ج2
نعم، الكلام في تحقّق الملازمة، كما سيأتي.
بيان الثمرة بين كلام المشهور وصاحب الفصول
بقي هنا شيء، وهو بيان الثمرة المترتّبة بين قولي المشهور وصاحبالفصول.
وقيل: هي صحّة العبادة التي يتوقّف على تركها فعل الواجب وعدمها بناءًعلى كون ترك الضدّ ممّا يتوقّف عليه فعل ضدّه، فلو اشتغل بالصلاة في سعةوقتها تاركاً لإزالة النجاسة عن المسجد التي هي أهمّ، نظراً إلى فوريّةوجوبها، فالصلاة تقع صحيحة على قول صاحب الفصول وفاسدةً على القولالمشهور، أمّا فسادها على القول المشهور فلأنّ تركها واجب، لكونه مقدّمةللواجب فرضاً، فيحرم فعلها بناءً على أنّ وجوب كلّ شيء يستلزم حرمةنقيضه وبالعكس، فتقع فاسدةً، لأنّ النهي عن العبادات يقتضي فسادها وعدمكونها مقرّبة إلى المولى، وأمّا صحّتها على نظريّة صاحب الفصول فلأنّالواجب ليس ترك الصلاة مطلقاً، بل تركها الموصل إلى الإزالة، ونقيضه المحرّمإنّما هو عدم الترك الموصل، وله مصداقان: أحدهما: ترك الصلاة والإزالةكلتيهما، والثاني: فعل الصلاة الذي يجامع قهراً ترك الإزالة.
إن قلت: هذان المصداقان وإن لم يكن كلّ منهما نقيضاً للترك الموصل، إذليس لشيء واحد إلاّ نقيض واحد، وهو في المقام عدم الترك الموصل كما قلت،فكلّ من هذين الأمرين مصداق للنقيض لا نفسه، إلاّ أنّ الحرمة تسري منالنقيض إلى مصداقيه، فيصير فعل الصلاة المستلزم لترك الإزالة أيضاً حراماً،فتقع فاسدةً على قول صاحب الفصول أيضاً.
قلت: كلاّ، فإنّ حكم الشيء لا يسري إلى ملازمه فضلاً عن مقارنه أحياناً،
(صفحه370)
وما نحن فيه من قبيل المقارنة لا الملازمة، ضرورة أنّ النقيض ـ وهو عدمترك الصلاة الموصل إلى الإزالة ـ تارةً يقارن ترك الصلاة والإزالة كلتيهما،واُخرى فعل الصلاة كما عرفت، بل لو كانت بينهما الملازمة لما أوجبت سرايةالحرمة من النقيض إلى ملازمه.
نعم، لا يجوز أن يكون أحد المتلازمين حراماً والآخر واجباً أو بالعكس،لاستلزامه التكليف بغير المقدور، وأمّا اتّحادهما في الحكم فلا ملزم له، فيجوزأن يكون أحدهما واجباً أو حراماً، والآخر مباحاً.
مناقشة الشيخ رحمهالله في الثمرة المذكورة
وأورد الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله على ترتّب هذه الثمرة بأنّا لو أعملنالدقّة فنقيض ترك الصلاة أيضاً ليس فعلها، بل نقيضه عدم ترك الصلاة، وهوغير فعلها مفهوماً، وإن اتّحد معه وجوداً. وبالجملة: فعل الصلاة لا يكوننقيضاً لتركها، لأنّ نقيض كلّ شيء رفعه، ورفع الترك إنّما هو عدم الترك، وليكون الفعل مصداقاً للنقيض أيضاً إلاّ مسامحة، ضرورة أنّ الوجود لا يمكنأن يكون مصداقاً للعدم، ولا فرق في ذلك بين العدم المضاف إلى الوجود أوإلى العدم، ففعل الصلاة بالنظر الدقّي ليس نقيضاً لتركها ولا مصداقاً للنقيض،فلا تسري إليه الحرمة المتعلّقة بالنقيض كي يقع فاسداً، فتقع الصلاة صحيحةعلى كلا القولين.
وأمّا بالنظر المسامحي فكما أنّ فعل الصلاة مصداق للنقيض المحرّم فيصيرحراماً على القول المشهور، فكذلك هو مصداق مسامحي للنقيض المحرّم علىقول صاحب الفصول أيضاً، غاية الأمر أنّ له مصداقاً آخر أيضاً، وهو تركالصلاة والإزالة كلتيهما كما ذكر، ولا فرق في سراية الحكم من العنوان
ج2
إلىالمصداق بين أن يكون المصداق واحداً أو متعدّداً.
وبالجملة: لو قلنا بسراية الحرمة من العنوان إلى مصداقه المسامحي فلابدّمن القول بفساد الصلاة على كلا القولين، ولو قلنا بعدم السراية فلابدّ منالقول بصحّتها على كلا القولين أيضاً، إذ لا فرق بينهما إلاّ في وحدة المصداقالمسامحي وتعدّده، وهذا لا يكون فارقاً(1).
ما أفاده صاحب الكفاية رحمهالله في المقام
وردّه المحقّق الخراساني رحمهالله بأنّه فارق، لأنّ وحدة المصداق توجب اتّحادالعنوان معه عيناً وخارجاً، فحرمة عدم ترك الصلاة توجب حرمة ما يتّحدمعه خارجاً، وهو فعل الصلاة، بخلاف ما إذا تعدّد المصداق، فإنّه لا يوجبالاتّحاد العيني بين المفهوم والمصداق، بل لا يوجب الملازمة بينهما أيضاً، غايةالأمر أنّ العنوان يقارن تارةً هذا المصداق، واُخرى ذلك المصداق كما مرّ.
وبالجملة: قول المشهور يستلزم الاتّحاد الخارجي بين النقيض المحرّم وهوعدم ترك الصلاة وبين مصداقه، وهو فعل الصلاة، والاتّحاد الخارجي فوقالملازمة، فيوجب سراية الحرمة منه إليه، وإن كانا متغايرين مفهوماً، وأمّقول صاحب الفصول لا يستلزم أكثر من المقارنة بين النقيض المحرّم، وهوعدم ترك الصلاة الموصل، وبين مصداقيه، وهما ترك الصلاة والإزالة معاً،وفعل الصلاة، والمقارنة لاتوجب السراية، لأنّها دون الملازمة، فإذا لم تكنالملازمة موجبة لسراية حكم أحد المتلازمين إلى الملازم الآخر كما عرفت،فالمقارنة التي هي دونها لاتوجب السراية بطريق أولى(2).
- (1) مطارح الأنظار 1: 378.
(صفحه372)
بيان ما هو الحقّ في المقام
وتحقيق المسألة يستدعي بيان أمرين:
الأوّل: أنّهم اختلفوا في معنى النقيض.
فقيل: نقيض كلّ شيء رفعه، فعلى هذا نقيض الوجود هو العدم، ونقيضالعدم عدم العدم، فلا تناقض بين الوجود والعدم، وهذا ما اختاره الشيخالأعظم والمحقّق الخراساني رحمهالله كما عرفت.
وقيل: نقيض كلّ شيء إمّا رفعه أو كونه مرفوعاً به، فعلى هذا نقيضالوجود هو العدم، ونقيض العدم هو الوجود، إذ العدم يرتفع بالوجود، فهممتناقضان.
وقيل: نقيض كلّ شيء هو الذي يمانعه ويعانده بحيث لا يمكن اجتماعهما ولارتفاعهما.
الثاني: أنّ وجوب الشيء هل يقتضي حرمة نقيضه وبالعكس أم لا؟ وعلىالأوّل هل الحكم المتعلّق بالنقيض يختصّ بنفس النقيض فقط من دون أنيتجاوز منه إلى غيره أصلاً، أو يتجاوز إلى ما يتّحد معه عيناً وخارجاً؟ فيالمسألة احتمالات ثلاثة:
والحقّ عدم الاقتضاء، لأنّ نقيض الواجب لو كان حراماً وبالعكسلاستحقّ من ترك الواجب أو فعل الحرام عقوبتين، لمخالفته حكمين إلزاميّين:أحدهما وجوبي، والآخر تحريمي، وهو واضح البطلان.
فتبيّن عدم ترتّب الثمرة المذكورة على قول المشهور وصاحب الفصول،لأنّها كانت مبنيّة على أساسين: 1ـ توقّف فعل الشيء على ترك ضدّه، 2
ج2
استلزام وجوب الشيء لحرمة نقيضه، وقد عرفت عدم الاستلزام، بل الحقّعدم توقّف فعل الشيء على ترك ضدّه أيضاً، فلا تترتّب الثمرة، لبطلان كلالأساسين الذين كانت الثمرة مبتنية عليهما(1).
ولو قلنا باقتضاء وجوب الشيء حرمة نقيضه من دون أن تتجاوز إلىغيره فلا ثمرة بين القولين أيضاً بناءً على الاحتمال الأوّل لمعنى النقيض، لأنّالمحرّم إنّما هو عدم ترك الصلاة على المشهور، وعدم تركها الموصل على نظريّةصاحب الفصول، وأمّا نفس الصلاة فليست محرّمة، فتقع صحيحة على كلالقولين.
وهذا بخلاف الاحتمال الثاني لمعنى النقيض، لأنّه يقتضي فساد الصلاة علىقول المشهور وصحّتها على قول صاحب الفصول، إذ الواجب عند المشهورهو مجرّد ترك الصلاة، ونقيضه فعلها على الاحتمال الثاني لمعنى النقيض، لأنّعدم الصلاة يرتفع بوجودها كما عرفت، ولكنّ الواجب عند صاحب الفصولهو ترك الصلاة الموصل، ولا يمكن أن يكون نقيضه كلّ واحد من فعل الصلاة،وترك الصلاة والإزالة معاً، لامتناع تحقّق نقيضين لشيء واحد، فالنقيض إنّمهو أمر جامع بينهما، ولا تسري الحرمة منه إلى مصداقيه فرضاً.
وأمّا الاحتمال الثالث لمعنى النقيض فمقتضاه عدم ترتّب الثمرة بين القولين،كالاحتمال الأوّل، لفساد العبادة التي يتوقّف على تركها الواجب الأهمّ على كل
- (1) لكن يمكن أن يُقال بترتّب ثمرة اُخرى، وهي أنّ المقدّمة إذا كانت محرّمة في الأصل ومنحصرة تقعواجبة على المشهور فيما إذا كان وجوب ذي المقدّمة أهمّ من حرمة المقدّمة، ولو لم يترتّب عليها ذوالمقدّمة، غاية الأمر أنّه متجرٍّ لو لم يلتفت إلى مقدّميّتها كما تقدّم في بيان الثّمرة بين القول المشهور ومنسب إلى الشيخ رحمهالله .
بخلاف قول صاحب الفصول، فإنّها عليه لا تقع واجبة في صورة عدم ترتّب ذي المقدّمة عليها، فتقعمحرّمة موجبة لاستحقاق فاعلها العقوبة، إلاّ فيما إذا حال بينه وبين الإتيان بذي المقدّمة مانع قهري،كالعجز، فيكون معذوراً في ارتكاب هذا الحرام في هذه الصورة. م ح ـ ى.