(صفحه476)
واجب الوجود الذي هو واحد بوحدة حقيقيّة، وجاء في بعض الأخبار أنّالصادر الأوّل هو نور خاتم النبيّين صلىاللهعليهوآله .
وأمّا عكس هذه القاعدة أعني «الواحد لا يكاد يصدر إلاّ من الواحد» فهومحلّ خلاف بينهم، وعلى فرض كونها قاعدة مسلّمة فيمكن أن تكونمخصّصة بموارد خاصّة، ويشهد عليه أنّ الفلاسفة ذهبوا إلى جواز اجتماععلّتين على معلول واحد(1).
وثانياً: سلّمنا أنّها قاعدة مقطوعة عامّة لجميع مواردها، وأنّ لنا فيالواجب التخييري أمراً جامعاً هو المؤثّر في الغرض، لكنّه لا يقتضي أن يكونالوجوب متعلّقاً بذلك الجامع، إذ يمكن أن يتعلّق ـ كما هو ظاهر الخطاب بكلّ من الأمرين باعتبار كونهما محصّلاً للجامع الذي هو مؤثّر في الغرض.
بل الطريق منحصر فيه، إذ لا يتمكّن المولى تفهيم لزوم الإتيان بالأطرافـ التي لا سنخيّة بينهما بحسب الظاهر، كعتق الرقبة أو صيام شهرين متتابعينأو إطعام ستّين مسكيناً ـ إلاّ بتوجيه الأمر إلى نفس هذه الأطراف بنحوالتخيير.
وبالجملة: لامجال للتفصيل المذكور فيالكفاية بين ما إذا كان الغرض واحدأو متعدّداً بإرجاع الأوّل إلى الواجب التعييني، لعدم ملزم عقلي على رفع اليدعن ظهور الخطابات في التخيير الشرعي، والقول بكون التخيير عقليّاً.
إشكال ودفع
- (1) واعترف به المحقّق الخراساني رحمهالله في آخر مبحث الواجب الكفائي بقوله: كما هو قضيّة توارد العللالمتعدّدة على معلول واحد. كفاية الاُصول: 177.
ثمّ اعلم أنّ الواحد شخصي ونوعي، وقال في كتاب «تعليقة على نهاية الحكمة ص245»: إنّ امتناع صدورفعل واحد شخصي عن فواعل متعدّدة تامّة الفاعليّة واضح لا خلاف فيه، وأمّا امتناع صدور النوع الواحدمن المعلول عن علل كثيرة فممّا وقع فيه الخلاف، ثمّ نقل بعض آراء الحكماء في ذلك. م ح ـ ى.
ج2
نعم، في هذا الباب شبهة مهمّة، وهي أنّ الإرادة صفة حقيقيّة قائمة بنفسالمريد، وتشخّصها بتشخّص المراد، كما أنّ تشخّص سائر الأوصاف النفسانيّةذات الإضافة بتشخّص ما تضاف إليه، كالعلم الذي تعيّنه بتعيّن المعلوم، ولفرق في ذلك بين الإرادة التكوينيّة والتشريعيّة، فكما أنّه لا يمكن إبهام المراد فيالإرادة التكوينيّة التي يباشر فيها المريد فعل المراد بنفسه، بحيث لا يصحّ أنيقول: «اُريد أن أعمل عملاً غير معيّن عندي» فكذلك في التشريعيّة التي يريدفيها المريد وجود العمل بسبب العبد ونحوه بتوجيه الأمر إليه، فلايمكن أنيكون الواجب مبهماً مردّداً بين شيئين أو أشياء، كما هو المدّعى في الواجبالتخييري.
إن قلت: تعلّق العلم الإجمالي بالأمر المبهم المردّد بين طرفين أو أكثر دليلعلى عدم لزوم تعيّن ما يضاف إليه الصفات النفسانيّة.
قلت: متعلّق العلم الإجمالي معلوم معيّن، ولكن تطبيقه على الطرف الذيينطبق عليه في الواقع مجهول لنا. توضيح ذلك: أنّ لنا في العلم التفصيلي علمين:أحدهما العلم بوجود الخمر هاهنا مثلاً، والآخر العلم بتطبيق ذلك الخمرالموجود على هذا الإناء المعيّن، وفي العلم الإجمالي لنا علم واحد متعلّق بأنّالخمر هاهنا موجود ولا إبهام فيه، بل المبهم انطباقه على إناء خاصّ ولميتعلّق العلم به.
والحاصل: أنّه لا يمكن تحقّق الإرادة مع إبهام المراد، ولا فرق في ذلك بينالتكوينيّة منها والتشريعيّة.
ولعلّ هذه الشبهة الجأتهم على أن يذهبوا إلى أنّ الواجب في الواجبالتخييري واحد معيّن عند اللّه، أو أحدهما، أو ما يختاره المكلّف.
والجواب: أنّها إنّما تلزم لو لم يكن في الواجب التخييري إلاّ وجوب واحد
(صفحه478)
متعلّق بأمر مردّد بين الشيئين أو الأشياء، مع أنّ الأمر ليس كذلك، لتعدّدالوجوب بتعدّد الأطراف، فهنا إرادة مستقلّة وبعث مستقلّ متعلّقان بهذا،وإرادة اُخرى وبعث آخر متعلّقان بذاك، فالإرادة والبعث متكثّران بتكثّرالمراد والمبعوث إليه، والسرّ فيه هو أنّ الآمر إذا رأى أنّ في كلّ من الشيئينمصلحةً ملزمة وافية بغرضه بحيث يكون كلّ منهما محصّلاً للغرض ولم يكنبينهما جامع قابل لتعلّق الأمر به فهو يتوصّل لتحصيل غرضه بالبعث إلى كلّمنهما بتخلّل لفظة «أو» وما في معناها لإفهام أنّ كلّ واحد محصّل لغرضه وليلزم الجمع بينهما.
فلا تكون الإرادة في التعييني والتخييري سنخين، ولا المبعوث إليه فيهممتفاوتين، غير أنّ الفرق بينهما هو كون الواجب التعييني بنفسه محصّلاً للغرضليس إلاّ، وفي الواجب التخييري يكون المحصّل للغرض كلاًّ من الشيئين أوالأشياء، ولإفادة ذلك يتخلّل لفظة «أو» وما في معناها من غير لزوم إبهامالإرادة أو المراد.
ويؤيّده أنّك إن قلت: «الأمران الفلانيّان واجبان شرعاً» فلسائل أنيسألك: «هل وجوبهما تعييني أو تخييري؟» مع أنّه لا مجال لهذا السؤال بناءًعلى وحدة الوجوب والواجب في التخييري، لظهور قولك المذكور بنفسه فيتعدّدهما المساوق للواجب التعييني فرضاً.
ولا فرق في ذلك بين صور الواجب التخييري.
ففيما(1) إذا كان للمولى غرض واحد يقوم به كلّ واحد من الطرفين بحيثإذا أتى بأحدهما حصل به تمام الغرض، يكون كلّ منهما واجباً مراداً بإرادةمستقلّة، لكن لا يجب الجمع بينهما، لحصول الغرض بأحدهما.
- (1) هذه هي الصورة الاُولى المذكورة في الكفاية. م ح ـ ى.
ج2
وكذلك يجب كلّ منهما فيما(1) إذا كان له في كلّ واحد منهما غرض مستقلّلايكاد يحصل مع حصول الغرض في الآخر بإتيانه، وحيث لا يمكن الجمع بينالغرضين فعلى العبد تحصيل واحد منهما بإتيان أحد الطرفين.
والأمر أيضاً كذلك فيما(2) إذا كان له في كلّ منهما غرض مستقلّ يمكنتحصيله حتّى مع حصول الغرض في الآخر، لكن اعتبر في لزوم تحصيله عدمحصول الآخر قبله، ففي هذه الصورة أيضاً كلّ منهما واجب ذو مصلحةملزمة، مراد بإرادة مستقلّة، لكن يجوز تركه عند الإتيان بالآخر، إذ لزوماستيفاء كلّ من المصلحتين مشروط بعدم استيفاء الاُخرى قبلها.
والحاصل: أنّ الواجب التخييري لا يستلزم تعلّق الإرادة بمراد مبهم في أيّةصورة من صوره الثلاث، فهو سنخ خاصّ من الوجوب في مقابل التعييني.
البحث حول إمكان التخيير بين الأقلّ والأكثر
بقي الكلام في أنّه هل يمكن التخيير بين الأقلّ والأكثر ـ كأن يكون الواجبفي الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة التسبيحات إمّا مرّة واحدة أو ثلاثمرّات ـ أم لا؟
تحرير محلّ النزاع
وليعلم أنّ النزاع إنّما هو فيما إذا كان كلّ من الأقلّ والأكثر واجباً تخييراً، لفيما إذا كان الأقلّ واجباً على كلّ حال وما زاد عليه مستحبّاً أو مباحاً فيصورة اختيار الأكثر، وأيضاً النزاع فيما إذا اُخذ الأقلّ لا بشرط بالنسبة إلى
- (1) هذه هي الصورة الثانية المذكورة في الكفاية. م ح ـ ى.
- (2) هذه صورة ثالثة لم يذكرها المحقّق الخراساني رحمهالله . م ح ـ ى.
(صفحه480)
الزيادة، وأمّا المأخوذ بشرط لا فالتخيير بينه وبين الأكثر من قبيل التخييربين المتباينين، لعدم تحقّق الأقلّ كذلك في ضمن الأكثر.
برهان القائل بالامتناع
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ بعضهم ذهب إلى عدم إمكانه، بدعوى أنّه معتحقّق الأقلّ في الخارج وحصوله يحصل الغرض، فإذن يكون الأمر بالأكثرلغواً، فلا يصدر من الحكيم، سواء كان تدريجي الوجود(1)، كالتخيير بين قراءةالتسبيحات مرّة واحدة أو ثلاث مرّات، أو دفعي الوجود، كالتخيير بينترسيم خطّ طوله شبر واحد أو شبران دفعةً، بأن يلطّخ مثلاً حدّ مسطرةبالحبر ويضربها دفعة على القرطاس.
والتحقيق يقتضي أن نبحث في كلّ من التدريجيّات والدفعيّات على حدة.
القول في التدريجيّات
كلام صاحب الكفاية فيه
ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى إمكان التخيير بين الأقلّ والأكثر حتّى فيالتدريجيّات، وأجاب عن الدليل المتقدّم في كلام القائل بالاستحالة بأنّ المحصّلللغرض فيما إذا وجد الأكثر هو الأكثر لا الأقلّ الذي في ضمنه، بمعنى أنّه يكونلجميع أجزائه حينئذٍ دخل في حصوله، وإن كان الأقلّ لو لم يكن في ضمنهكان وافياً به أيضاً.
وبالجملة: لا يكاد يترتّب الغرض على الأقلّ في ضمن الأكثر، وإنّما يترتّب
- (1) والاستحالة فيه أوضح من دفعي الوجود. منه مدّ ظلّه.