(الصفحة 381)
نعم هنا وجوه اخر استدل بها لفساد عمرة التمتع ينبغي التعرض لها و ملاحظة صحّتها و سقمها فنقول:
منها: انّك عرفت ان مقتضى النص و الفتوى بطلان العمرة المفردة بالجماع قبل السّعي و الظاهر انه لا فرق بينها و بين عمرة التمتّع بعد كونهما طبيعة واحدة و اشتراكهما في جلّ الاعمال و مجرد الاختلاف في وجوب طواف النساء في الاولى و استحبابه في الثانية و في لزوم وقوع الثانية قبل الحج و في اشهره و ارتباطها بالحج دون الاولى لا يوجب الاختلاف في هذه الجهة التي هي مورد البحث.
و الجواب عنه واضح فانه لم ينهض دليل على اشتراكهما في جميع الاحكام الاّ ما خرج بدليل خاص و مجرّد اشتراكهما في عنوان العمرة و في جلّ الاعمال لا يقتضي ذلك بوجه كما هو ظاهر.
و منها: ما سيأتي من دلالة روايات متعددة على ان الجماع قبل الوقوف بالمشعريوجب فساده و لزوم اعادته في العام القابل و حيث انّ عمرة التمتّع جزء للحج و واقعة قبله يكون مقتضى اطلاق تلك الروايات الشمول للجماع فيها لانه يصدق عليه انّه جماع قبل الوقوف بالمشعر.
و فيه: مضافا الى ان مقتضى ذلك البطلان بسبب الجماع بعد السعي و قبل التقصير مع انّ الظاهر انه لم يقل به احد انّ عمرة التمتّع و ان كانت جزء للحج الاّ ان عنوان العمرة مطلقا مغاير لعنوان الحج في الكتاب و السنّة قال الله تعالى:
(و اتمّوا الحج و العمرة لله) و قال ايضا
(فمن حجّ البيت او اعتمر) و قال ايضا في ذيل الآية الاولى: فمن تمتّع بالعمرة الى الحج و عليه فالاحكام الثابتة في مورد الحج لا تشمل العمرة بوجه الاّ مع قيام الدّليل فالمراد من تلك الروايات هو الجماع قبل الوقوف في الحجّ.
و منها: اطلاق بعض الرّوايات الدالة على الفساد و عدم اختصاصها بالحجّ
(الصفحة 382)
كصحيحة زرارة قال سئلته عن محرم غشى امرأته و هي محرمة قال: جاهلين اوعالمين؟ قلت: اجنبي في (عن خ) الوجهين جميعا قال: ان كانا جاهلين استغفرا ربّهما و مضيا على حجّهما و ليس عليهما شيء، و ان كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي احدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحجّ من قابل، فاذا بلغا المكان الذي احدثا فيه فرّق بينهما حتّى يقضيا نسكهما، و يرجعا الى المكان الّذي اصابا فيه ما اصابا، قلت فايّ الحجتين لهما؟ قال: الاولى التي احدثا فيها ما احدثا، و الاخرى عليهما عقوبة(1). فان مقتضى اطلاق السؤال الشمول لعمرة التمتّع ايضا.
و اجاب عنه بعض الاعلام بما حاصله: «ان كان المراد بالامر بالحج من قابل فساد الحج الذي وقع فيه الجماع فسادا حقيقيا و مرجعه الى ان ما اتى به لا يحسب من الحج و ان وجب عليه اتمامه و يجب عليه الحج من قابل فعدم صحّة الاستدلال بالرواية بالنسبة الى عمرة المتعة واضح جدّا لان فسادها لا يوجب عليه الحج من قابل لان تداركها امر سهل غالبا فيخرج الى خارج الحرم كالتنعيم و نحوه و مع عدم التمكّن ينقلب حجّه الى الافراد فذكر الحج من قابل قرينة على وقوع الجماع في احرام الحج.
و ان قلنا بان الحج الاوّل حجّه و الثاني عقوبة عليه و الحكم بالفساد تنزيلي باعتبار لزوم الاتيان به في القابل و لو عقوبة فهذا يمكن فرضه في عمرة المتعة بان يجب عليه الحج من قابل عقوبة عليه و لكن الروايات لا تشملها لان الامربالتفريق في الحج الثاني حتى يقضيا نسكهما و يرجعا الى المكان الذي اصابا فيه ما اصابا قرينة قطعية على وقوع الجماع في الحج لا العمرة اذ لا يتصور في عمرته الرجوع الى المكان المذكور غالبا بخلاف الحاجّ فانه اذا حدث هذا الحدث في مكّة
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 9.
(الصفحة 383)
ـ مثلا ـ يتحقّق بالنسبة اليها ذلك لان الغالب في الحجاج الرجوع الى مكّة و هذاالمعنى لا يتحقق بالنسبة الى المتمتع الذي يحرم من احد المواقيت فانه اذا جامع بعد الاحرام في طريقه الى مكة لا يتقيّد بالرجوع الى نفس هذا المكان بل يمكن ان يرجع من مكان آخر».
و يرد عليه ـ مضافا الى انه لا مجال للترديد في الرّواية بالاضافة الى ان الحج الاول فاسد و الثاني واجبه او بالعكس بعد تصريح ذيل الرّواية بالثاني في الجواب عن السؤال عن انّ ايّ الحجّتين لهما و الى انه لا تعرض فيها للفساد بالاضافة الى الحج الاوّل حتى يحمل على الفساد التنزيلي نعم يجرى الترديد في مثل رواية جميل بن درّاج قال: سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن محرم وقع على اهله قال: عليه بدنة قال: فقال له زرارة: قد سئلته عن الذي سئلته عنه فقال لي: عليه بدنة، قلت: عليه شيء غير هذا؟ قال عليه الحج من قابل(1) انّ ما افاده من القرينة القطعية ممنوع جدّا فانه كما يمكن وقوع الجماع في احرام عمرة التمتّع في طريقه الى مكة كذلك يمكن وقوعه في احرام حج القران اوالافراد في الطريق المذكور فانّ تعيّن وقوع احرام عمرة التمتّع من احد المواقيت الخمسة او الستّة لا يلازم الانحصار فانّ مريد احد الحجين اذا مرّ من احدها يجب عليه الاحرام له منه كما هو ظاهر.
كما انه في عمرة التمتّع ربما يتحقق الجماع في مكّة الذي يجب على الحاج الرجوع اليها بعد قضاء المناسك فالقرينة المذكورة ممنوعة جدّا و في بعض الروايات بعد حكمه (عليه السلام) بلزوم التفريق حتى يرجعا الى المكان الذي اصابا فيه ما اصابا ذكر الرّاوي: قلت ارأيت ان اخذا في غير ذلك الطريق الى ارض اخرى يجتمعان
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 3.
(الصفحة 384)
قال: نعم(1). لكن في بعض الروايات قوله: يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء حتى يبلغ الهدى محلّه(2). و هذا يختص بالحج و في كلامه (قدس سره) مواضع اخرى للنظر و الاشكال فتدبر.
و العمدة في الجواب ان يقال انّ الجواب المتعرض للحكم بوجوب الحج من قابل قرينة على كون مراد السائل الوقاع في احرام الحج و ان كان مقتضى اطلاقه الشمول للعمرة و يؤيّده انه لا مجال للحكم المذكور بالاضافة الى العمرة المفردة مع ان اطلاق السؤال شامل لها ايضا.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم ينهض دليل على بطلان عمرة التمتع بالجماع قبل السّعي كما انه لم يثبت شهرة فتوائية على ذلك و لكن يظهر من بعض الكلمات اقامة الدليل على الصّحة في خصوص صورة ضيق الوقت عن اعادة عمرة التمتّع و هو ما حكاه صاحب الجواهر (قدس سره) من انه يلزم ـ اى على تقدير البطلان في الصورة المذكورة ـ احد امرين امّا تاخير الحج الى قابل او الاتيان به مع فساد عمرته و هو يستلزم امّا فساده مع الاتيان بجميع افعاله و التجنب فيه عن المفسد، او انتقاله الى الافراد و اذا انتقل الى الافراد سقط الهدي و انتقلت العمرة مفردة فيجب لها طواف النساء و في جميع ذلك اشكال.
اقول: امّا في صورة سعة الوقت فلا مانع من الالتزام بوجوب عمرة مستأنفة و الظاهر ان احرامها لا بد و ان يكون من احد المواقيت الخمسة او الستّة المعروفة مع التمكّن لا ادنى الحلّ كالتنعيم و نحوه كما عرفت في كلام بعض الاعلام (قدس سره).
و امّا في صورة الضيق عن الاستيناف فلا مانع من الانتقال الى الافراد كما في
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 14.
- 2 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 5.
(الصفحة 385)
نظائره مثل ما اذا ضاق الوقت عن اتمام عمرة التمتّع بعد الاحرام لها من احدالمواقيت و قد تقدم البحث عنه تفصيلا حيث ينقلب الى الافراد فالمقام ايضا مثله و عليه فكما لم ينهض دليل على البطلان، لا مجال للاستدلال على الصحة بما ذكر لكن لا حاجة الى اقامة الدليل على الصّحة و مما ذكرنا ينقدح صحّة ما استظهره في المتن من عدم البطلان و لكن الظاهر انه لا يجتمع الاستظهار المذكور مع جعل الاحتياط في صورة الضيق الحج افرادا و الاتيان بعده بعمرة مفردة فانه مع تعين حج التمتع عليه و استظهار عدم بطلان عمرته بالجماع كيف يكون الاحتياط في الحج الافرادي الذي هو ادنى انواع الحج كما لا يخفى نعم الاعادة في العام القابل لا شبهة في كونه اعلى مراتب الاحتياط. ثم انّه بعد استظهار صحّة العمرة بالجماع قبل السّعي تظهر صحّتها بالجماع بعد السعي و قبل التقصير بطريق اولى.
بقي الكلام في الكفارة فالمشهور انّها بدنة على الموسر و بقرة على المتوسط و شاة على الفقير و في المتن جعل الاحوط اللزومي البدنة مطلقا من دون فرق بين الغنّي و الفقير و ظاهر العبارة المتقدمة المحكية عن ابن ابي عقيل تعين البدنة بنحو الفتوى و حكى عن سلاّر وجوب البقرة لا غير و عن الصدوق في المقنع الاقتصار على الفتوى بمضمون صحيح التخيير. و الدليل على الكفارة بعد ما عرفت من كون مورد صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة الحج و لا اقل من عدم ثبوت ورودها في عمرة التمتع ينحصر في روايتين:
احديهما: صحيحة ابن مسكان عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال قلت متمتع وقع على امرأته قبل ان يقصّر فقال عليه دم شاة(1).
ثانيتهما: صحيحة عمران الحلبي انه سئل ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طاف بالبيت
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث عشر ح ـ 3.