(صفحه354)
المحقّق الخراساني رحمهالله في موضعين من كفايته من كون الإرادة أمراً غيراختياري، لعدم قابليّة الأمر الخارج عن تحت اختيار المكلّف لتعلّق الوجوببه، فكيف يمكن أن يأمر المولى بنصب السلّم الذي يقصد به التوصّل إلىالكون على السطح بحيث كان القيد ـ أعني قصد التوصّل وإرادته ـ لازمالتحصيل؟!
لكنّا لا نسلّم هذا المبنى، أوّلاً: لما اخترناه حينما كنّا ندرّس الكفاية، من أنّاللّه سبحانه أعطى نفس الإنسان نوعاً من الخالقيّة التي تقدر بها على خلقالإرادة، فالنفس الإنسانيّة توجد الإرادة باختيارها، وهذا لا يستلزم أنيكون النفس شريكةً له سبحانه في الخلق، ضرورة أنّ خالقيّتها في طولخالقيّته وبإعطاء منه تعالى.
وثانياً: لأنّه يستلزم أن لا يكون قصد القربة معتبراً في عمل من الأعمال،لامتناع تعلّق التكليف بأمر غير مقدور، وهل هو يلتزم بعدم لزومه فيالعبادات؟!
إن قلت: نعم، هو التزم بذلك حيث ذهب إلى استحالة أخذ قصد القربة فيمتعلّق التكليف، لاستلزامه الدور.
قلت: هو رحمهالله وإن ذهب إلى امتناع أخذه في متعلّق التكليف لذلك، إلاّ أنّهقال: العقل يحكم بلزومه في العبادات، فهو رحمهالله نفى وجوب تحصيل قصد القربةشرعاً لا لزومه عقلاً، ولو كان أمراً غير مقدور لامتنع لزومه العقلي والشرعيكلاهما، بل امتناع اللزوم العقلي أوضح من الوجوب الشرعي.
على أنّه قال بامتناع أخذه في المتعلّق إن كان بمعنى إتيان العمل بقصدامتثال الأمر، بخلاف ما إذا كان بمعنى إتيانه بقصد التقرّب به إلى ساحة المولى،أو بداعي حسنه، أو بداعي كونه ذا مصلحة، مع أنّ القصد لو كان أمراً غير
ج2
اختياري لكان تعلّق الوجوب به ممتنعاً بأيّ معنى كان، غاية الأمر أنّه إن كانبمعنى قصد امتثال الأمر كان تعلّق الوجوب به ممتنعاً لوجهين: أحدهما كونهغير مقدور، والثاني استلزامه الدور، وإن كان بأحد المعاني الاُخرى كان تعلّقالوجوب به ممتنعاً لأجل كونه غير مقدور فقط.
والحاصل: أنّ مفاد كلام الشيخ رحمهالله أمر ممكن ثبوتاً، بناءً على الاحتمالالثالث من الاحتمالات الجارية في كلامه.
وأمّا البحث عنه في مقام الإثبات فهو فرع ثبوت أصل الملازمة، ضرورةأنّا بعد إثبات الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته نتمكّن من أننبحث في أنّ طرف الملازمة هل هو نفس المقدّمة، أو هي مقيّدةً بقصد التوصّلبها إلى ذيها؟ فانتظر كي يتبيّن لك الحال هناك.
بيان الثمرة بين القول المشهور(1) وما نسب إلى الشيخ رحمهالله
وتظهر الثمرة بين القول المشهور وقول الشيخ في بعض صور ما إذا كانلواجب مقدّمة منحصرة محرّمة، وكان وجوب ذي المقدّمة أهمّ من حرمةالمقدّمة، كما إذا كان الدخول في ملك الغير مقدّمة لإنقاذ غريق، فهذا الدخولوإن كان حراماً في الأصل، إلاّ أنّه صار واجباً بعد عروض توقّف الواجبالأهمّ الفعلي المنجّز عليه، ولا فرق في ذلك بين صور المسألة عند المشهور،فهو يقع واجباً عندهم، سواء التفت إلى مقدّميّته للواجب الأهمّ أم لا، غايةالأمر يكون في صورة عدم الالتفات متجرّياً فيه.
وأمّا بناءً على مذهب الشيخ رحمهالله فيقع حراماً في صورة عدم الالتفات، لأنّ
- (1) لا يخفى عليك أنّ أصل القول بالملازمة لا يكون مشهوراً، فالمراد بالقول المشهور هنا ما هو مشهور منبين أقوال القائلين بها. منه مدّ ظلّه.
(صفحه356)
الوجوب على مذهبه مشروط بقصد التوصّل بالمقدّمة إلى ذيها، وهو فرعالالتفات.
وأمّا في صورة الالتفات فإن قصد التوصّل به إلى الواجب يقع على صفةالوجوب على مبنى الشيخ أيضاً، ولا ثمرة بينه وبين القول المشهور في هذالفرض.
بخلاف ما إذا لم يقصده، حيث إنّه يقع حراماً على قوله رحمهالله واجباً على القولالمشهور من دون أن يكون متجرّياً بالنسبة إليه، وأمّا بالنسبة إلى ذي المقدّمةـ وهو الإنقاذ في المثال ـ فلو استمرّ عدم قصده حتّى يموت الغريق، أو يصيرعاجزاً عن إنقاذه لكان عاصياً، وإن صار قاصداً للإنقاذ بعد الإتيان بمقدّمته لميكن عاصياً، غاية الأمر كان بالنسبة إلى ذي المقدّمة متجرّياً، لعدم قصده لهحين الإتيان بمقدّمته.
ولو أتى بهذه المقدّمة بداعيين أحدهما قصد التوصّل به إلى ذيها فلا إشكالفي وقوعها واجبةً عند المشهور من دون تحقّق تجرٍّ أصلاً، لا بالنسبة إليها ولبالنسبة إلى ذيها، وأمّا بناءً على قول الشيخ رحمهالله فيحتمل الوجهان: 1ـ العصيانبالنسبة إلى المقدّمة لو كان مراده من اشتراط وجوبها بقصد التوصّل أنلا تتحقّق إلاّ بهذا القصد، 2ـ عدم العصيان لو كان مراده جهة الإثبات فقطمن دون أن يكون ناظراً إلى جانب النفي، أي الوجوب مشروط بقصدالتوصّل، سواء ضمّ إليه قصد شيء آخر أيضاً أم لا.
القول حول اعتبار الإيصال في المقدّمة الواجبة
نظريّة صاحب الفصول في المقام
وذهب صاحب الفصول رحمهالله إلى اعتبار ترتّب ذي المقدّمة عليها خارجاً،
ج2
فالواجب إنّما هو المقدّمة الموصلة(1).
ولا يخفى أنّ بين المقدّمة الموصلة والمقدّمة التي قصد بها التوصّل إلى ذيهالمنسوبة إلى الشيخ رحمهالله عموماً من وجه.
وفي كلام صاحب الفصول رحمهالله أيضاً احتمالان: 1ـ أن يكون الإيصال شرطللوجوب، 2ـ أن يكون قيداً للواجب، فيكون لازم التحصيل على الثاني دونالأوّل.
لكن لابدّ من حمل كلامه بعد التأمّل على الاحتمال الثاني، لوضوح استحالةالأوّل، ضرورة أنّ الحكم بوجوب المقدّمة بعد إيصالها إلى ذيها، وبعبارةاُخرى: بعد ترتّبه عليها تحصيل للحاصل المستحيل، بل هو أقوى مرتبة منمراتب تحصيل الحاصل، حيث إنّ الفرض تعلّق الوجوب بالمقدّمة بعد تحقّقهوتحقّق ذيها كليهما، فكيف يمكن حمل كلام مثل صاحب الفصول على هذالأمر البيّنة استحالته؟!
والاحتمال الثاني أيضاً وإن وقع مورداً للمناقشة بحسب الإمكان ومقامالثبوت، إلاّ أنّه ليس بديهي الامتناع كالأوّل، مضافاً إلى إمكان الجواب عنالوجوه التي أوردوها عليه ثبوتاً.
البحث حول المقدّمة الموصلة بحسب مقام الثبوت
فإليك بيان هذه الوجوه ونقدها:
أحدها: أنّه يستلزم الدور، لتوقّف ذي المقدّمة على المقدّمة الموصلة،وبالعكس.
وفيه: أنّ تحقّق المقدّمة الموصلة متوقّف على تحقّق ذي المقدّمة، وأمّا هو فل
- (1) الفصول الغرويّة: 81 .
(صفحه358)
يتوقّف على المقدّمة الموصلة، بل على ذات المقدّمة، ألا ترى أنّ الكون علىالسطح يتوقّف على نفس نصب السلّم، لا على نصبه الموصل.
ثانيها: أنّه يستلزم التسلسل، توضيحه: أنّ كلّ جزء من أجزاء المركّبيكون مقدّمة له، فلو كان الواجب بالوجوب الغيري مركّباً من ذات المقدّمةوقيد الإيصال، فذات المقدّمة مقدّمة للواجب الغيري الذي هو عبارة عنالمقدّمة الموصلة، فلا محالة يتعلّق بها(1) وجوب غيري آخر، وحيث إنّالوجوب الغيري لا يتعلّق إلاّ بالمقدّمة الموصلة فرضاً فلابدّ من ضمّ قيدإيصال ثانٍ إليها، فالواجب بالوجوب الغيري الثاني أيضاً هو المقدّمة الموصلة،وحيث إنّها مركّبة من ذات المقدّمة وقيد الإيصال يجري فيها أيضاً جميع متقدّم طابق النعل بالنعل، فنحتاج إلى قيد إيصال ثالث ووجوب غيري ثالث،وهكذا إلى ما لا نهاية له.
وفيه: ما قد عرفت في أوائل مبحث مقدّمة الواجب(2) من أنّه لا يصدقعنوان المقدّميّة على أجزاء المركّب الحقيقي، سواء كان عقليّاً، كالنوع المركّبعقلاً من الجنس والفصل أو خارجيّاً، كالجسم المركّب خارجاً من المادّةوالصورة، وإنّما يصدق عنوان المقدّميّة على أجزاء المركّب إذا كان التركيبصناعيّاً، كتركيب البناء والسيّارة من أجزائهما، أو اعتباريّاً، كتركيب الصلاةمن أجزائها الداخلة تحت مقولات متعدّدة المعتبرة عند الشارع شيئاً واحداً ذآثار مخصوصة لازمة الاستيفاء، فأمر بها.
وما نحن فيه من قبيل المركّبات العقليّة، ضرورة أنّ الواجب بالوجوبالغيري إنّما هو المقدّمة المتقيّدة بقيد الإيصال، بحيث يكون التقيّد داخلاً والقيد
- (1) أي بذات المقدّمة. م ح ـ ى.