ج2
بخروج الأوّل عن محلّ البحث ودخول الثاني فيه، وذلك لأنّ المعلول ليسمقدوراً للإنسان، بل ما هو تحت قدرته واختياره إنّما هو العلّة، وبعد تحقّقهيتحقّق المعلول قهراً، فحينما يريد الإنسان إحراق شيء مثلاً فهو يريد في الواقعإيجاد علّته التامّة، من المقتضي والشرط وعدم المانع، وأمّا نفس الإحراق فهوليس تحت اختياره، لانعدام الإحراق بانعدام علّته وإن أراده الإنسان،وحصوله بحصولها وإن لم يرده، بل هو ليس فعلاً له، بل للنار، وكذا إذا أمرالمولى ظاهراً بإحراق شيء فهو يريد واقعاً الأمر بإيجاد علّته، لعدم الفرق بينالإرادة الفاعليّة والآمريّة في ذلك، فعلى هذا كيف يبحث في ثبوت الملازمة بينوجوب المعلول ووجوب علّته مع أنّ المعلول ليس بواجب في الواقع؟!
نقد التفصيل بين العلّة التامّة وأجزائه
وفيه أوّلاً: أنّه مستلزم لكون العلّة التامّة ذا المقدّمة، لا أنّها مقدّمة خارجةعن النزاع، ومستلزم أيضاً لكون أجزاء العلّة مقدّمات داخليّة لا خارجيّة.
وثانياً: لا فرق في كون المعلول خارجاً عن تحت القدرة والاختيار بينقياسه إلى العلّة التامّة أو إلى أجزائها من السبب والشرط وعدم المانع،فالتفصيل بينهما في غير محلّه.
وثالثاً: لا نسلّم أنّ الفاعل لا يريد المعلول واقعاً، أو الآمر لا يريد البعثإليه، ألاترى أنّ مقدّمات الإرادة تتعلّق به، فإنّ الآمر بل الفاعل المباشر أيضاً،يتصوّر نفس الإحراق ثمّ يصدّق بفائدته ثمّ ينقدح في نفسه الجزم به والعزمعليه، فتوجد في نفسه الإرادة، فيأمر به الآمر ويفعله الفاعل المباشر، فهو يرىنفسه فاعلاً للإحراق ويعدّه العقلاء أيضاً كذلك.
وأمّا دعوى أنّ المعلول لا يقع تحت قدرة الإنسان فمندفعة بأنّ المقدور على
(صفحه242)
قسمين: بلا واسطة، كحركة اليد، ومعها، كالإحراق، فالمقدور مع الواسطةأيضاً مقدور.
هذا تمام الكلام في تقسيم المقدّمة إلى الداخليّة والخارجيّة، والحقّ ما ذهبإليه الإمام قدسسره من دخول كلا القسمين في محلّ البحث، لكن لا يصدق عنوانالمقدّميّة على أجزاء المركّب الحقيقي، فلا تصل النوبة إلى البحث في دخولها فيهوخروجها عنه.في المقدّمة العقليّة والشرعيّة والعاديّة
المقدّمة العقليّة والشرعيّة والعاديّة
ومنها: تقسيمها إلى العقليّة والشرعيّة والعاديّة:
فالعقليّة هي ما استحيل واقعاً وجود ذي المقدّمة بدونه، كالعلّة الموجدةبالنسبة إلى الممكن، فإنّ الممكن حيث يتساوى طرفاه بالنسبة إلى الوجودوالعدم يستحيل أن يوجد بلا علّة، وإلاّ لخرج عن الإمكان.
وأمّا الشرعيّة فالحقّ أنّها ترجع إلى العقليّة، وهذا واضح إن قلنا بكونالتوقّف والشرطيّة أمراً واقعيّاً، وإن كان العقل لا يدركها، ضرورة أنّك عرفتأنّ المراد بالمقدّمة العقليّة «ما استحيل واقعاً وجود ذي المقدّمة بدونه» سواءأدرك العقل هذه الاستحالة أو كانت أمراً فوق إدراكه، فلا يصل إليها مع قطعالنظر عن بيان الشارع.
وأمّا إن قلنا بكون الشرطيّة الشرعيّة أمراً اعتباريّاً فلأنّ اعتبار الطهارةمثلاً شرطاً للصلاة وإن كان بيد الشارع وجعله من دون أن يكون له حظّ منالواقع، إلاّ أنّ استحالة تحقّق المشروط بدون شرطه ممّا يدركه العقل كما قالالمحقّق الخراساني رحمهالله (1)، وهذا هو الجهة المهمّة في باب المقدّمة، وهو الملاك في
ج2
كونها عقليّة أو غيرها.
إن قلت: قول الشارع: «لا صلاة إلاّ بطهور» ونحوه يدلّ على كونه في مقامبيان الجهة الثانية، أعني استحالة تحقّق المشروط بدون شرطه، وأمّا الجهةالاُولى، وهي كون الطهارة شرطاً للصلاة فقد فرضها الشارع أمراً مفروغعنه، ولو كان في مقام بيان جعل الشرطيّة واعتبارها لقال: «جعلت الطهارةشرطاً للصلاة» أو «اعتبرتها شرطاً لها» ونحو هذين التعبيرين، فالحاكمباستحالة تحقّق المشروط بدون شرطه أيضاً هو الشارع لا العقل.
قلت: حكم العقل بالاستحالة في غاية الوضوح، فلابدّ من حمل مثل «لصلاة إلاّ بطهور» على جعل الشرطيّة واعتبارها ببيان أبلغ، فيكون معناه:«جعلت الطهارة شرطاً للصلاة».
وإن أبيت إلاّ عن دلالته على استحالة تحقّق المشروط بدون شرطه فلابدّمن حمله على الإرشاد إلى حكم العقل، لا أنّه يدلّ على حكم الشارعبالاستحالة هاهنا في مقابل حكم العقل بها في الواقعيّات.
والحاصل: أنّ المقدّمة الشرعيّة ترجع إلى العقليّة، سواء كانت مقدّميّتهأمراً واقعيّاً أو اعتباريّاً.
وأمّا العاديّة فالحقّ فيها ما قاله المحقّق الخراساني رحمهالله من أنّها إن كانت بمعنىأن يكون التوقّف عليها بحسب العادة، بحيث يمكن تحقّق ذيها بدونها، إلاّ أنّالعادة جرت على الإتيان به بواسطتها(1)، فهي وإن كانت غير راجعة إلىالعقليّة، إلاّ أنّه لا ينبغي توهّم دخولها في محلّ النزاع، وإن كانت بمعنى أنّالتوقّف عليها وإن كان فعلاً واقعيّاً، كنصب السلّم ونحوه للصعود على
- (1) كالصعود على الارتفاع الذي لا يزيد على متر واحد، فهو لا يستحيل أن يتحقّق بدون نصب السلّمونحوه لا ذاتاً ولا وقوعاً، إلاّ أنّ العادة جرت على الصعود عليه بواسطة مثل نصبه. منه مدّ ظلّه.
(صفحه244)
السطح(1)، إلاّ أنّه لأجل عدم التمكّن من الطيران الممكن عقلاً، فهي أيضراجعة إلى العقليّة(2)، ضرورة استحالة الصعود بدون مثل النصب عقلاً لغيرالطائر فعلاً، وإن كان طيرانه ممكناً ذاتاً(3)، إنتهى كلامه رحمهالله .
والحاصل: أنّه لا فائدة لهذا التقسيم في باب مقدّمة الواجب، لرجوعالشرعيّة إلى العقليّة، وعدم كون العاديّة محلاًّ للنزاع على أحد الفرضين،ورجوعها أيضاً إلى العقليّة على الفرض الآخر.
مقدّمة الوجود والصحّة والوجوب والعلم
ومنها: تقسيمها إلى مقدّمة الوجود، ومقدّمة الصحّة، ومقدّمة الوجوب،ومقدّمة العلم.في مقدّمة الوجود والصحّة والوجوب والعلم
ولا يخفى رجوع مقدّمة الصحّة إلى مقدّمة الوجود، ولو على القول بكونالأسامي موضوعة للأعمّ، ضرورة أنّ الكلام في مقدّمة الواجب لا في مقدّمةالمسمّى بأحدها كما لا يخفى.
ولا إشكال في خروج مقدّمة الوجوب عن محلّ النزاع، بداهة عدم اتّصافهبالوجوب من قبل الوجوب المشروط بها(4)، ضرورة أنّ اتّصافها بالوجوبكذلك قبل وجودها غير معقول، لأنّ المفروض أنّ وجوبها من قبل الوجوبالمشروط بوجودها، وكذلك اتّصافها به بعد تحقّقها، لأنّه من قبيل الأمر
- (1) وهذا إذا كان السطح مرتفعاً جدّاً بحيث يستحيل وقوعاً الصعود عليه بدون النصب، وإن كان أمراً ممكنذاتاً، فالفرق بينه وبين الفرض الأوّل أنّ تحقّق ذي المقدّمة بدونها أمر ممكن ذاتاً ووقوعاً في الأوّل،بخلاف الثاني، فإنّه وإن كان ممكناً ذاتاً إلاّ أنّه مستحيل وقوعاً. منه مدّ ظلّه.
- (2) لأنّ ظاهر قولنا في تعريف المقدّمة العقليّة: «هي ما استحيل واقعاً وجود ذي المقدّمة بدونه» أعمّ منالاستحالة الذاتيّة، فيعمّ الممكن ذاتاً المستحيل وقوعاً. منه مدّ ظلّه.
- (4) نعم، يمكن أن يتّصف بالوجوب من جهة اُخرى، كما إذا نذر تحصيل الاستطاعة للحجّ، فإنّه يصير واجبلأجل وجوب الوفاء بالنذر، لكنّه لا يرتبط بالمقام كما لا يخفى. منه مدّ ظلّه.
ج2
بتحصيل الحاصل.
وكذلك المقدّمة العلميّة، فإنّها عبارة اُخرى عن العمل بالاحتياط لتحصيلالبراءة اليقينيّة بعد العلم بالاشتغال، كالصلاة إلى أربع جهات عند اشتباهالقبلة، وغسل مقدار من العضد للعلم بغسل المرفق في الوضوء، والحاكمبوجوب الاحتياط في موارد العلم بالاشتغال هو العقل لا الشرع.
نعم، ورد في بعض موارد العلم بالاشتغال روايات أيضاً دالّة على وجوبالاحتياط، كما في مسألة اشتباه القبلة(1)، لكنّها محمولة على الإرشاد إلى حكمالعقل.
لا يقال: الكلام في المقام أيضاً في الملازمة العقليّة، فما وجه خروج المقدّمةالعلميّة عنه مع كونها واجبة بحكم العقل؟!
فإنّه يقال: البحث في المقام وإن كان في الملازمة العقليّة، إلاّ أنّ طرفيها همالوجوب الشرعي المولوي، ووجوب المقدّمة العلميّة عقلي أوّلاً، وإرشادي(2)لأجل وجوب الإطاعة ثانياً.
مضافاً(3) إلى أنّ البحث في مقدّمة الواجب، أي فيما له دخل في وجوده، لفي مقدّمة وجوبه أو العلم بوجوده.
والحاصل: أنّ تقسيم المقدّمة بهذا اللحاظ ثلاثي لا رباعي، لرجوع مقدّمةالصحّة إلى مقدّمة الوجود، ولا يدخل في محلّ النزاع إلاّ القسم الأوّل منالأقسام الثلاثة، وهو مقدّمة الوجود فقط.في المقدّمة المتقدّمة والمقارنة والمتأخّرة
- (1) وسائل الشيعة 4: 310، كتاب الصلاة، الباب 8 من أبواب القبلة، الحديث 1 و 4 و 5.
- (2) كما أنّ الأحكام الشرعيّة تنقسم إلى مولوي وإرشادي كذلك تنقسم إليهما الأحكام العقليّة، فالحكمالعقلي المولوي مثل قبح الظلم، والإرشادي مثل لزوم الاحتياط في موارد العلم بالاشتغال، فإنّه ليسمولويّاً، بل إرشادي لأجل العلم بإتيان المأمور به. منه مدّ ظلّه.
- (3) هذا دليل آخر على خروج كلا القسمين ـ أعني مقدّمة الوجوب والعلم ـ عن محلّ النزاع كما لا يخفى.م ح ـ ى.