يوصلهم القول بالترتّب إلى هذا الغرض، لأنّ الشرط إن كان نفس العصيانبنحو الشرط المتأخّر(1)، أو العزم عليه(2) بنحو الشرط المقارن، فالأمر بالأهمّلم يسقط في ظرف تحقّق شرط الأمر بالمهمّ، فيجتمع الأمران في زمان واحد،وهو مستحيل(3)، كما إذا كانا واجبين مطلقين، لأنّ ملاك الاستحالة هناك إنّمهو عدم قدرة العبد على الإتيان بهما معاً، وهو متحقّق هاهنا أيضاً، وإن كانالشرط هو العصيان بنحو الشرط المقارن، بمعنى أنّ الأمر بالمهمّ مشروطبعصيان الأمر بالأهمّ خارجاً ويتحقّق مقارناً معه لا متقدّماً عليه، فالعصيانالخارجي يوجب سقوط الأمر بالأهمّ وعدم تحقّقه في ظرف تحقّق الأمربالمهمّ(4).
وبعبارة اُخرى: لنا شيء واحد لو تحقّق لتحقّق عقيبه الأمر بالمهمّ وسقطالأمر بالأهمّ، وهو العصيان، فليس لنا زمان واحد تعلّق فيه الطلب بالضدّينلكي يقال: يمكن تصحيحه بالترتّب كما هو غرض القائلين به.
والحاصل: أنّ ما يكون من قبيل الجمع بين طلب الضدّين في زمان واحدفهو مستحيل، وما ليس بمستحيل فليس منه، فأين رفع استحالة طلبهما في
زمان واحد بالترتّب كما هو غرض القائل به؟!
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في المسألة ونقده
ثمّ إنّ المحقّق النائيني رحمهالله من القائلين بالترتّب.
واستدلّ عليه بأنّ لنا فروعاً كثيرة في الفقه لا يمكن تصحيحها إلاّ به، وأدلّدليل على إمكان شيء وقوعه.
وبملاحظة جميع ما قدّمناه حول مسألة الترتّب يمكن الجواب عمّا ذكره منالفروع، ولكن لا بأس بذكر ما هو أهمّها والجواب عنه.
وقبل ذلك نقدّم اُموراً كي يتّضح الحال في جميع تلك الفروع:
الأوّل: أنّ مورد الترتّب هو ما إذا كان العبد عاجزاً عن امتثال الأمرين فيزمان واحد، فلو كان قادراً على إقامة الصلاة وتطهير المسجد مثلاً معاً لم يكنهذا المثال من مصاديق الترتّب، فلابدّ من ملاحظة هذا الأمر في كلّ فرع فقهييذكر احتجاجاً على من أنكر الترتّب.
الثاني: أنّ مورده ما إذا كان الأمران متّحدين زماناً مختلفين رتبةً، فلو لميجتمعا في زمان واحد، كوجوب التوبة المتفرّع على عصيان الواجبات فلميكن من مصاديق الترتّب، لأنّ التوبة لا تجب إلاّ بعد العصيان خارجالموجب لسقوط الأمر، فلم يجتمع الأمران في آن واحد.
الثالث: أنّ الفروع الفقهيّة التي تذكر لإثبات الترتّب لابدّ من أن تكون منالفروع المسلّمة المجمع عليها، وأمّا إن كان من المسائل الخلافيّة فلمنكر الترتّبعدم قبولها.
إذا عرفت هذه الاُمور فاعلم أنّ أهمّ ما ذكره المحقّق النائيني رحمهالله من الفروعلإثبات وقوع الترتّب في الشريعة هو ما إذا حرّمت الإقامة في بلد على
ج2
المسافر(1)، فإنّه لو عصى وأقام فيه يجب عليه الصيام والإتمام، فوجوبهممترتّب على عصيان التكليف الأوّل(2).
وفيه: أنّ وجوبهما لا يتوقّف على نفس الإقامة المحرّمة، بل على قصدها،ولذا لو قصد إقامة عشرة أيّام يجب عليه الصيام والإتمام ولو انصرف عنقصده بعد أداء صلاة رباعيّة واحدة، مع أنّه لم تتحقّق إقامة العشرة، فوجوبهممترتّب على قصد الإقامة لا على نفسها.
نعم، لو حرّم عليه بالنذر وشبهه قصد الإقامة لكان للمثال وجه، حيث إنّوجوب الصيام والإتمام مترتّب عليه.
ولكنّه أيضاً ليس مصداقاً لمسألة الترتّب، لأنّ وجوب(3) الوفاء بالنذرسقط بمجرّد قصد الإقامة، لأجل العصيان، فلم يجتمع الأمران في زمان واحد،على أنّا لا نسلّم ترتّب وجوب الصيام والإتمام على عصيان تكليف آخر،كوجوب التوبة(4)، ضرورة أنّهما يجبان على كلّ من قصد الإقامة، سواء كانهذا القصد محرّماً عليه كما في المثال، أم لم يكن كسائر الموارد، غاية الأمر أنّ ميتوقّف عليه وجوبهما ـ وهو قصد الإقامة ـ مصداق للعصيان بالنسبة إلىخصوص هذا الشخص فقط.
خلاصة البحث
وحاصل جميع ما تقدّم في مسألة الضدّ أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهيعن ضدّه مطلقاً، وبعدما عرفت من أنّ الثمرة العامّة المترتّبة على هذا البحث
- (1) لأجل النذر أو نهي الوالد أو نحوهما. منه مدّ ظلّه.
- (2) فوائد الاُصول 1 و 2: 357.
- (3) وبعبارة اُخرى: حرمة قصد الإقامة. م ح ـ ى.
- (4) حيث إنّه مترتّب على عصيان تكليف آخر. م ح ـ ى.
(صفحه452)
هي حكم الفقيه بحرمة الضدّ وعدمها، سواء كان عبادة أم لا، لا نحتاجإلىالثمرة المعروفة، أعني فساد العبادة المضادّة للمأمور به بناءً على الاقتضاء،وصحّتها بناءً على عدمه، بل لا تترتّب هذه الثمرة عليه، لما عرفت من كونالصلاة صحيحة حتّى على القول بالاقتضاء، وأنكر الشيخ البهائي رحمهالله ترتّبالثمرة بوجه آخر، وهو أنّ الصلاة تكون فاسدة حتّى على القول بعدمالاقتضاء، لعدم تعلّق الأمر بها، وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله بأنّ صحّةالعبادة لا تتوقّف على الأمر، بل يكفي فيها مجرّد المحبوبيّة والرجحان، بل قدعرفت أنّ الأمر تعلّق بها أيضاً في عرض تعلّق الأمر بالأهمّ لا في رتبةمتأخّرة عنه، بناءً على ما اخترناه من عدم انحلال الخطابات إلى خطاباتمتكثّرة شخصيّة وعدم تقيّد التكاليف بالعلم والقدرة، بل قد عرفت عدمإمكان تصوير الترتّب ثبوتاً وأنّه لا دليل عليه إثباتاً.
هذا تمام الكلام في مسألة الضدّ.
ج2