(الصفحة 437)
مثل الجهل و العجز عذرا للمكلف بالنسبة الى المخالفة و العصيان و الا فاصل العصيان متحقّق و عليه فمقتضى الصحيحة كون الجهل عذرا بالاضافة الى اصل التكليف التحريمي المتعلق بالجماع حال الاحرام و مرجعه الى عدم استحقاق العقوبة على المخالفة في هذه الصورة و هذا لا ينافي وجوب الاستغفار بعد ارتفاع الجهل لتحقق العصيان بالنسبة الى التكليف الفعلى فالجاهل و ان كان معذورا في المخالفة لكن يجب عليه الاستغفار بعد زوال عذره و لهذا المبني ثمرات كثيرة في الفقه و الاصول قد تعرضنا لها في محالّها.
و مثلها رواية اخرى لزرارة قال قلت لابي جعفر (عليه السلام) رجل وقع على اهله و هو محرم قال جاهل او عالم؟ قلت جاهل، قال يستغفر الله و لا يعود و لا شيء عليه(1) و هي ايضا ظاهرة في لزوم الاستغفار و النهي عن العود معناه النهي عن العود بعد ما ارتفع جهله و صار عالما كما ان المراد بقوله لا شيء عليه عدم ثبوت مثل الكفارة كما ذكرنا و امّا صورة الغفلة و النسيان فيدلّ على صحة العمل معهما و عدم ثبوت كفارة فيهما مضافا الى حديث الرفع في الجملة روايات خاصّة واردة فيهما:
منها: ذيل مرسلة الصدوق المعتبرة المتقدمة حيث قال: قال الصادق (عليه السلام) في حديث: ان جامعت و انت محرم الى ان قال و ان كنت ناسيا او ساهيا او جاهلا فلا شيء عليك(2).
و منها: رواية زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) في المحرم يأتي اهله ناسيا قال لا شيء عليه انّما هو بمنزلة من اكل في شهر رمضان و هو ناس(3).
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني ح ـ 2.
- 2 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني ح ـ 5.
- 3 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني ح ـ 7.
(الصفحة 438)الثالث: ايقاع العقد لنفسه او لغيره و لو كان محلاّ و شهادة العقد و اقامتها عليه على الاحوط و لو تحمّلها محلاّ و ان لا يبعد جوازها، و لو عقد لنفسه في حال الاحرام حرّمت عليه دائما مع علمه بالحكم، و لو جهله فالعقد باطل لكن لا تحرم عليه دائما و الاحوط ذلك سيّما مع المقاربة1.
و منها: غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال.
1 ـ قد وقع التعرض في هذا الامر لاحكام ثلاثة:
الحكم الاوّل: و هو المهمّ المقصود في محرّمات الاحرام التي هي الغرض في هذاالمجال هي الحرمة التكليفية المتعلقة بايقاع العقد لنفسه او لغيره و لو كان محلا و كذا الشهادة و الاقامة على احتمال و قد ذكر في الجواهر بعد قول المحقق: و عقدا لنفسه او لغيره: «بلا خلاف اجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه بل المحكّي منهمامستفيض ان لم يكن متواترا كالنصوص».
و المحكي عن ابي حنيفة و الثورى و الحكم جواز نكاحه لنفسه فضلا عن غيره و ذكر صاحب الجواهر بعد ذلك انه من جملة احداثهم في الدين.
و العمدة في الروايات الواردة في هذا الباب صحيحة عبد الله بن سنان المروية بطرق متعددة و مع اختلاف في التعبير و ثبوت الزيادة في البعض و لاجله جعلها صاحب الوسائل روايات متعددة و تبعه صاحب الجواهر حيث عبّر بصحاح ابن سنان مع انه من الواضح وحدة الرواية و عدم تعددها بوجه.
و هي على نقل الشيخ (قدس سره) ما رواه عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال ليس للمحرم ان يتزوّج و لا يزوّج، و ان تزوج او زوّج محلا فتزويجه باطل(1). و رواه الصدوق باسناده عن عبد الله بن سنان مثله الاّ انه قال: و لا يزوج محلا و زاد: و انّ
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الرابع عشر ح ـ 1.
(الصفحة 439)
رجلا من الانصار تزوج و هو محرم فابطل رسول الله (صلى الله عليه وآله) نكاحه(1). هذا و قد ذكر بعض الاعلام (قدس سره) انّ نسخة الوسائل غلط جزما و ان الجملة الثانية معطوفة على الجملة الاولى بالفاء دون الواو كما في التهذيب في الطبعة الجديدة و القديمة و في الفقيه و في الاستبصار و عليه فدلالة الصحيحة على التحريم اظهر من العطف بالواو لان العطف بالواو يحتمل فيه التأكيد بخلاف العطف بالفاء لان الظاهر منها التفريع و لا معنى للتفريع على نفسه.
اقول: احتمال التأكيد في العطف بالواو خلاف الظاهر جدّا لانه مضافا الى ان الاتيان بجملة مستأنفة مستقلة بعنوان التأكيد خلاف الظاهر تكون الفقرة الاولى ظاهرة في نفسها على ما هو المتفاهم منها عند العرف في ان التزوجو التزويج من محرّمات الاحرام فانّ حقيقة الاحرام و ان لم تكن عبارة عن ترك المحرمات المعهودة او نية الترك على ما سلف من التحقيق في ماهية الاحرام الاّ ان العمدة فيه هي حرمة تلك المحرمات و لزوم الاجتناب عنها و عليه فاذا سمع العرف انه ليس للمحرم ان يفعل كذا و كذا لا يفهم منه الاّ الحرمة التكليفية المتعلقة به من دون فرق بين ان يكون ذلك الامر المحرم امرا قابلا للاتصاف بالصحة و الفساد كالعقد او لا يكون قابلا لذلك كالجماع و الاستمناء ـ مثلا ـ.
و بالجملة لو كان المذكور في الرواية خصوص الفقرة الاولى لما كان مجال للاشكال في دلالتها على الحكم التكليفي و اضافة الفقرة الثانية بصورة الجملة المستأنفة لا توجب ضعف هذا الظهور بوجه.
و يؤيد ما ذكرنا انه قد وقع في احد نقلى الشيخ عن عبد الله بن سنان عن ابي
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الرابع عشر ح ـ 2.
(الصفحة 440)
عبد الله (عليه السلام) قوله: سمعته يقول ليس ينبغي للمحرم ان يتزوّج و لا يزوّج محلا(1). فان قوله ليس ينبغي بعد وضوح عدم كون المراد منه هي الكراهة دون الحرمة لا ينطبق الاّ على الحرمة التكليفية و لا يجري فيه احتمال البطلان بوجه كما لا يخفى.
ثمّ انّه و ان وقع التعبير في كلمات الفقهاء ـ رض ـ بايقاع العقد لنفسه الاّ انه ليس المراد ان يكون اجراء العقد و انشائه بلسان المحرم بل المراد هو تزوج المحرم و صيرورته زوجا في حال الاحرام و ان شئت قلت ان ايقاع العقد كذلك اعم من ان يكون مباشرة او تسبيبا و عليه فكما انّه لو تحقق التوكيل في اجراء الصيغة فقط او في تحصيل الزوجة له ثم انشاء العقد في حال الاحرام و تحقق من الوكيل ذلك في هذا الحال يكون المحرم قد ارتكب محرّما لاجل تحقق التزوج كذلك لو تحقق التوكيل كذلك قبل الاحرام و تحقق متعلق الوكالة في حال الاحرام يتحقق متعلق الحرمة التكليفية الاحرامية لصدق عنوان التزوج حاله نعم لو تحقق التوكيل في حال الاحرام و لم يكن متعلّق الوكالة مقيدا بحال الاحرام بل كان مقيّدا بما بعد الاحرام او مطلقا و لكن تحقق التزويج من الوكيل بعد الاحرام لا يوجب ذلك تحقق المحرّم الاحرامي لفرض كون الاتصاف متحققا بعده و لم ينهض دليل على كون مجرد التوكيل محرّما على المحرم لعدم تحقق عنوان التزوج بمجرده و عدم تحقق ايقاع العقد لنفسه الذي قد وقع التعبير به في كلمات الفقهاء على ما عرفت.
نعم لو كانت الوكالة مقيدة بحال الاحرام او مطلقة و لكن وقع العمل من الوكيل في حال الاحرام لا مجال لتوهّم عدم الحرمة بوجه كما هو ظاهر و امّا ايقاع العقد لغيره الذي وقع التعبير عنه بالتزويج اي تزويج الغير فلا شبهة في تحققه اذا
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الرابع عشر ح ـ 6.
(الصفحة 441)
صار المحرم وكيلا عن الغير و لو في مجرد ايقاع الصيغة و ذلك لانّ تعبير الوكيل كذلك بقوله: زوجت و انكحت شاهد على صدق عنوان التزويج و الانكاح على الوكيل و لا يتوقف صدقه على كون الزوج متصديا لاجراء الصيغة بالمباشرة و عليه فلا اشكال في صدقه على الوكيل و لو كذلك.
نعم هنا شبهة و هي انه لو فرض انّ المحرم اذن في حال الاحرام في ان تتزوج ابنته مع رجل و تحقق النّكاح بينهما من دون ان يكون المحرم مباشرا لاجراء العقد و ايقاع الصيغة و قلنا بمدخليّة اذن الاب في نكاح البنت فلا اشكال في انّه لا يتحقق العنوان المأخوذ في الفتاوى و هو ايقاع العقد لغيره لان المفروض عدم تحقق العقد منه و امّا العنوان المأخوذ في الروايات مثل الصحيحة المتقدمة و هو تزويج الغير فالظاهر تحققه لانّ صدق عنوان التزويج على الاب خصوصا مع مدخلية اذنه في نكاح بنته لا مجال لانكاره مع انّ الظاهر عدم التزامهم بذلك و عدم حكمهم بان مجرّد الاذن محرّم على المحرم و لاجله يتحقق الاشكال من جهة ان العنوان المأخوذ في الكلمات لم يقم عليه دليل و لو فرض ثبوت الاجماع فالظاهر كونه مستندا الى الروايات الواردة في المسئلة التي ادّعى صاحب الجواهر (قدس سره) تواترهاو العنوان المأخوذ في النص الظاهر تحقّقه فانّه اذا كان الوكيل في مجرد اجراء الصيغة يصح له اسناد التزويج الى نفسه فالاب المذكور يصدق عليه ذلك بطريق اولى و لذا عدّ في الرواية المعروفة المشتملة على انّ الآباء ثلاثة عنوان الاب الذي زوجّك من جملتهم فانّ مصداق الاب الكذائي يكون المورد المفروض من افراده قطعا و الاّ فلا يبقي له مورد اصلا و اطلاق الاب عليه و ان كان على نحو التسامح و التجوّز الاّ انّ وصف كونه مزوّجا انّما هو على نحو الحقيقة كالتوليد و التعليم و عليه فالظاهر صدق عنوان المزوّج على الاب في المورد المفروض و مقتضاه عدم جواز الاذن له فيه و ان كان ظاهر الفتاوى لا يساعده بوجه.