ج2
ودلّ خبر موثّق أو أصل عملي معتبر على عدم جزئيّة الاُولى وشرطيّةالثانية، فصلّينا بدونهما، ثمّ انكشف الخلاف وتبيّن كون السورة جزءً للصلاةوطهارة موضع الجبهة شرطاً لها.
3ـ ما يرتبط بنفس التكليف، كما إذا ورد في رواية معتبرة أنّ صلاة الجمعةواجبة في عصر الغيبة، أو تمسّكنا باستصحاب وجوبها، ثمّ انكشف الخلافبعد مدّة وتبيّن أنّ صلاة الظهر كانت واجبة تعييناً في يوم الجمعة كسائر الأيّام.
لا ريب في دخول النوعين الأوّلين في محلّ النزاع.
وأمّا النوع الثالث فلا إشكال في عدم دخوله بناءً على ما هو الحقّ من عدمتعدّد الأمر، لانكشاف أنّ الأمر لم يتعلّق بصلاة الجمعة، بل بصلاة الظهر، فلمنأت بالمأمور به كي يكون مصداقاً لعنوان البحث، وهو «أنّ الإتيان بالمأموربه على وجهه هل يقتضي الإجزاء أم لا؟»، فلابدّ من الإتيان بالظهر في الوقتأداءً وفي خارجه قضاءً، ولا معنى معقول للقول بالإجزاء.
وأمّا على القول بتعدّد الأمر ـ وبأنّ للشارع أمراً ظاهريّاً متعلّقاً بمؤدّىالأمارات والاُصول، وأمراً واقعيّاً متعلّقاً بما هو المأمور به في الواقع، وهوصلاة الظهر في المثال ـ فيمكن البحث في أنّ الإتيان بالمأمور به بالأمرالظاهري على وجهه هل يقتضي الإجزاء عن الإتيان بالمأمور به بالأمرالواقعي، فلا يجب الإتيان به بعد انكشاف الخلاف، أم لا، فيجب؟
إذا عرفت هذا فلابدّ لتحقيق ما هو الحقّ في المقام من بحثين مستقلّين:
البحث الأوّل: في مقتضى الأمارات والطرق
والتحقيق فيه عدم الإجزاء بناءً على أنّ حجّيّتها بنحو الطريقيّة وأنّهأمارات عقلائيّة أمضاها الشارع، كما هو الحقّ.
(صفحه206)
توضيح ذلك: أنّ المتّبع فيها حكم العقلاء وكيفيّة بنائهم، ولا شكّ أنّعملهم بها لأجل كشفها نوعاً من الواقع مع حفظ نفس الأمر على ما هو عليهمن غير تصرّف فيه، ولا انقلابه عمّا هو عليه، وعلى هذا كيف يمكن الحكمبالإجزاء بعد انكشاف الخلاف، مع أنّ المطلوب الذي تعلّق به الأمر لم يحصلبعد، لتخلّف الأمارة، وما حصل لم يتعلّق به الأمر.
وكذلك الأمر أيضاً بناءً على كونها تأسيسيّةً، لأنّها حينئذٍ وإنكانت مجعولة من قبل الشارع، إلاّ أنّ المفروض أنّه جعلها حجّة بنحوالطريقيّة والكاشفيّة لا بنحو السببيّة، وبعد انكشاف الخلاف ظهر أنّها لم تكنطريقاً فلم تكن حجّةً، لأنّ الطريقيّة كانت علّة جعل الحجّيّة لها، فبعد ظهورعدم تحقّق العلّة ـ أعني الطريقيّة ـ يظهر عدم تحقّق المعلول ـ أعني الحجّيّة ـ لمثبت من أنّ العلّة معمّمة ومخصّصة، سواء كانت من العلل المنصوصة أوالمستنبطة.
والحاصل: أنّ مقتضى القاعدة عدم الإجزاء بناءً على حجّيّة الأمارات منباب الطريقيّة(1)، سواء كانت إمضائيّة أو تأسيسيّة.
نعم، المكلّف معذور في ترك الواقع ما لم ينكشف الخلاف.
هذا تمام الكلام بالنسبة إلى الأمارات(2).
البحث الثاني: في مقتضى الاُصول العمليّة
- (1) القول بعدم الإجزاء بناءً على الطريقيّة أمر كلّي جارٍ في الأبواب المختلفة من الفقه، وإن قلنا فيخصوص باب الصلاة بالإجزاء بمعونة حديث «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة،والركوع، والسجود». وسائل الشيعة 7: 234، كتاب الصلاة، الباب 1 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 4.منه مدّ ظلّه.
- (2) لم يتعرّض شيخنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» لبحث الأمارات بناءً على السببيّة، لأنّها خلاف الحقّ، لكن قال:المعنى المعقول لها ـ مع كونها خلاف الواقع ـ أنّ الشارع جعل للعمل على طبق مؤدّى الأمارة مصلحة بهتجبر مصلحة الواقع الفائتة عن المكلّف. م ح ـ ى.
ج2
حول الإجزاء في موارد قاعدة الطهارة
وينبغي تقديم قاعدة الطهارة(1)، لكونها من الاُصول المسلّمة التي لا يرتابفيها أحد، ومجراها ما إذا شكّ في حكمه الواقعي، ولم يكن له حالة سابقةمتيقّنة.
ولابدّ من ملاحظة دليلها أوّلاً، ثمّ قياسه إلى أدلّة الأحكام الأوّليّة ثانيحتّى يتّضح ما هو الحقّ في المقام، فنقول:
ذهب المشهور إلى أنّ مدركها هو قوله عليهالسلام : «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّهقذر»(2) ونحوه من الروايات.
كلام صاحب الكفاية حول مفاد هذه الأخبار
وذهب المحقّق الخراساني رحمهالله في مبحث الاستصحاب من الكفاية إلى عدمارتباط هذه الأخبار بقاعدة الطهارة، لأنّ صدرها دالّ على الحكم الواقعي،والغاية على الاستصحاب، إذ الصدر ظاهر في بيان حكم الأشياء بعناوينهالأوّليّة، لا بما هي مشكوكة الحكم، والغاية إنّما هي لبيان أنّ ما حكم علىالموضوع من الطهارة الواقعيّة مستمرّ ظاهراً ما لم يعلم بطروّ ضدّه أونقيضه(3)، لا لتحديد الموضوع كي يكون الحكم بالطهارة قاعدة مضروبة لم
- (1) هذا الأصل يجري في الشبهات الموضوعيّة، كما إذا شككنا في طهارة ثوب مخصوص، والحكميّة، كمإذا شككنا في طهارة حيوان متولّد من شاة وخنزير من دون أن ينطبق عليه عنوان أحدهما أو عنوانحيوان ثالث، نعم، يشترط في جريان أصالة الطهارة في الشبهات الحكميّة الفحص واليأس عن الظفربالدليل الاجتهادي، بخلاف الشبهات الموضوعيّة، فإنّ جريانها فيها لا يتوقّف على الفحص بالإجماع،وصحيحة زرارة... «قلت: فهل عليَّ إن شككت في أنّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ فقال: لا، ولكنّك إنّما تريدأن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك». وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، الباب 37 من أبوابالنجاسات، الحديث 1. منه مدّ ظلّه.
- (2) وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، الباب 37 من أبواب النجاسات،الحديث 4.
- (3) قال المشكيني في الحاشية: الحرمة والحلّيّة من قبيل الضدّين، وفي الطهارة والنجاسة وجهان مبنيّانعلى أنّ الطهارة عدم القذارة أو أمر وجودى، ولمّا كان المختار عنده هو الأوّل عطف «أو نقيضه» علىقوله: «ضدّه». كفاية الاُصول المحشّى 4: 465.
(صفحه208)
شكّ في طهارته(1).
خلافاً للمشهور، فإنّهم قالوا: إنّ المراد بكلمة «شيء» في الموضوع «شيءشكّ في طهارته الواقعيّة ونجاسته»، فالحكم المستفاد من هذه الروايات هوالطهارة الظاهريّة، وكلمة «حتّى تعلم أنّه قذر» من قيود الموضوع لا غايةاستمرار الحكم، فلايستفاد منها إلاّ حكم واحد، وهو الطهارة الظاهريّة فيمشكّ في طهارته ونجاسته الواقعيّتين.
وتحقيق هذا موكول إلى مبحث الاستصحاب، ونحن الآن نتكلّم حولالرواية بناءً على مذهب المشهور، فنقول:
لابدّ من ملاحظة اُمور مربوطة بالرواية كي يتّضح المراد منها:
1ـ أنّ الشكّ المأخوذ في موضوعها ليس هو الصفة المتعلّقة بنفس المكلّفالمتساوي طرفاها، بل المراد به عدم وجود طريق معتبر شرعي إلىالواقع كمهو واضح، فالموضوع في قاعدة الطهارة هو «شيء لم يقم على طهارتهونجاسته دليل معتبر».
2ـ هل المراد به خصوص الشكّ الباقي إلى آخر العمر، فلو شكّ اليوم مثلفي طهارة ثوبه واحتمل أن يتبدّل غداً شكّه إلى العلم بنجاسته أو طهارته لتجري قاعدة الطهارة، وتختصّ بما إذا قطع ببقاء شكّه إلى الأبد، أو يعمّ الشكّالذي يحتمل زواله أيضاً؟
الحقّ هو الثاني، لأنّ موارد الشكّ المعلوم البقاء قليلة جدّاً، لاحتمال زوالهوتبدّله إلى العلم في أكثر الموارد، وتخصيص القاعدة بتلك الموارد القليلة مخالفة
ج2
لعلّة تشريعها، وهي التسهيل على الاُمّة.
لا يقال: كون الشكّ باقياً طول العمر شرط لجريانها، لكن إحرازه ليختصّ بالعلم ببقائه، بل يمكن استصحاب بقائه بالنسبة إلى المستقبل في موارداحتمال زواله.
فإنّه يقال: يتوجّه نفس الإشكال إلى هذا الاستصحاب، لأنّ إحراز بقاءالشكّ لو كان شرطاً لجريان الاُصول فعدم جريان هذا الاستصحاب في كمالالوضوح.
فالشكّ المأخوذ في موضوع قاعدة الطهارة مطلق يشمل الشكّ الباقيإلىآخر العمر، والزائل بعد مدّة، فلا يضرّ انكشاف الخلاف بجريان القاعدة فيالزمن السابق الذي كان ظرفاً للشكّ، وإن صار الآن متعلّقاً لليقين بالنجاسة.
3ـ أنّ الطهارة الظاهريّة لا تضادّ النجاسة الواقعيّة، فيمكن أن يكون شيءنجساً واقعاً، طاهراً ظاهراً بمقتضى قاعدة الطهارة، وثبت إمكان الجمع بينالحكم الظاهري والواقعي في محلّه(1).
والمراد بالطهارة المجعولة في دليل قاعدة الطهارة إنّما هو الطهارة الظاهريّة لالواقعيّة، ضرورة أنّها لو كانت واقعيّة لاستلزم أن يكون الحكم نافيلموضوعه(2)، فإنّ الموضوع إنّما هو شيء شكّ في حكمه الواقعي، فلو كانحكمه الطهارة الواقعيّة لتبدّل الشكّ في الحكم الواقعي إلى اليقين به.
4ـ أنّه لا ريب في أنّ جريان أصالة الطهارة لأجل ترتّب آثار الطهارةالواقعيّة عليها، وإلاّ لزم أن يكون جريانها لغواً وبلا فائدة، مضافاً إلى أنّهقاعدة تسهيليّة، ولا تسهيل إلاّ في ترتّب الآثار عليها، فيجوز الصلاة في
- (1) راجع كفاية الاُصول مبحث إمكان التعبّد بالأمارات، الصفحة 317 وما بعدها.
- (2) ونفي الحكم موضوعه محال. م ح ـ ى.