(صفحه132)
لا يعلمون» فلا يشمله حديث الرفع.
ولكن يمكن الجواب عنه بأمرين:
أحدهما: أنّه لا يجوز للشارع إحالة أمر قصد القربة إلى عقولنا، لعدم اتّفاقالجميع على حكم العقل بالاشتغال عند الشكّ، فإنّ بعضهم وإن قالوا به فيمسألة الأقلّ والأكثر الارتباطيّين التي من مصاديقها الشكّ في اعتبار قصدالقربة فرضاً، إلاّ أنّ بعضهم الآخر قالوا بالبراءة فيها، ولا يمكن للشارع عدمبيان ما يعتبر في المأمور به اعتماداً على العقول، مع كونها مختلفة.
ثانيهما: فرضنا أنّ أصالة الاشتغال في مسألة الأقلّ والأكثر التي منها منحن فيه أمر عقلي بديهي لا يخالفه أحد، ولكن موضوع أصالة الاحتياط هوالشكّ في الحكم الواقعي، والشكّ فيه باقٍ بعد حكم العقل بالاشتغال أيضاً،لاستحالة رفع الحكم موضوع نفسه، فإنّه مستلزم لارتفاع نفس الحكم أيضاً،لامتناع بقائه مع ارتفاع موضوعه، فالشكّ في الحكم الواقعي موجود حتّى بعدحكم العقل بالاحتياط الذي هو حكم ظاهري، فيعمّه قوله صلىاللهعليهوآله : «رفع ما ليعلمون».
ولا يخفى عليك أنّه لا بأس بجريان الاحتياط العقلي في مورد والبراءةالشرعيّة في نفس ذلك المورد، كما أنّ بعضهم قالوا بحكم العقل في الدوران بينالأقلّ والأكثر الارتباطيّين بلزوم الاحتياط، ودلالة حديث الرفع على البراءةالشرعيّة.
وعندئذٍ فالمرجع هو الأصل الشرعي المستفاد من مثل حديث الرفع، فإنّهمحكّم على الأصل العقلي المخالف.
هذا كلّه بناءً على إمكان أخذ داعي الأمر في متعلّقه، كما هو المختار.
كلام المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام
ج2
وأمّا بناءً على ما ذهب إليه صاحب الكفاية من استحالته فقال بعدمجريان البراءة الشرعيّة أيضاً، فإليك نصّ كلامه:
ثمّ إنّه لا أظنّك أن تتوهّم وتقول: إنّ أدلّة البراءة الشرعيّة مقتضية لعدمالاعتبار وإن كان قضيّة الاشتغال عقلاً هو الاعتبار، لوضوح أنّه لابدّ فيعمومها من شيء قابل للرفع والوضع شرعاً، وليس هاهنا، فإنّ دخل قصدالقربة ونحوها في الغرض ليس بشرعي(1)، بل واقعي، ودخل الجزء والشرطفيه وإن كان كذلك، إلاّ أنّهما قابلان للوضع والرفع شرعاً، فبدليل الرفع ـ ولوكان أصلاً ـ يكشف أنّه ليس هناك أمر فعلي بما يعتبر فيه المشكوك يجبالخروج عن عهدته عقلاً، بخلاف المقام، فإنّه علم بثبوت الأمر الفعلي، كمعرفت(2)، إنتهى.
نقد ما أفاده صاحب الكفاية رحمهالله
وفيه: أنّا لا نسلّم أنّ دخل قصد القربة في الغرض دخل واقعي محض غيرمرتبط بالشارع بما هو شارع أصلاً، كيف، واعترف المحقّق الخراساني رحمهالله بأنّالشارع بما هو شارع يتمكّن من بيانه في مقام بيان تمام ما له دخل في حصولغرضه، وإن لم يكن له دخل في متعلّق أمره، واستنتج منه جواز التمسّكبالإطلاق المقامي إذا سكت في هذا المقام عن نصب دلالة على دخل قصدالامتثال في حصول غرضه، فقصد القربة ليس أمراً واقعيّاً محضاً كالتكوينيّاتالتي لاترتبط بالشارع بما هو شارع أصلاً، نعم، لا يتمكّن من أخذه في متعلّقأمره فرضاً، ولكن له طريق آخر إلى بيانه، بأن يبيّن بنحو الإخبار تمام ما له
- (1) لأنّ المفروض عدم إمكان أخذ مثل قصد القربة في متعلّق الأمر شرعاً، فليس وضعه بيد الشارع حتّىيكون رفعه بيده. منه مدّ ظلّه في توضيح كلام صاحب الكفاية.
(صفحه134)
دخل في حصول غرضه، حتّى قصد القربة الذي لا يتمكّن من أخذه فيالمتعلّق، فبهذا الطريق وضعه ورفعه بيد الشارع، فلا إشكال في كونه منصغريات حديث الرفع عند الشكّ في دخله في الغرض.
وتلخّص من جميع ما ذكرناه إلى هنا أنّا نتمكّن من التمسّك بالإطلاقاللفظي، لاستظهار توصّليّة الأمر، ومن إجراء البراءة العقليّة والشرعيّة، لنفيلزوم الإتيان بقصد القربة في موارد الشكّ في اعتباره.
هذا تمام الكلام في التعبّدي والتوصّلي.
ج2
في دوران الوجوب بين كلّ من النفسي والتعييني والعيني وبين ما يقابله
المبحث الخامس: في دوران الوجوب بين كلّ من النفسي
والتعييني والعيني وبين ما يقابله
كلام صاحب الكفاية في المقام
قال المحقّق الخراساني رحمهالله : قضيّة إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسيّاً تعيينيّعينيّاً، لكون كلّ واحد ممّا يقابلها يكون فيه تقيّد الوجوب وتضيّق دائرته(1)،فإذا كان في مقام البيان، ولم ينصب قرينة عليه، فالحكمة تقتضي كونه مطلقاً،وجب هناك شيء آخر أو لا، أتى بشيء آخر أو لا، أتى به آخر أو لا، كما هوواضح لا يخفى(2)، إنتهى.
نقد كلام المحقّق الخراساني رحمهالله هاهن
- (1) توضيح ذلك: أنّ الوجوب الغيري المقدّمي مقيّد بوجوب ذي المقدّمة، لكونه مترشّحاً منه، ووجوب كلّمن طرفي التخيير في الواجب التخييري مقيّد بعدم الإتيان بالطرف الآخر، والوجوب الكفائي مقيّد بعدمإتيان شخص آخر به، فنقول: الوضوء واجب إذا وجبت الصلاة، وصوم الشهرين في كفّارة إفطار شهررمضان واجب إذا لم يأت بالخصلتين الاُخريين، ودفن الميّت واجب إذا لم يدفنه شخص آخر. منه مدّظلّه في توضيح كلام صاحب الكفاية رحمهالله .
(صفحه136)
وفيه: مناقشة واضحة، وهي أنّ الواجب ينقسم تارةً إلى نفسي وغيري،واُخرى إلى تعييني وتخييري، وثالثةً إلى عيني وكفائي، فالقسم الأوّل في هذهالتقسيمات، وهو النفسي، والتعييني، والعيني، لو كان مطلقاً وبلا قيد أصلاً، لكانمتّحداً مع المقسم، ولابدّ في كلّ تقسيم من كون كلّ قسم مشتملاً على المقسموشيء زائد كي لا يتّحدا.
كلام المحقّق الاصفهاني في الدفاع عمّا أفاده صاحب الكفاية
وأجاب عن هذا الإشكال تلميذه المحقّق الشيخ محمّد حسين الاصفهاني رحمهالله بأنّ كلاًّ من النفسي والتعييني والعيني أيضاً مشتمل على قيد به يمتاز عنالمقسم، ولكنّه قيد عدمي(1)، وأمّا ما يشتمل عليه القسم المقابل لكلّ منها فهوقيد وجودي، والقيد الوجودي يحتاج إلى البيان، وأمّا العدمي فيكفي فيه عدمنصب القرينة على الوجودي المقابل له، فإطلاق الصيغة يقتضي كون الوجوبنفسيّاً تعيينيّاً عينيّاً، كما قال المحقّق الخراساني رحمهالله (2).
نقد ما أفاده المحقّق الاصفهاني رحمهالله في المقام
وفيه أوّلاً: أنّه خلاف ظاهر كلام صاحب الكفاية رحمهالله ، فإنّ ظاهره كون كلّمن النفسي والتعييني والعيني خالياً عن أيّ قيد، وجوديّاً كان أم عدميّاً.
وثانياً: أنّه إن أراد بالقيد العدمي، العدم بنحو السلب التحصيلي الذييصدق مع انتفاء الموضوع، فهو بيّن البطلان، لأنّ قوله: «النفسيّة ليست إل
- (1) فإنّ النفسيّة ـ عند هذا المحقّق ـ ليست إلاّ عدم كون الوجوب للغير، وكذا البواقي. راجع نهاية الدراية1: 353.
- (2) نهاية الدراية 1: 353.