(صفحه162)
يحصل الامتثال، ويسقط به الأمر فيما إذا كان امثتال الأمر علّة تامّة لحصولالغرض الأقصى(1)، بحيث يحصل بمجرّده، فلا يبقى معه مجال لإتيانه ثانيبداعي امتثال آخر(2)، أو بداعي أن يكون الإتيانان امتثالاً واحداً، لما عرفتمن حصول الموافقة بإتيانها وسقوط الغرض معها وسقوط الأمر بسقوطه، فليبقى مجال لامتثاله أصلاً، وأمّا إذا لم يكن الامتثال علّة تامةً لحصول الغرض،كما إذا أمر بالماء ليشرب أو يتوضّأ، فأتى به ولم يشرب أو لم يتوضّأ فعلاً، فليبعد صحّة تبديل الامتثال بإتيان فرد آخر أحسن منه، بل مطلقاً، كما كان لهذلك(3) قبله على ما يأتي بيانه في الإجزاء(4)، إنتهى كلامه.
نقد كلام المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام
وفيه: أنّه خلط بين غرض المولى المترتّب على وجود المأمور به في الخارجمن دون دخل شيء آخر فيه، كتمكّنه من الماء في المثال، وبين غرضه المترتّبعلى فعل نفسه، كرفع العطش أو حصول الطهارة، حيث إنّهما يتوقّفان علىفعل نفسه، وهو الشرب أو التوضّي زائداً على وجود المأمور به، ومن الطبيعيأنّ المكلّف لا يكون مأموراً بإيجادهما، بل هما خارجان عن تحت قدرتهواختياره، فالواجب على المكلّف ليس إلاّ تمكين المولى من الشرب أوالتوضّي، بتهيئة مقدّماتهما له، وهو يحصل بمجرّد الامتثال الأوّل.
وكيف كان، فإن حصل الغرض المترتّب على وجود المأمور به بالامتثال
- (1) كما إذا أمره بعتق رقبة، فأعتق رقبةً، فلا يبقى مجال لأن يعتق رقبةً ثانية بداعي تبديل الامتثال الأوّلبامتثال آخر، أو بداعي جعلهما امتثالاً واحداً، لحصول الغرض بالعتق الأوّل وسقوط الأمر به. منه مدّ ظلّهفي توضيح كلام صاحب الكفاية.
- (2) أي على أن يكون بدلاً من الامتثال الأوّل. م ح ـ ى.
- (3) أي إتيان هذا الفرد الجديد. م ح ـ ى.
ج2
الأوّل وسقط الأمر فلم يعقل الامتثال الثاني إلاّ تشريعاً، وإن لم يحصل وجبالإتيان بفرد آخر ثانياً، وعلى كلا التقديرين فلا معنى لجواز الامتثال الثانيأصلاً.
هذا تمام الكلام في المرّة والتكرار.
(صفحه164)
ج2
في الفور والتّراخي
المبحث الثامن: في الفور والتّراخي
لا يخفى عليك أنّ المراد بدلالتها على التراخي هو تقييد مدلولها به، بحيثيكون التراخي واجباً لا جائزاً، كما أنّ المراد بدلالتها على الفور أيضاً ذلك،والمراد بعدم دلالتها على أحدهما عدم كون مدلولها مقيّداً بالفور ولبالتراخي.
فما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمهالله من أنّ قضيّة إطلاقها جواز التراخي ليسقولاً به.
وجميع ما مرّ في مبحث المرّة والتكرار حول أنّ النزاع هل هو في تقييدالمادّة أو الهيئة أو الصيغة المركّبة منهما جارٍ هنا أيضاً طابق النعل بالنعل.
نعم، لا يجري هاهنا ما أفاده سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره في تلكالمسألة من امتناع تقييد الهيئة بالتكرار، مستدلاًّ بأنّ الشيء الواحد من جهةواحدة لا يعقل أن يتعلّق به البعث المتعدّد على نحو التأسيس، وعدم جريانهفي المقام واضح لا يحتاج إلى البيان.
وأمّا ما أفاده في آخر كلامه من أنّ تقييد الهيئة بالمرّة أو التكرار مستلزملتعلّق لحاظين مختلفين بشيء واحد فهو جارٍ في المقام أيضاً، كما يجري هنسائر المباحث المتقدّمة هناك، فلا نطيل الكلام بتكرارها.
بيان ما هو المختار في المسألة
(صفحه166)
والحقّ ما عليه المحقّقون من عدم دلالتها على الفور ولا على التراخي.
لأنّ المتبادر منها هو البعث والتحريك الاعتباري إلى الماهيّة، فلا تدلّعليهما لا بهيئتها ولا بمادّتها، ولابدّ في التقييد بأحدهما من دلالة اُخرى.
بيان أدلّة القائلين بالفور ونقده
وكلّ من ذهب إلى الفور تسلّم أيضاً عدم دلالة الصيغة عليهما لغةً، ولكنّهمأقاموا أدلّة خارجيّة لإثبات وجوب الفور في خصوص الأوامر الشرعيّة:
منها: أنّ العلل التشريعيّة كالعلل التكوينيّة طابق النعل بالنعل، فكما أنّالمعلول لا ينفكّ عن علّته التكوينيّة، فكذلك المأمور به لابدّ من إتيانه عقيبالأمر فوراً، لأنّ الأمر سبب شرعي لتحقّق المأمور به. وقد عرفت في مبحثالتعبّدي والتوصّلي أنّ هذا ما ذهب إليه المحقّق الحائري رحمهالله (1).
وفيه: أنّ تشبيه التشريع بالتكوين مطلقاً بحيث يكون وجه الشبه جميعالأوصاف الموجودة في المشبّه به لا دليل عليه، بل ممنوع، لما عرفت(2) من أنّعدم انفكاك المعلول عن علّته إنّما هو لكون العلّة التامّة كافية في تحقّقه، فليعقل الانفكاك.
نعم، قد يزيل الخالق «جلّ جلاله» علّيّتها، كما أزالها عن النار في قصّةإبراهيم عليهالسلام .
وأمّا انفكاك المعلول عن علّته مع بقاء العلّيّة فغير معقول. هذا فيالتكوينيّات.
وأمّا البعث والتحريك الاعتباري الذي هو من التشريعيّات فيمكن أن