال في الحرم ان يذبحه و هو في الحلّ و الحرم جميعا(1). فانه من الواضح جواز ذبح الحيوانات الاهلية للمحلّ في الحرم فيجوز للمحرم مطلقا و لو في الحلّ.
فرع: لو تردد حيوان بين كونه صيدا بريّا يحرم ذبحه و بين كونه حيوانا اهليّايجوز ذبحه فاللازم الرجوع الى اصالة البرائة و اصالة الحلية بعد عدم جواز الرجوع الى الضابطة المستفادة من صحيحة حريز لانه شبهة مصداقية له و عدم جوازالرجوع الى العموم المذكور لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص فترجع الى الاصل العملي و هو ليس الاّ مقتضيا للحلّية.
و لكنه ذكر بعض الاعلام (قدس سره) انه يرجع الى الضابطة التي يدل عليها صحيحة حريز و هي ان كلّما جاز ذبحه للمحلّ في الحرم جاز ذبحه للمحرم في الحلّ
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الثاني و الثمانون ح ـ 2 و الظاهر اتحادها مع الرواية الثالثة المذكورة فيها.