(الصفحة 43)
حقيقته بل هو عبارة عن مجرد النية و التلبية و لبس الثوبين من احكام الاحرامو واجباته كما ان له احكاما تحريمية ترتبط بمحرمات الاحرام فالتقية لا تنافي الاحرام بوجه لان النيّة امر قلبى و التلبية لا يعتبر فيه الاجهار بوجه بل التقية على تقدير عدم امكان رعاية شىء من الطريقين المذكورين في كلام السيّد تتحقق بترك اللبس الذى هو واجب في الاحرام و هي كافية في رفع الوجوب و تجويز الترك و التأخير.
و ان قلنا بان لبس الثوبين داخل في مهيّة الاحرام و حقيقته كالامرين الآخرين فالظاهر انه غير متمكّن من الاحرام من المسلخ و يمكن الفرق بين الطريقين بوجود التمكن في الثاني دون الاوّل فتدبّر.
الجهة الثالثة: انه قد وردت في هذا المقام رواية رواها الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري مرسلة و الشيخ (قدس سره) في كتاب الغيبة مسندة بالاسناد المشتمل على احمد بن ابراهيم النوبختى انه ـ اى الحميرى ـ كتب الى صاحب الزمان ـ عجل الله تعالى فرجه ـ يسئله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء و يكون متصلا بهم يحج و يأخذ عن الجادة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل ان يؤخر احرامه الى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة ام لا يجوز الا ان يحرم من المسلخ؟ فكتب اليه في الجواب: يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب و يلبّى في نفسه فاذا بلغ الى ميقاتهم اظهره(1). و الرواية ـ مضافا الى ضعف سندها بالارسال و بجهالة الرجل المذكور ـ تدل على مفروغية تعيّن المسلخ بخصوصه للميقات و هو مخالف لما قدّمناه تبعا للمشهور من سعة العقيق للميقات و انه لا فرق بين اوّله و وسطه و آخره من جهة الصّحة و ان
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الثاني ح ـ 10.
(الصفحة 44)
كان بينها الاختلاف من حيث الفضيلة.
و امّا مع قطع النظر عن هذه الجهة فيجرى في مفادها و مدلولها احتمالان:
احدهما: ان يكون المراد بلبس الثياب هو لبس الثياب العادية غير ثوبى الاحرام و يؤيده التعبير بالجمع دون التثنية و عليه فالمراد هي التلبية في النفس بدون الاظهار كما ان المراد بقوله: اظهره هو لبس ثوبى الاحرام و اظهار التلبيةو الاجهار بها.
ثانيهما: ان يكون المراد بالثياب ثوب الاحرام و يؤيده العطف بثم و الجمع بينه و بين حصول التقية امّا من طريق ما اشار اليه السيد من لبس الثوبين تحت الثياب و على هذا التقدير يمكن ان يقال بان قوله: في نفسه متعلقا بالتلبية و اللبس معا و امّا من جهة تعارف لبس الثوبين قبل الاحرام و الوصول الى الميقات تمهيدا له و استعدادا لتحقّقه لكن الامر سهل بعد ضعف سند الرواية و كون مفادها من جهة تعين المسلخ للميقات معرضا عنه عند الاصحاب مع انه لا يستفاد منها شىء فى باب التقية نعم لو كان مدلولها لبس الثياب العادية التي تكون مخيطة نوعا تدل على عدم الكفارة في لبسها في حال التقية و ان كانت ثابتة في سائر الموارد و ان كان في حال الضرورة و الوجه في دلالتها هو السكوت عنها مع كونها في مقام البيان.
الجهة الرّابعة: انه لو احرم من المسلخ مع اقتضاء التقية عدمه و ظهور كونه مخالفا لها فهل يكون جائزا من جهة الحكم الوضعي و صحيحا أم لا قد عرفت انّ الماتن ـ قدس سره ـ نفى خلو البطلان عن الوجه.
و البحث فى ذلك امّا من جهة القاعدة فالظاهر انّها لا تقتضي البطلان بوجه لانّ متعلق الوجوب انّما هو عنوان التقية و قد حققنا في محلّه انّ هذا العنوان مغاير لعنوان الاضطرار الذى وقع في حديث الرفع كما انه مغاير لعنوان المداراة و حسن المعاشرة و جلب المودة و معنى التقية هو كتمان المذهب و عدم اذاعته و اظهاره من
(الصفحة 45)الثالث: الجحفة و هي لاهل الشام و مصر و مغرب و من يمرّ عليها من غيرهم1.
دون فرق بين ما اذا خيف الضرر على الترك و بين غيره و بالجملة فالمتعلّق للوجوب هو عنوان التقية و عدم رعايتها باظهار التلبية لا يقتضى الاّ مخالفة تكليف وجوبى و لا يكون في البين سوى ذلك التكليف و عليه فلا يبقى مجال للحكم بالبطلان بالاضافة الى الاحرام لعدم تعلق النهى به حتى يوجب فساده لعدم اقتضاء الامر بالشىء للنهى عن الضد مطلقا ـ الضد العام و الضد الخاص ـ و لا مجال للحكم بالبطلان من جهة عدم الامر مع وجود الامر بالتقية و كونها اهم من الاحرام من المسلخ خصوصا بعد عدم تعينه و التخيير بينه و بين الوسط و بين المنتهى لما حقق في محلّه من عدم توقف صحة العبادة على تعلق الامر الفعلى بها و كفاية الملاك و المناط فيها و على تقدير التوقف يكون الامر بالمهم ثابتا امّا من طريق الترتب و امّا من الطريق الآخر الذى سلكه سيدنا الاستاذ المحقق الماتن ـ قدس سره الشريف ـ في مباحثه الاصولية و عليه فالقاعدة لا تقتضى البطلان نعم ورد في باب الوضوء الذي لم يراع فيه التقية رواية دالة على بطلانه و بالغاء الخصوصية ربما يستفاد منها الحكم في جميع الموارد لكن الاشكال في سند الروايةو قد انقدح من جميع ما ذكرنا صحة الاحرام المخالف للتقية و ان كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي في المقام تجديده في ذات عرق.
1 ـ قال في الجواهر: و انما سميت الجحفة لاجحاف السّيل بها و باهلها، و هي على سبع مراحل من المدينة و ثلاث من مكّة و لا خلاف و لا اشكال في كونها ميقاتا للمذكورين في المتن و يدل عليه النصوص و الروايات المتكثرة المشتمل كثيرمنها على كونه ميقاتا لاهل الشام كصحيحة الحلبى(1) و بعضها على كونه ميقاتا لاهل المغرب كصحيحة ابي ايوب الخراز و فيها: و وقت لاهل المغرب الجحفة
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الاوّل ح ـ 3.
(الصفحة 46)الرّابع: يلملم و هو لاهل يمن و من يمرّ عليه1 .
الخامس: قرن المنازل و هو لاهل الطائف و من يمرّ عليه2.
و هي عندنا مكتوبة: مهيعة.(1) و بعضها على كونه ميقاتا لاهل الشام و مصركصحيحة على بن جعفر (عليهما السلام)(2) و لا منافاة بينها بعد اشتراكهم في كون الجحفة واقعة في مسيرهم الى مكّة خصوصا بعد عدم اختصاص شىء من المواقيت بخصوص من وقّت له بل يشمل كل من يمرّ عليه من غيره.
1 ـ المحكّى عن القواعد و المسالك و غيرهما ان يلملم جبل و عن شرح الارشاد للفخر انه واد، و هو الظاهر المناسب للميقاتية لصعوبة الاحرام من الجبل بالاضافة الى مثل المريض و الضعيف و الهرم، و يقال له الملم و قد يقال له يرمرمو هو على مرحلتين من مكّة و لا خلاف في كونه ميقاتا لاهل اليمن و يدل عليه كثير من الروايات الواردة في المواقيت التي وقّتها رسول الله (صلى الله عليه وآله).
2 ـ قرن المنازل بفتح القاف و سكون الراء قرية عند الطائف او اسم الوادى كلّه كما في القاموس و عنه انه اعترض على الجوهرى صاحب الصحاح من جهة تحريك راء القرن اوّلا و من جهة نسبة اويس القرني اليه مع انه منسوب الى قرن الذي هو اسم شخص ينسب إليه القبيلة من قبائل اليمن لا اسم مكان و محلّ، و عن كشف اللثام انه اتفق العلماء على تغليطه فيهما لكن في المستند نفي تصريح الجوهري بشىء من الامرين مع ان المحكى عنه في اكثر كتب اللغة التصريح بهما و بان قرن ميقات اهل نجد و الظاهر ان صاحب مجمع البحرين قد اخذ منه و صرح بكلا الامرين و انه ميقات لاهل نجد و يرد عليه ان كونه ميقاتا لاهل نجد انما هو على رأى فقهاء غير الشيعة و امّا فقهائنا فهم متفقون فى كونه ميقاتا لاهل الطائف
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الاوّل ح ـ 2.
- 2 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الاوّل ح ـ 5.
(الصفحة 47)مسألة 3 ـ تثبت تلك المواقيت مع فقد العلم بالبينة الشّرعية او الشياع الموجب للاطمينان، و مع فقد هما بقول اهل الاطلاع مع حصول الظن فضلا عن الوثوق، فلو ارادالاحرام من المسلخ ـ مثلا ـ و لم يثبت كون المحل الكذائى ذلك لا بد من التأخير حتى يتيقن الدخول في الميقات1.
و قد وقع التصريح به في كثير من نصوص المواقيت نعم في مقابلها روايتان:
احديهما: صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة المشتملة على قول الصادق (عليه السلام): و وقت لاهل المدينة ذا الحليفة و لاهل نجد قرن المنازل(1).
ثانيتهما: صحيحة عليّ بن رئاب المشتملة على قوله (عليه السلام): و وقت لاهل اليمن قرن(2). و قد عرفت ان المحكى عن صاحب الحدائق انه حمل الصحيحة الاولى على التقية للرواية العامية المتقدمة و يمكن ان تحمل على انّ لاهل نجد طريقين احدهما يمرّ بالعقيق و الآخر بقرن المنازل كما ان هذا الحمل يجرى في الصحيحة الثانية ايضا و على تقدير ثبوت المعارضة و عدم امكان الجمع الدلالى و عدم وصول النوبة الى الحمل على التقية تكون موافقة تلك الروايات المتكثرة للشهرة المحققة بل الاجماع كافية في الاعراض عن الروايتين و عدم العمل بهما فلا محيص عما ذكر.
1 ـ تثبت المواقيت الخمسة المتقدمة مع فقد العلم و اليقين بامور:
احدها: البينة الشرعية التى قام الدليل على اعتبارها في الموضوعات و الظاهرعدم كون شهادة العدل الواحد بحجّة فيها كما حقّق في محلّه.
ثانيها: الشياع الموجب للاطمينان و في الحفيقة تثبت بالاطمينان سواء حصل من الشياع او من غيره و الوجه فيه كون الاطمينان حجة عقلائية شرعيّة امّا كونه حجة عقلائية فواضح ضرورة ان العرف يعامل مع الظن المتاخم للعلم الذى يعبر
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الاوّل ح ـ 6.
- 2 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الاوّل ح ـ 7.