ومكاناً مرّتين، بل لا يقع الشيء الواحد تحت دائرة الإرادة إلاّ مرّة واحدة،فإنّها كما عرفت أمر إضافي متقوّم بالمراد، ولا يعقل أن يتقوّم إرادتان بمرادواحد من جميع الجهات، وكذا لا يعقل أن يكون الشيء الواحد تحت أمرتأسيسي متعدّد(1).
وبالجملة: تكثّر المعلول التكويني تابع لتكثّر علّته، والأمر في الأمر علىفرض كونه سبباً لمتعلّقه بالعكس، فإنّ تكثّره تابع لتكثّر متعلّقه، سواء كانبمعنى الإرادة، أو بمعنى البعث والتحريك الاعتباري.
الرابعة: ما اختاره من مسألة الفوريّة في الشرعيّات، كما أنّ المعلول لينفكّ عن علّته في التكوينيّات، فإنّ عدم انفكاك المعلول عن علّته إنّما هولكون وجود العلّة التامّة كافياً في تحقّقه، فلا معنى للانفكاك، وأمّا الإرادةفيمكن أن تتعلّق بأمر استقبالي، كوجوب الحجّ بعد الاستطاعة وقبل الموسمالمسمّى بالواجب المعلّق، فإنّ الوجوب بعدها وقبله حالي، ولكنّ الواجباستقبالي، فإثبات الفوريّة أيضاً مخدوش من هذه الجهة.
هذا حاصل ما أجاب به الإمام قدسسره عن المحقّق الحائري رحمهالله بتوضيح منّا.
فلا يمكن المناقشة فيما أفاده صاحب الكفاية بما ذكره «أعلى اللّه مقامه».
نقد كلام المحقّق الخراساني رحمهالله
ولكن يرد عليه إشكالات اُخر، فإنّه بنى عدم تحقّق الأصل اللفظي في المقامعلى مقدّمتين: اُولاهما: استحالة أخذ قصد القربة ـ بمعنى داعي الأمر ـ فيمتعلّق الأمر، ثانيتهما: كون التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة.
وبعدما عرفت من إمكان أخذ قصد القربة ـ بأيّ معنى اُخذ ـ في المتعلّق فل
- (1) نعم، لا بأس بصدور أوامر متعدّدة متعلّقة بشيء واحد إذا كان غير الأوّل تأكيديّاً. منه مدّ ظلّه.
(صفحه124)
مجال للمقدّمة الاُولى. هذا أوّلاً.
وثانياً: كون التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة أمر مختلففيه، فإنّ المشهور ذهبوا إلى أنّه تقابل التضادّ، وقالوا: الإطلاق بمعنى إلقاء القيدورفضه، لا بمعنى عدمه، فهو أمر وجودي، والتقييد أمر وجودي آخر، وليجتمعان معاً، وهذا ينطبق على التضادّ، لا على العدم والملكة، وعلى هذاستحالة التقييد لا تقتضي استحالة الإطلاق، لأنّ امتناع أحد الضدّين ليوجب امتناع الآخر، ألا ترى أنّ أحد الأجسام لو لم يقبل السواد لجهة منالجهات فهذا لا يستلزم أن لا يقبل البياض أيضاً.
وذهب بعضهم إلى أنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد من قبيل تقابل السلبوالإيجاب، وقالوا: الإطلاق عبارة عن مطلق عدم التقييد، لا عن عدم التقييدفي مورد قابل له حتّى يكون من قبيل عدم الملكة، وعليه أيضاً لا يقتضياستحالة التقييد استحالة الإطلاق، لأنّ عدم إمكان الإيجاب لا يوجب عدمإمكان السلب في تقابل الإيجاب والسلب.
فالمقدّمة الثانية أيضاً أمر مبنائي لا اتّفاقي.
سلّمنا أنّ المقابلة بين الإطلاق والتقييد مقابلة العدم والملكة، وافترضنا أنّالتقييد في ما نحن فيه ممتنع، فهل امتناع التقييد يستلزم امتناع الإطلاق؟
قال المحقّق الخراساني والنائيني رحمهماالله : نعم، بدعوى أنّ لازم كون التقابل بينالإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة اعتبار كون المورد قابلاً للتقييد، فما لميكن قابلاً له لم يكن قابلاً للإطلاق أيضاً(1).
كلام السيّد الخوئي«مدّ ظلّه» في المقام
- (1) فوائد الاُصول 1 و 2: 155.