(الصفحة 53)
هذا الحكم فقط من دون اخذ قيود و خصوصيات اخرى لكان لالغاء الخصوصية مجال و ان كان الحكم على خلاف القاعدة الاّ انّ اخذ قيود و شروط في ترتب الحكم بصورة القضية الشرطية التي لا محيص عن الالتزام بثبوت الارتباط بينها و بين الحكم و ان كان الارتباط مخفيّا عندنا غير معلوم لنا مع ملاحظة كونهامأخوذة في كلام الامام (عليه السلام) دون الراوى لانه ليس في الرواية سؤال اصلا يوجب الترديد في الغاء الخصوصية من مسجد الشجرة فان اعتبار الاقامة بالمدينة شهرااو نحوه و اعتبار كونه مريدا للحج حال الاقامة دون غيره من التجارة و نحوها و كذا اعتبار ان يبدو له ان يخرج من غير طريق اهل المدينة الذي يمرّ على الميقات و ظاهره اعتبار عدم كون ارادته لخروج من غير ذلك الطريق من اوّل الامر مع ان هذه الامور مما لا نعلم ارتباطها بالحكم المذكور في الرواية يوجب ان لا يكون مجال لالغاء الخصوصية بالاضافة الى مسجد الشجرة خصوصا مع كونه افضل المواقيت فيحتمل الاكتفاء بمحاذاته لاجل هذه الجهة فتدبر و كيف كان في الرواية خصوصية تمنع عن الغاء الخصوصية و لاجله يشكل الحكم من جهة عدم فصل المشهور بين المواقيت اصلا و عدم التعرض لشىء من القيود المذكورة في الرّواية مع كونها هي المستندة الوحيدة في الباب و لا يمكن الالتزام بحجية فهم المشهور من الرواية و ان كانت الشهرة جابرة لضعف السند في مورده و مرجحة لاحدالمتعارضين على الآخر كما تدل عليه المقبولة المعروفة الاّ ان فهمهم لا دليل على اعتباره.
الجهة الثانية: انّ ظاهر الرواية لزوم الاحرام من محاذاة مسجد الشجرة لكل من يريد الخروج من غير طريق اهل المدينة مع ان الظاهر اختصاص ذلك بخصوص من اراد الخروج من طريق واقع في جهة طريق اهل المدينة بان كان موازيا لهو الاّ فمن كان مريدا للخروج من جهة المغرب من دون ان يمرّ على المسجد او
(الصفحة 54)
محاذاته فميقاته الجحفة كما انه اذا اراد الخروج من جهة المشرق فميقاته العقيقو هذا ايضا اشكال على الرّواية.
الجهة الثالثة: انه ذكر بعض الاعلام ـ قدّس سره ـ ان الرواية على نقل الصّدوق تدل على لزوم الاحرام في خصوص مسيرة ستّة اميال في دائرة المحاذاة و مقتضاه انه اذا بلغ السّير الى سبعة اميال او اكثر لا يجوز له الاحرام و لو كان محاذيا كما اذا سار سبعة اميال بالخط غير المستقيم مع ان ظاهرها على نقل الكلينى ان العبرة بمطلق المحاذاة و ان السّير ستة اميال انّما هو على نحو القضية الشخصية الخارجية و لعلّ وجهه ان السّير المتعارف في ذلك الزمان كان ستة اميال و بالخط المستقيم.
و يرد عليه اوّلا: ان حمل الرواية على نقل الصدوق على ما افاده مبنى على ان تكون كلمة «حذاء الشجرة» اسما لكان و خبره ستة اميال فتدل على تقييد المحاذاة بذلك مع ان الظاهر كون كلمة «حذاء... » خبرا لكان و قوله: ستة اميال عطف بيان بالاضافة الى الحذاء و يؤيده الرواية على النقل الآخر و عليه فلا اختلاف بين النقلين.
و ثانيا: انّه على تقدير تسليم ما افاده ليس المراد من قوله: ستة اميال هي الستة التي سارها المريد للاحرام بل ستة اميال بالسير المتعارف و ان كان هذا الشخص سارها ازيد من ذلك فان ظاهر الستّة كونها الطريق المتعارف لا الطريق الخاص الذي سلكه مريد الاحرام كما لا يخفى.
الجهة الرّابعة: ظاهر الرواية عدم اختصاص جواز الاحرام من محاذاة مسجد الشجرة بمن لا يتمكن من الذهاب الى المسجد و المرور عليه بل يعمّ صورة التمكن ايضا كما هو ظاهر اطلاق الاصحاب كما في الجواهر و الوجه فيه ان قوله (عليه السلام)ثم بداله ان يخرج... يشمل كلتا الصورتين لو لم نقل بظهوره في صورة الاختيار و التمكن من المرور بالمسجد و عليه فالحكم شامل غير مختصّ كما هو ظاهر.
(الصفحة 55)
المقام الثاني:
فيما لو كان في الطريق ميقاتان و لا محاله يكون احدهما ابعد الى مكّة و الآخر اقرب. و قد فسر صاحب المدارك عبارة الشرايع التي تقدم نقلها في صدر المسئلة بان ظاهرها ان القول الذي حكاه المحقق انه مع تعدّد المواقيت التي يتحقق محاذاتها في الطريق يجب الاحرام من محاذاة اقربها الى مكة دون الابعد و لكن حمل ثاني الشهيدين العبارة على ما لو لم يحاذ ميقاتا في الطريق اصلا و معنى محاذاة اقرب المواقيت ـ ح ـ بلوغ محلّ بينه و بين مكة بقدر ما بين مكة و اقرب المواقيت اليها و هو مرحلتان علما او ظنا ثم تصدى لتوجيهه و بيان وجهه.
و لكن ذكر صاحب الجواهر انه بناء على تفسير صاحب المدارك انه لم يتحقق القائل الذى حكاه المحقّق ـ ح ـ اذ المحكّى عن ابن ادريس انه اطلق: اذا حاذى احد المواقيت احرم من المحاذاة و ابن سعيد ان من قطع بين الميقاتين احرم بحذاء الميقات بل عن المبسوط التصريح باعتبار اقرب المواقيت اليه ـ يعنى من يريدالاحرام من المحاذى.
اقول نعم حكى عن القواعد التصريح باعتبار اقرب المواقيت الى مكّة و لكنه مع تأخره عن المحقق لا يمكن ان يكون مرادا للمحقق و من هنا يشكل الحكم من جهة انّ صاحب الشرايع لم ينقل غير هذا القول و ان كان نقله مشعرا بالتضعيف او الترديد و من جهة ان الصحيحة التي هي المستندة في اصل الحكم ظاهرة في لزوم الاحرام من محاذي مسجد الشجرة الذي هو ابعد الميقاتين بالاضافة الى من يريد الحج من المدينة و المتفاهم منها عرفا ان المحاذاة يعامل معها معاملة الميقات فكأنّها بمنزلة الدليل الحاكم على ادلّة كون مسجد الشجرة ميقاتا و مفسرة لهاو مبينة لا وسعية دائرة الميقات و شمولها للمحاذات و عليه فيترتب عليها ما يترتب
(الصفحة 56)مسألة 5 ـ المراد من المحاذاة ان يصل في طريقه الى مكة الى موضع يكون الميقات على يمينه او يساره بخط مستقيم بحيث لو جاوز منه يتمايل الميقات الى الخلف، و الميزان هو المحاذاة العرفية لا العقلية الدقية، و يشكل الاكتفاء بالمحاذاة من فوق كالحاصل لمن ركب الطائرة لو فرض امكان الاحرام مع حفظ المحاذاة فيها فلا يترك الاحتياط بعدم الاكتفاء بها1.
عليها فكما انه لا يجوز التجاوز عن الميقات بغير احرام كما مرّ البحث فيه مفصّلاكذلك لا يجوز التجاوز عن المحاذاة كذلك فالمستفاد من الصحيحة ترتب حكم الميقات عليها فيتعين الاحرام منها الاّ في صورة الضعف و المرض بل مطلق الضرورة كما مرّ بحثه ايضا.
و لعلّه لما ذكرنا من الاشكال احتاط في المتن وجوبا بالنسبة الى الاحرام من ابعد المواقيت و استحبابا بالاضافة الى تجديد الاحرام في الميقات الاخر و لكن الاقوى بمقتضى الدليل هو الاوّل.
1 ـ بعد الحكم بجواز الاحرام من محاذاة الميقات وقع الكلام في معناها و المراد منها و قد ذكر السيد (قدس سره) في العروة وجهين في هذا المقام.
احدهما: بعد اسقاط التحريف بالزيادة التي وقع في العبارة ظاهرا ان يصل في طريقه الى مكّة الى موضع يكون بينه و بين مكّة كما بين ذلك الميقات و مكّة بالخطّ المستقيم.
و توضيحه على ما في بعض الحواشى و الشروح انا لو رسمنا دائرة و جعلنا النقطة المركزية مكة المكرمة فكل جزء من اجزاء محيط تلك الدائرة نسبته الى المركز نسبة واحدة لان الخطوط الخارجة من المحيط الى المركز المسماة بالشعاع متساوية و عليه فلو فرض وقوع الميقات في جزء من اجزاء المحيط فلا محالة تكون سائر الاجزاءمتساوية المسافة و الفاصلة الى مكة الواقعة في مركزها مع الميقات و عليه فجميع الاجزاء غير الميقات متصف بالمحاذاة معه لتساوى نسبتها الى مكة مع نسبة
(الصفحة 57)
الميقات لان المفروض وقوع الجميع حتى الميقات في محيط الدّائرة.
هذا و لكن هذا الوجه لا يمكن الالتزام به و لم يدل عليه دليل فان مقتضاه انه لو وقف من الدائرة في النقطة المقابلة التي يكون بينها و بين الميقات ماة و ثمانين درجة يكون محاذيا للميقات مع انه لا يعد ذلك من المحاذات بوجه بل يصدق انه احرم من مقابل الميقات لا من محاذيه كما هو ظاهر بل لا يصدق فيما اذا احرم من مورد يكون الفصل تسعين درجة بل اقلّ من ذلك فهذا الوجه لا يكون محقّقا للمحاذاة بوجه.
ثانيهما: ان يكون الخط من موقفه الى الميقات اقصر الخطوط في ذلك الطّريق.
و اورد عليه في المستمسك مضافا الى ان هذا الوجه لا يتّحد مع ما سبقه عملاو لا يلازمه خارجا بان الطريق اذا كان يمرّ خلف الميقات بمسافة معينة ثم يبعد عنه ـ حينما يكون عن يمينه او يساره ـ يكون اقصر الخط خلفه و لا يكون الشاخص ـ ح ـ محاذيا بل يكون خلفه.
كما انه اورد عليه بعض الاعلام (قدس سره) بانه لو فرضنا انه توجه الى مكّة من موقفه الواقع على الخط المحيط للدائرة على درجة خمس و اربعين من الدائرة اى نصف الربع فدخل في الدائرة فيكون بينه و بين مسجد الشجرة خطّا و هميّا موصلابينهما و يشكّل بذلك زاوية من الخطوط المارّة في طريقه الى مسجد الشجرة و لا ريب ان الخط المارّ من وسط المثلث اقرب الخطوط و اقصرها من الضلعين الى الميقات مع انه خارج عن المحاذاة.
و يمكن الجواب عنه بمنع كون الخط المارّ من وسط المثلث اقرب من الخط الخارج من الموقف الى الميقات فان ظاهر هذا الوجه كون الميقات واقعا في احد الجانبين من قاعدة المثلث و الموقف واقعا في الجانب الآخر و الخط المستقيم
|