أمّا البحث بحسب مقام الثبوت فقال المحقّق صاحب الكفاية قدسسره : فاعلم أنّهيمكن أن يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار كالتكليفالاختياري في حال الاختيار وافياً بتمام المصلحة وكافياً فيما هو المهمّ والغرض،ويمكن أن لا يكون وافياً به كذلك، بل يبقى منه شيء، أمكن استيفائه أو ليمكن(1)، وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه أو يكون بمقدار يستحبّ. فهذهأربعة أنحاء ممكنة بحسب مقام الثبوت.
ومقتضى الصورة الثالثة ـ أعني ما إذا كان الباقي ممّا يمكن ويجب تداركه عدم الإجزاء، بخلاف باقي الصور، فلو ثبت في مقام الإثبات أنّ الأمرالاضطراري وقع على واحدة من الصور الثلاثة الاُخر إجمالاً ولو لم تكنمتعيّنة كان مجزياً.
أمّا الإعادة فلا تجب قطعاً على ما ذهبنا إليه في المقدّمة الخامسة تبعللإمام رحمهالله من عدم تعدّد الأمر في المقام، لأنّ الأمر سقط بمجرّد الإتيان بالمأموربه ولا يكون أمر آخر في البين، فليس شيء يقتضي الإتيان به ثانياً، بل بناءًعلى وحدة الأمر يرجع ما نحن فيه إلى الموضع الأوّل من البحث الذي كانالإجزاء فيه من الأحكام العقليّة البديهيّة.
على عدم وجوب أكثر من صلاة واحدة في الوقت المضروب لها.
كلام الإمام الخميني رحمهالله في المقام
ولو لم يكن لنا إجماع على ذلك فللإمام رحمهالله تفصيل متين حيث قال:
ولو فرضنا عدم قيام الإجماع المذكور لاستفدنا من الأدلّة أنّ تعدّد الأمرليس لأجل تعدّد المطلوب، بأن تكون الصلاتان مطلوبتين مستقلّتين، بللأجل امتناع جعل الشرطيّة والجزئيّة استقلالاً، وأنّه لابدّ في انتزاع شرطيّةالطهارة الترابيّة في حال العجز من شمول الأمر ووقوعها تحت الأمر حتّى تعلمشرطيّتها، فيكون تعدّد الأمر من ضيق الخناق، كتعدّده في القربيّات منالأوامر على القول بعدم إمكان أخذ ما يأتي من قبل الأمر في موضوعه،فحينئذٍ الأمر الثاني ليس لإفادة مطلوب مستقلّ، بل لأجل جعل شيء شرطللمأمور به تبعاً للأمر المتعلّق بالمقيّد به.
وبالجملة: ماهيّة المأمور به واحدة، والأمر المتعلّق بها أيضاً واحد واقعاً،إلاّ أنّها مشروطة بشرطين، ولا يتمكّن الشارع من بيانهما للمكلّف إلاّ فيضمن أمر، فيضطرّ إلى أمرين ظاهريّين لأجل بيان الشرطين، فيقول: «أيّهالواجد للماء صلِّ مع الوضوء» و«أيّها الفاقد للماء صلِّ مع التيمّم» لكنّالتكليف في الواقع واحد متعلّق بماهيّة واحدة، وعلى هذا المبنى يكون مقتضىالقاعدة هو الإجزاء أيضاً، لأنّ تعدّد الأمر ليس ناشئاً من تعدّد المطلوبوالمصلحة حتّى لا يكون استيفاء الواحد منهما مغنياً عن الآخر.
نعم، لو فرضنا أنّ تعدّد الأمر لأجل تعدّد المطلوب، وأنّ البدل ـ وهوالصلاة مع التيمّم ـ مطلوب مستقلّ، والمبدل ـ وهو الصلاة مع الوضوء مطلوب مستقلّ آخر، وفرضنا أيضاً أنّ دليل المبدل مطلق يعمّ صورة الإتيان
(صفحه198)
بالبدل وصورة عدم الإتيان به، فمقتضى القاعدة عدم إجزاء الصلاة مع التيمّمفي أوّل الوقت عن الصلاة مع الوضوء بعد وجدان الماء في وسطه، لأنّ إجزاءأحد الأمرين عن الآخر مع تعدّد المطلوب نظير إجزاء الصلاة عن الصوم.
فعدم الإجزاء متوقّف على أربع مقدّمات: 1ـ تعدّد الأمر، 2ـ كون التعدّدناشئاً عن تعدّد المطلوب لا عن الاضطرار إليه، 3ـ عدم قيام الإجماع علىكفاية صلاة واحدة في الوقت المحدّد لها، 4ـ إطلاق دليل المبدل، وبانتفاء كلّواحدة من هذه المقدّمات الأربع يثبت الإجزاء.
إن قلت: لو كان دليل البدل أيضاً مطلقاً فهو يعارض إطلاق دليل المبدل.
قلت: كلاّ، فإنّ إطلاق دليل البدل لا يقتضي إلاّ مشروعيّة الصلاة مع التيمّمفي أوّل الوقت، وأمّا إجزائها عن الصلاة المأمور بها بأمر آخر وقت زوالالعذر فلا يدلّ عليه، وبعبارة اُخرى: الإطلاق الموجود في دليل البدل ليقتضي إلاّ جواز البدار في إتيانه وسقوط أمره لدى امتثاله، لا سقوط أمرآخر(1).
هذا حاصل كلام الإمام رحمهالله .
والحاصل: أنّ عدم الإجزاء يتوقّف على المقدّمات الأربع السابقة، وقدعرفت منع الاُولى منها، وأنّه ليس لنا إلاّ أمر واحد.
هذا تمام الكلام في الإعادة.
ويجري في القضاء أيضاً ما جرى في الإعادة، لكن بتفاوت يسير في تقريببعض مقدّمات عدم الإجزاء، فإنّا لو قلنا أوّلاً بتعدّد الأمر، وثانياً بكونه ناشئعن تعدّد المطلوب، وثالثاً بعدم قيام الإجماع على كفاية صلاة واحدة إمّا أداءًأو قضاءً، ورابعاً بأنّ دليل القضاء ـ وهو «اقض ما فات» مثلاً ـ مطلق يعمّ
- (1) تهذيب الاُصول 1: 263.