(الصفحة 48)
عنه بالاطمينان معاملة العلم و امّا كونه حجة شرعيّة فلانه مع عدمها لا بد ان يرجع في مورده الى الاصول الشرعية مع ان العناوين المأخوذة في ادلتها لا بد و ان يرجع في تشخيص معناها و مفادها الى العرف فهو المرجع في معنى: ما لا يعلمون المأخوذ في حديث الرفع و في معنى لا تنقض اليقين بالشك الواقع في روايات الاستصحاب و من الواضح انه مع حصول الاطمينان بحرمة شرب التتن ـ مثلا ـ لا تكون الحرمة غير معلومة و كذا مع الاطمينان بخلاف الحالة السابقة في باب الاستصحاب لا يصدق نقض اليقين بالشك عرفا و مع عدم شمول ادلة الاصول لا بد من الالتزام بثبوت الحجة الشرعية له كما لا يخفى هذا و لكن ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) في ذيل بحث ميقات العقيق ان غير واحد من الاصحاب اكتفى في معرفة هذه المواقيت بالشياع المفيد للظن الغالب ثم قال و لعلّه لصحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام)يجزيك اذا لم تعرف العقيق ان تسئل الناس و الاعراب عن ذلك(1). و الظاهر ان المراد السؤال لحصول المعرفة التي اقلها الظّن الغالب المعبر عنه بالاطمينان.
ثالثها: قول اهل الخبرة و الاطلاع مقيّدا بحصول الظن و قد عبّر في المتن بعده بقوله: فضلا عن الوثوق مع ان الظاهر ان هذا التعبير انما يلائم القضية الايجابية المشتملة على الاكتفاء بالظنّ لا القضية السّلبية التى يقتضيها التقييد بحصول الظن كما في المتن فيصح ان يقال: يكفى مجرد الظن فضلا عن الوثوق و لا يصح ان يقال لا يكفى ما دون الظن فضلا عن الوثوق كما هو ظاهر و امّا الاكتفاء بالظن فقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) في مسئلة المحاذاة انهم صرحوا بكفاية الظنّ ثم قال و لعلّه للحرج و الاصل و انسياق ارادة الظن في امثال ذلك.
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الخامس ح ـ 1.
(الصفحة 49)
و لكن الظاهر انه لا دليل على اعتبار مجرد، الظنّ في ذلك و استلزامه للحرج ممنوع كاقتضاء الاصل له فان الاصل في باب الظنون التي لم يدل دليل على اعتبارها عدم الحجيّة و الظاهر عدم شمول. صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة لهذاالامر بعد ما عرفت من ان ظاهرها حصول المعرفة التي لا تنطبق على اقل من الظن الغالب فتدبر.
و عليه فمقتضى الاحتياط اللازم الاحرام من المحلّ الواقع فيه بالنذر فانه ان كان ميقاتا يصح الاحرام منه كما انه يصحّ نذره و لو فرض عدم صحة نذره لا يقدح في صحة الاحرام بوجه اصلا و ان لم يكن ميقاتا فسيأتى فى احكام المواقيت انشاء الله تعالى انه يصح الاحرام قبل الميقات بسبب النذر فعلى اىّ تقدير يكون الاحرام صحيحا.
و امّا الاحرام في موضع يظن او يحتمل كونه ميقاتا احتياطا و الاحرام قبل الميقات و ان كان محرّما كالتجاوز عن الميقات من دون احرام لمن يريد دخول مكة و الاتيان بالمناسك الاّ ان الظاهر ثبوت الفرق بين الحرمتين و ان حرمة التجاوز عن الميقات حرمة ذاتية كحرمة اكثر المحرمات و حرمة الاحرام قبل الميقات حرمة تشريعية متقومة بقصد التشريع و من الواضح انها لا تكون مانعة عن الاتيان به رجاء و بعنوان الاحتياط.
بقى الكلام في قوله (قدس سره) في الذيل فلو اراد الاحرام من المسلخ ـ مثلا ـ و يردعليه انه لا ارتباط بينه و بين الاكتفاء بالظنّ فلا وجه لتفريعه عليه و يحتمل قويّا ان تكون «الواو» مكان «الفاء».
و كيف كان فالوجه فيه ان العقيق حيث يكون ميقاتا وسيعا اوله المسلخو وسطه غمرة و آخره ذات عرق فلا مجال للاكتفاء بالظن بالمسلخ ـ مثلا ـ مع العلم بانه لو سلك مقدارا آخر من الطريق يتحقق له الاحرام من الميقات قطعا و ان لم
(الصفحة 50)مسألة 4 ـ من لم يمرّ على احد المواقيت جاز له الاحرام من محاذاة احدها و لو كان في الطريق ميقاتان يجب الاحرام من محاذاة ابعدهما الى مكّة على الاحوط، و الاولى تجديد الاحرام في الاخر1.
يعرف كونه اوّلا او وسطا او آخرا فان الملاك هو احراز كونه ميقاتا لا كونه اوّلا ـ مثلا ـ و عليه ففي مثل العقيق لا بد و ان يحرم من موضع يتيقن كونه ميقاتا و لا وجه للاكتفاء بالظنّ اصلا كما لا يخفى.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسئلة في مقامين:
المقام الاوّل:
اصل جواز الاحرام من محاذاة الميقات مع عدم كونها ميقاتا من المواقيت التيوقتها الرسول (صلى الله عليه وآله) و قد نسب الجواز الى الشهرة بل الى الشهرة العظيمة بل قيل لا يظهر مخالف صريح في ذلك و ان استشكل فيه في المدارك و الذخيرة و الحدائق و بعض الكتب الآخر تبعا لما في مجمع البرهان للمقدس الاردبيلى (قدس سره) لكن عنوان المسئلة في الشرايع بنحو يكون فيه ابهام و اجمال حيث قال: «و لو حجّ على طريق لا يفضى الى احد المواقيت قيل يحرم اذا غلب على ظنّه محاذاة اقرب المواقيت الى مكّة».
و نسبته الى القول و ان كان فيها الاشعار بالتضعيف و لا اقل من الترديد الاّ انه حيث يكون القول المزبور مشتملا على خصوصيات ثلاثة: اصل الاحرام من المحاذى و كون الملاك اقرب المواقيت الى مكّة و الاكتفاء بغلبة ظن المحاذاة لا يعلم ان التضعيف او الترديد ناظر الى الخصوصية الاولى التي هي محلّ البحث هنا اوالى احدي الخصوصيتين الآخرتين.
و قد وقع الاختلاف في معني العبارة بين صاحبي المسالك و المدارك و كيف كان لا تكون صريحة بل و لا ظاهرة بل و لا مشعرة بالمخالفة في هذا المقام.
(الصفحة 51)
و قد استدل للجواز بصحيحتى عبد الله بن سنان:
احديهما: ما رواه الكليني عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عنه عن ابي عبد الله (عليه السلام)قال من اقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له ان يخرج في غير طريق اهل المدينة الذي يأخذونه فليكن احرامه من مسيرة ستّة اميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء(1).
ثانيتهما: ما رواه الصدوق باسناده عن الحسن بن محبوب عنه عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: من اقام بالمدينة و هو يريد الحج شهرا او نحوه ثم بداله ان يخرج في غير طريق المدينة فاذا كان حذاء الشجرة و البيداء مسيرة ستة اميال فليحرم منها(2). و من الواضح وحدة الروايتين خصوصا مع كون الراوى عن ابن سنان في كلتيهما هو الحسن بن محبوب و لازم الوحدة عدم الاعتبار الاّ بالاضافة الى خصوص ما اتفقتا عليه فان اشتملت احديهما على امر زائد لم يعلم صدوره منه (عليه السلام) و لا دليل على الاعتبار بعد العلم بالوحدة فتدبّر.
و لا اشكال في دلالة الروايتين على اصل جواز الاحرام من المحاذاة في الجملةو ان كان فيهما قيود يأتي البحث عنها انشاء الله تعالى لكن في مقابلهما روايتان ظاهرتان في الخلاف.
احديهما: مرسلة الكلينى حيث قال بعد نقل صحيحة ابن سنان: و في رواية اخرى: يحرم ـ اى الشخص المفروض في الصحيحة ـ من الشجرة ثم يأخذ اىّ طريق شاء.(3)
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب السابع ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب السابع ح ـ 3.
- 3 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب السابع ح ـ 2.
(الصفحة 52)
و لكنها لاجل الارسال لا تنهض في مقابل الصحيحة.
ثانيتهما: ما رواه الشيخ باسناده عن موسى بن القاسم عن جعفر بن محمد بن حكيم عن ابراهيم بن عبد الحميد عن ابي الحسن موسى (عليه السلام) قال سئلته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الايام يعنى الاحرام من الشجرةو ارادوا ان يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها فقال: لا و هو مغضب من دخل المدينة فليس له ان يحرم الاّ من المدينة(1).
و جعفر بن محمد بن حكيم من رجال كامل الزيارات الذين ورد فيهم التوثيق العام و هو حجة مع عدم تضعيف خاص في مقابله و الظاهر انّ المراد من قوله (عليه السلام) الاّ من المدينة ليس هي البلدة بل ميقاتها الذي هو مسجد الشجرة و الجمع الدلالي بينها و بين الصّحيحة ممكن لان مفاد هذه الرواية هو المنع عن العدول من الشجرة الى ميقات آخر و لا دلالة لها على نفى الجواز من محاذاتها اصلا و على تقدير عدم امكان الجمع و وقوع التعارض لا بد من الاخذ بالصحيحة لموافقتها للشهرة المحققة فلا يبقى مجال للاشكال في اصل المسئلة انّما الاشكال بعد تعين الصحيحة لكونهامستندة للحكم الذي هو على خلاف القاعدة المستفادة من ادلة المواقيت و نصوصها، يقع في جهات:
الجهة الاولى: ان مفاد الرواية جواز الاحرام من محاذاة مسجد الشجرة و لا تعرض لها لغيرها مع انّ المشهور هو الجواز بالاضافة الى جميع المواقيت و ذكر السيد (قدس سره) في العروة انه لا يضر اختصاص الروايتين بمحاذاة مسجد الشجرة بعد فهم المثالية منهما و عدم القول بالفصل و قد تبع في الثاني جماعة منهم صاحب المستند.
و امّا الاوّل و هو الغاء الخصوصية فان كانت الرواية مشتملة على نفس
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الثامن ح ـ 1.