(الصفحة 71)
ان الجواب بملاحظة قوله (عليه السلام) ان هؤلاء قطنوا مكة... ظاهر في ان المراد هو المجاورالذى صار كاهل مكة في وجوب القران او الافراد عليه و ـ ح ـ لا مجال لدعوى الاطلاق في السؤال فضلا عن كون القدر المتيقن المجاور الذى لم ينقلب فرضه كما ان ظاهر صدر الجواب و ان كان هو وجوب الخروج من مكة الى الجعرانة للاحرام الاّ ان قوله (عليه السلام) في الذيل فاحببت ان يخرجوا... لا يلائم الوجوب كما ان قوله (عليه السلام) بعد ذلك ارى لهم ان يفعلوا مكان عليهم ان يفعلوا يلائم الاستحباب فربما يصير الذيل قرينة على عدم كون المراد بالصدر هو الوجوب خصوصا مع اقترانه بكون الزمان بعد رؤية هلال ذى الحجة مع انه ليس بواجب قطعا ضرورة جواز الخروج في اليوم الثاني و الثالث و هكذا الى زمان ادراك الوقوف بعد الاحرام من الجعرانة و عليه فربما تصير هذه الرواية قرينة على التصرف في الرواية الاولى فيتمّ ما في المتن من كون الاحتياط في الخروج الى الجعرانة استحبابيّا لا وجوبيّا.
و في هذه الرّواية اشكال آخر و هو دلالتها على ان كل من لا متعة له يخرج الى الجعرانة مع ان اهل مكّة لا يجب عليهم الخروج اليها ـ كما ان في الروايتين اشكالا مهمّا نتعرض له بعد التعرض لحكم المجاور الذي لم ينتقل فرضه و الظاهر انه لا اشكال في ان حكمه الخروج الى الجعرانة و الاحرام منها و يدل عليه مثل صحيحة سماعة بن مهران عن ابى عبد الله (عليه السلام) انه قال: من حجّ معتمرا في شوال و من نيّته ان يعتمر و يرجع الى بلاده فلا بأس بذلك و ان هو اقام الى الحج فهو يتمتع لان اشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة فمن اعتمر فيهن و اقام الى الحج فهى متعة، و من رجع الى بلاده و لم يقم الى الحج فهى عمرة، و ان اعتمر في شهر رمضان او قبله و اقام الى الحج فليس بمتمتع و انما هو مجاور افرد العمرة، فان هو احبّه ان يتمتع في اشهر الحج بالعمرة الى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق او يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بالعمرة (بعمرة) الى الحج، فان هو احبّ ان يفرد الحج فليخرج الى
(الصفحة 72)
الجعرانة فيلبى منها(1). و ظهور ذيلها في وجوب خروج المجاور الذي لم ينتقل فرضه لان المفروض فيهاالمجاورة من شهر رمضان او شعبان او رجب مثلا الى الجعرانة للاحرام منها واضح نعم لا بد من الالتفات الى ان ذلك بالاضافة الى حج الافراد الذي لا فرق بينه و بين حج القران و امّا المجاور المتمتع فلا بد له ان يخرج لاحرام عمرته الى احد المواقيت كما ان احرام حجّه من مكة على ما عرفت و امّا الاشكال المهمّ الذى اشرنا اليه فهو ان الروايتين المتقدمتين قد دلتا على ان الجعرانة وقت من مواقيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) و انه احرم منها الرسول الاعظم مع ان احرامه منها كان بعد رجوعه عن الطائف بعنوان العمرة المفردة فلا ملائمة بحسب الظاهر بين كون احرامه (صلى الله عليه وآله) منها للعمرة المفردة و بين وجوب الاحرام منها للحج في القران او الافراد بالاضافة الى المجاور مطلقا او في الجملة مع ان الجعرانة احد مواضع ادنى الحلّ و قد احرم الرسول (صلى الله عليه وآله) من الحديبية ايضا و هى ايضا من تلك المواضع فاية مناسبة بين تعيّن وجوب الاحرام منها للحج في المورد المذكور و بين كون احرامه (صلى الله عليه وآله) للعمرة المفردة و عدم تعيّنها لاحرام العمرة و جوازه من سائر المواضع المزبورة.
كما انه يرد على الاصحاب و الفقهاء ـ رض ـ ان اكثرهم مع التعرض لجميع المواقيت حتى عدوّها عشرة و ذكروا من جملتها الفخّ للصبيان مع انه محل خلاف لوقوع الاختلاف في ان احرام الصبيان هل يكون شروعه منه او يكون التجريدفيه و شروع الاحرام من سائر المواقيت كيف لم يذكروا الجعرانة بعنوان ميقات الحج اصلا مع انه لا شبهة في كونه ميقاتا لحج القران و الافراد تعينا بالاضافة الى
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب العاشر ح ـ 2.
(الصفحة 73)
المجاور في الجملة و استحبابا بالنسبة الى المجاور الآخر فلم لم يتعرضوا لها نعم ذكروهابعنوان احد مواضع ادنى الحلّ في احرام العمرة المفردة.
بقى الكلام في هذا الميقات فيما افاده في الذيل من ان الاحرام من المنزل للمذكورين انّما هو من باب الرخصة و الا فيجوز لهم الاحرام من احد المواقيت بل في محكّى. كشف اللثام: «و في الكافى و الغنية و الاصباح ان الافضل لمن منزله اقرب الاحرام من الميقات و وجهه ظاهر لبعد المسافة و طول الزمن» لكنه ربما يقال بانه ظاهر الاشكال فان ظاهر الامر بالاحرام من المنزل الالزام و التعيين.
و يدفعه ـ مضافا الى ما عرفت من ظهور الروايات في كون الاحرام من المنزل انّما هو للتسهيل و الترخيص و هو ينافي التعيين ـ ان الامر بالاحرام من المنزل او دويرة الاهل وارد في مقام الحظر او توهمه و لا دلالة له ـ ح ـ على التعيين بوجه هذا مضافا الى دلالة بعض الروايات على مجرد كون ميقاته او وقته منزله و هو لا ينافي الرجوع الى ميقات قبل هذا الميقات لان كل واحد من المواقيت ميقات لمن جعل له و لمن يمرّ عليه و عدم جواز تأخير الاحرام الى ميقات اخر انما هو لاستلزامه التجاوز عن الميقات من غير احرام و مع عدم الاستلزام كما اذا رجع من كان منزله جنب الجحفة الى مسجد الشجرة لان يحرم منه فلا مانع منه اصلا نعم في بعض الروايات الواردة في هذا الباب التعبير بقوله: عليه ان يحرم من منزله و لكنه مخدوش من حيث السّند و كيف كان فالظاهر انه لا مانع من الاحرام من الميقات بل ربما يكون افضل لما ذكر من بعد المسافة و طول الزمن.
الثالث: من المواقيت ادنى الحلّ و هو ميقات العمرة المفردة و حيث انه قد تقدّم منّا البحث في هذا المجال تفصيلا فلا جدوى في الاعادة و البحث فيه ثانيا.
(الصفحة 74)
تكملة
لا بدّ لتتميم البحث في المواقيت من التعرض لامرين:
الأمر الاوّل:
صرح الفاضلان في الشرايع و القواعد بل و غيرهما بانه لا فرق في جواز الاحرام في المحاذات بين البرّ و البحر و لكن المحكّى عن ابن ادريس انه قال ان ميقات اهل مصر و من صعد البحر جدّة و ظاهره كونها ميقاتا من المواقيت التي وقّتهاالرسول (صلى الله عليه وآله) مع انه لا يظهر ذلك من شىء من النصوص مع تعددها و تكثرها و لا من الفتاوى.
فاللازم ان يقال ـ كما في الجواهر ـ بانّ مراده هى المحاذاة و انّ جدة محاذية لبعض المواقيت فمن يمرّ عليها كاهل مصر و من صعد البحر يحرم منها لاجل المحاذاة و اورد عليها بوجهين:
احدهما: ان الميقات الذى يحتمل كونها محاذية له هو يلملم او الجحفة مع ان كليهما ممنوعان: امّا الاوّل فلان يلملم واقعة في جنوب مكة و جدة واقعة في شرق مكة فلا تكون محاذية لها و امّا الثاني فلان مقتضى بعض الخارطات المصورة للحجاز و ان كان هو ان الواصل الى قريب جدة في البحر يكون محاذيا للجحفة لكن وجود البعد الكثير بينهما يمنع عن الاكتفاء بذلك.
ثانيهما: ان ما عليه عمل الامامية في الازمنة الماضية التي كان السفر من طريق البحر كثيرا جدّا لكونه اهون من السفر من طريق البرّ هو الاحرام من محاذى الجحفة اذا كان واردا من المغرب لانّها ـ كما قيل ـ قرب رابغ و تبعد عن البحر ستة
(الصفحة 75)
اميال او ميلين ـ على اختلاف ـ فيكون الراكب في السفن عند توجهه من رابغ الى جدة محاذيا لها، و اذا كان واردا من جهة اليمن كان محاذيا ليلملم عند وصوله الى الموضع الذى بين قمران و جدة.
و مقتضى ذلك استمرار العمل على الاحرام قبل الوصول الى جدة نظرا الى المحاذات و عليه فلا تصل النوبة الى جدة و لو فرض ثبوت المحاذاة لها.
و لكنه اعترض سيّد المستمسك (قدس سره) على هذا الوجه بان الواصل الى ذلك المكان اذا توجه الى مكة المكرمة تكون يلملم بينه و بين مكة فيكون مواجها لها لا انّها عن يمينه او يساره مع كونه معنى المحاذات و مثله الواصل الى قرب رابغ في البحر فان الجحفة لا تكون عن يساره اذا توجه الى مكة قال: نعم الواصل الى الموضع الاول في البحر تكون يلملم عن يمينه بلحاظ طريق السفر، و كذا الواصل الى قرب رابغ تكون الجحفة عن يساره بلحاظ طريق السفر لكن لا اعتبار بذلك.
و الجواب عن هذا الاعتراض ان الملاك في باب المحاذات هو مجرد كون المحاذى واقعا عن يمين الميقات او يساره في طريق السفر الذي ينتهى الى مكة و يكون المراد منه الوصول اليها و هذا لا يفرق فيه بين تحقق المواجهة المذكورةو عدمه و بعبارة اخرى الملاك من ناحية هو الميقات و كون المحاذات من جهة اليمين او اليسار و من ناحية اخرى هو طريق السفر الذى يريد طيّه و المفروض تحقق المحاذاة من هذه الناحيّة فالظاهر صحة ما استمر العمل عليه من الاحرام في البحر قبل الوصول الى جدة من المحاذاة و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انه لم يثبت كون جدّة ميقاتا و لا محاذيا لميقات.
الامر الثاني:
فيمن لم يمرّ على ميقات و لا على محاذيه و البحث فيه تارة من حيث الموضوع