(صفحه394)
وفعلاً.
هذا كلّه على تقدير أن يكون مرادهم الملازمة بين الوجوبين.
وأمّا إن أرادوا الملازمة بين الإرادتين الفعليّتين ـ أعني الإرادة المتعلّقةبالبعث إلى ذي المقدّمة والإرادة المتعلّقة بالبعث إلى المقدّمة ـ فإن أرادوبالملازمة العلّيّة، بمعنى أنّ الإرادة المتعلّقة بالبعث إليها متولِّدة ومترشِّحة قهرعن الإرادة المتعلّقة بالبعث إليه، ففيه: ما عرفت كراراً من عدم إمكان تحقّقإرادةٍ بدون تحقّق مباديها، من تصوّر المراد والتصديق بفائدته وغيرهما.
وإن أرادوا العلّيّة، بمعنى أنّ إرادة البعث إلى ذي المقدّمة علّة لأن تتحقّق فينفس المولى إرادة البعث إلى المقدّمة مسبوقةً بمباديها، وبعبارة اُخرى: إرادةإيجابه يوجب تصوّر إيجاب مقدّمته والتصديق بفائدته وسائر المبادئ التيتتحقّق عقيبها الإرادة، ففيه: أنّ إيجاب المقدّمة لا فائدة فيه بعد حكم العقلبلزوم إتيانها، فأين التصديق بفائدته؟!
وإن أرادوا الملازمة بين الإرادة الفعليّة المتعلّقة بالبعث إلى ذي المقدّمةوالإرادة التقديريّة المتعلِّقة بالبعث إلى المقدّمة ففيه: ما عرفت آنفاً من أنّالملازمة من مقولة الإضافة، فلا يمكن أن يكون أحد طرفيها فعليّاً والطرفالآخر تقديريّاً(1).
هذا ما أفاده سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره في المقام مع توضيح منّا.
والحاصل: أنّ الملازمة مقطوعة العدم، لما عرفت من بطلان الأدلّة التياُقيمت عليها، ومن هذا البرهان الذي أقامه الإمام قدسسره لإثبات عدمها.
التفصيل بين السبب وغيره
- (1) تهذيب الاُصول 1: 395.
ج2
ثمّ إنّه فصّل بعضهم بين السبب(1) وغيره، فقال بتحقّق الملازمة بين ذيالمقدّمة وسببه، دون غيره من أجزاء العلّة، كالمقتضي والشرط وعدم المانع.
واستدلّ على وجوب السبب بأنّ التكليف لا يكاد يتعلّق إلاّ بالمقدور،والمقدور لا يكون إلاّ هو السبب، وإنّما المسبّب من آثاره المترتّبة عليه قهراً،ولا يكون من أفعال المكلّف وحركاته أو سكناته، فلابدّ من صرف الأمرالمتوجّه إليه عنه إلى سببه(2).
نقد دليل القائلين بالتفصيل بين السبب وغيره
ولا يخفى ما فيه من أنّه ليس بدليل على التفصيل، بل على أنّ الأمر النفسيإنّما يكون متعلِّقاً بالسبب دون المسبّب، فلا يكون دليلاً على التفصيل في الأمرالغيري بأنّه متعلّق بمقدّمة دون اُخرى كما هو المدّعى.
على أنّ فساده واضح، ضرورة أنّ المسبّب مقدور للمكلّف، وهو متمكِّنمنه بواسطة السبب، ولا يعتبر في التكليف أزيد من القدرة، كانت بلا واسطةأو معها، لأنّ الحاكم على لزوم كون المكلّف به مقدوراً هو العقل، وهو ليقضي بأكثر من مطلق القدرة كما لا يخفى.
التفصيل بين الشرائط الشرعيّة وغيره
وفصّل بعضهم بين الشرط الشرعي وغيره من العقلي والعادي، فقالبالملازمة في الأوّل دون الثاني.
واستدلّ على وجوب الشرط الشرعي بأنّه لو لا وجوبه(3) شرعاً لما كان
- (1) الظاهر أنّ مرادهم بالسبب هو العلّة التامّة لا المقتضي. منه مدّ ظلّه.
- (3) المراد به الوجوب الغيري. منه مدّ ظلّه.
(صفحه396)
شرطاً، حيث إنّه ليس ممّا لابدّ منه عقلاً أو عادةً(1).
نقد دليل القائلين بالتفصيل بين الشرط الشرعي وغيره
وفيه: أنّه إن أراد عدم كونه شرطاً في الواقع وبحسب مقام الثبوت لو لوجوبه، فهو مستلزم للدور، ضرورة أنّ الوجوب الغيري لا يتعلّق بالمقدّماتإلاّ بملاك المقدّميّة، فهو يتوقّف عليها، فلو كانت المقدّميّة أيضاً متوقّفة علىالوجوب لكان دوراً مصرّحاً كما لا يخفى.
ولو أراد أنّ الشرطيّة متوقّفة في مقام الإثبات على الوجوب، يعني «لو لوجوبه شرعاً لما كان لنا طريق إلى استكشاف شرطيّته» ففيه أوّلاً: أنّه ليرتبط بما نحن فيه، لأنّ النزاع إنّما هو في الملازمة بين وجوب الشيء ووجوبمقدّمته بعد إحراز مقدّميّتها، وهذا الدليل يفيد أنّه لا طريق لنا إلى استكشافالمقدّميّة إلاّ تعلّق الوجوب الغيري بها.
وثانياً: أنّا نمنع انحصار الطريق إلى الشرطيّة في الوجوب الغيري، إذ يمكناستكشافها من الأوامر الإرشاديّة، كقوله تعالى: «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِفَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ(2)...»(3)، أو من الأوامر النفسيّةالمتعلّقة بذي المقدّمة متقيّداً بشرطه، نحو «صلِّ مع الطهارة»، والشرط علىهذا لا يكون واجباً غيريّاً ولا نفسيّاً، أمّا عدم وجوبه الغيري فواضح، وأمّعدم وجوبه النفسي فلأنّ الأمر إذا تعلّق بمقيّد فالتقيّد وإن كان داخلاً إلاّ أنّنفس القيد يكون خارجاً عن دائرة المتعلّق.
- (2) الأمر بالوضوء والغسل والتيمّم في هذه الآية الشريفة إرشاد إلى شرطيّة هذه الطهارات الثلاث للصلاة.منه مدّ ظلّه.
ج2
بل يمكن استكشاف الشرطيّة من دليل لا يتضمّن الأمر أصلاً، نحو «لصلاة إلاّ بطهور»(1).
وثالثاً: سلّمنا أنّ الطريق إلى الشرطيّة منحصر في الوجوب الغيري، لكنّالكلام في كيفيّة استكشاف كون الأمر غيريّاً، لأنّ الأمر المتعلّق بالوضوء مثلإمّا أن يكون بعبارة «توضّأ» أو بعبارة «توضّأ للصلاة»، والأوّل ظاهر فيالنفسيّة، والثاني في الإرشاد إلى الشرطيّة، فأين الأمر الغيري المولوي، كينستكشف منه الشرطيّة؟
فلا طريق لنا إلى استكشاف كون الأمر غيريّاً إلاّ بعد إحراز شرطيّةمتعلّقه، فتوقّف العلم بالشرطيّة على الأمر الغيري يستلزم الدور.
هذا تمام الكلام في مقدّمة الواجب.
القول في مقدّمة المستحبّ
وجميع ما تقدّم من المباحث يجري في مقدّمة المستحبّ أيضاً، فكلّ من قالبالملازمة بين الوجوبين هناك يقول بالملازمة بين الاستحبابين هنا، وكلّ منقال هناك باللابدّيّة العقليّة فقط وأنكر الملازمة يقول هاهنا أيضاً بالرجحانالعقلي فقط وينكر الملازمة بين الاستحبابين.
ولا يتوهّم أنّ الوضوء مثلاً واجب للصلاة المستحبّة، كما هو واجبللواجبة، لكونه شرطاً لازماً لكلتيهما، ضرورة أنّ الصلاة سواء كانت واجبةأو مستحبّة لاتقع صحيحةً إلاّ إذا كانت مع الطهارة.
فإنّ هذا الوجوب وجوب شرطي، لا مولوي تكليفي، وبعبارة اُخرى: إذقلنا: «يجب الوضوء للصلاة ولو كانت مستحبّة» معناه أنّه شرط لها، وأمّ
- (1) وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، الباب 1 من أبواب الوضوء، الحديث 1.
(صفحه398)
حكمه فهو الاستحباب الشرعي الغيري بناءً على الملازمة، والرجحان العقليبناءً على عدمها.
القول في مقدّمة الحرام
وفي مقدّمة الحرام خمسة أقوال:في مقدّمة الحرام
1ـ ثبوت الملازمة بين حرمة الشيء وحرمة مقدّمته مطلقاً،
2ـ عدم ثبوتها مطلقاً،
3ـ التفصيل بين العلّة التامّة في الأفعال التوليديّة، وبين غيرها، من أجزاءالعلّة مطلقاً والعلّة التامّة من الأفعال غير التوليديّة،
4ـ التفصيل بين المقدّمة الموصلة وغيرها،
5ـ التفصيل بين ما قصد به التوصّل إلى الحرام وغيره.
كلام صاحب الكفاية رحمهالله في المقام
والمحقّق الخراساني رحمهالله مع ذهابه في مقدّمة الواجب إلى تحقّق الملازمة مطلقذهب هاهنا إلى القول الثالث، وهو تحقّق الملازمة بين حرمة الشيء وحرمةعلّته التامّة في خصوص الأفعال التسبيبيّة، وعدم تحقّقها بينهما فيما إذا كانتالمقدّمة جزءً للعلّة أو علّةً تامّة لغير الأفعال التوليديّة.
وفرّق بين المسألتين(1) بأنّ المطلوب في الواجب إنّما هو وجود الفعل، وهويتوقّف على كلّ واحدة من مقدّماته، بحيث لو تركت إحداها لم يتحقّقالمطلوب، فوجوب شيء يستلزم وجوب كلّ واحدة من مقدّماته، بخلافالحرام الذي يكون المطلوب فيه ترك الفعل، فإنّ الترك يتحقّق بترك إحدى
- (1) أي مسألة مقدّمة الواجب ومسألة مقدّمة الحرام. م ح ـ ى.