شككنا في جزئيّة السورة مثلاً للصلاة وتركناها وكانت في الواقع جزءً لهفالعقل يحكم بكوننا معذورين في تركها، لأنّ العقاب بلا بيان قبيح، وأمّوجوب الإعادة أو القضاء بعد انكشاف الخلاف والعلم بجزئيّتها فلا يرتبطبحكم العقل لا إثباتاً ولا نفياً، بل هو مربوط بالمولى، فالبراءة العقليّة لتقتضي الإجزاء.
والمراد بالموصول «كلّ شيء وضعه ورفعه بيد الشارع» سواء كان حكمتكليفيّاً، كالوجوب والحرمة، أو وضعيّاً، كالجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة، فإذكانت جزئيّة السورة للصلاة مشكوكة عندنا يرفعها الشارع بمقتضى هذالحديث.
دون أن يكون في مقام بيان كيفيّتها.
3ـ أنّه لا يمكن أن يُراد بالحديث رفع الأحكام حقيقةً عند الشكّ، وإللاختصّت بالعالمين بها، وهو يستلزم الدور المحال أوّلاً، والتصويب الباطلثانياً، ومخالفته لما ورد من «أنّ للّه تعالى أحكاماً يشترك فيها العالم والجاهل»ثالثاً، فإنّ كلمة الأحكام في هذه الرواية ونحوها عامّة تشمل الأحكامالتكليفيّة والوضعيّة.
فإذا لم يمكن رفع الحكم الواقعي بالنسبة إلى الشاكّ فيه، فأيّ شيء مرفوعبحديث الرفع حينما شككنا في جزئيّة السورة، وفرض كونها جزءً للصلاةواقعاً بعد عدم إمكان رفع جزئيّتها الواقعيّة؟
إن قلت: المرفوع مؤاخذة ما لا يعلمون، كالبراءة العقليّة، فلا تقتضيالإجزاء، كما أنّها لم تكن تقتضيه.
قلت: كلاّ، فإنّك عرفت أنّ حديث الرفع يرفع كلّ أمر وضعه ورفعه بيدالشارع، والجزئيّة للمأمور به كذلك، لكونها حكماً وضعيّاً، فيمكن أن ترفع بهنفس الجزئيّة، ولا ملزم على تقدير مضاف قبل الموصول.
والحاصل: أنّ إجراء البراءة الشرعيّة في المقام من دون أن يترتّبعليها أثر، يستلزم اللغويّة، وتقدير المؤاخذة خلاف ظاهر حديث الرفع،ورفع الجزئيّة الواقعيّة مستلزم للإشكالات الثلاثة المتقدّمة، فماذا ينبغيأن يُقال؟
الذي يخطر ببالي أنّه إذا ورد قوله سبحانه: «أَقِمْ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِإِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ»(1) وفرضنا أنّ السنّة دلّت على اعتبار أجزاء وشرائطللصلاة، ثمّ حكم الشارع ـ امتناناً للاُمّة ـ برفع ما لا يعلمون من الأجزاء
(صفحه218)
والشرائط والموانع، كان مقتضى حديث الرفع أنّ السورة وإن كانت جزءًللصلاة حتّى للجاهل بجزئيّتها، إلاّ أنّه مع ذلك يجوز له امتثال قوله تعالى:«أَقِمْ الصَّلاَةَ» بالإتيان بالصلاة الفاقدة لها.
وعلى هذا فمقتضى القاعدة هو الإجزاء، لأنّ الشارع بعد إذنه في امتثالالمأمور به فاقداً للجزء المشكوك لا يحكم بعدم كونه مجزياً بعد انكشافالخلاف.
هذا تمام الكلام في أصالة البراءة.
في مقتضى أصالة التخيير(1)
وأمّا أصالة التخيير فلا ريب في عدم دخولها في النزاع فيما إذا دار الأمر فيهبين وجوب شيء وحرمته، ضرورة أنّه لو فعله ثمّ انكشفت حرمته فلا معنىللقول بالإجزاء ولا بعدمه، وكذلك لو تركه ثمّ انكشف الخلاف وتبيّن وجوبه،لعدم إتيانه بشيء أصلاً حتّى يقال بكونه مجزياً أو غير مجزٍ عن المأمور به.
ولا ريب أيضاً في عدم دخولها فيه فيما إذا دار أمر شيء بين كونه شرطاً أوجزءً للمأمور به وبين كونه مانعاً له وكان المأمور به قابلاً للتكرار في وقته،كالصلاة، ضرورة أنّه مورد الاشتغال لا التخيير، فيجب عليه الإتيان بالصلاةمع ذلك المشكوك تارةً وبدونه اُخرى، ليستيقن بتحقّق المأمور به الواقعي.
- (1) لا يعمّ النزاع أصالة الاشتغال، ضرورة أنّ كشف الخلاف في موردها لا يعقل إلاّ بأن كان المأتيّ بهبمقتضاها غير واجب، لكنّه غير قادح في صحّة العمل أيضاً، فتحقّق المأمور به الواقعي، فلم ينكشفمخالفة المأتي به للواقع كي يبحث في أنّه هل هو مجزٍ عنه أم لا، فلو قلنا في الأقلّ والأكثر الارتباطيّينمثلاً بالاشتغال، وبناءً عليه حكمنا بلزوم إتيان السورة المشكوكة الجزئيّة في الصلاة، ثمّ انكشف أنّها لمتكن جزءً لها، فلا معنى لأن يبحث في أنّ الصلاة المأتيّ بها مع السورة هل هي مجزية أم لا، لأنّ السورةوإن لم تكن جزءً لها في الواقع، إلاّ أنّها غير قادح لصحّتها أيضاً، لأنّ المفروض كون أمرها دائراً بينالجزئيّة وعدمها، لا بين الجزئيّة والمانعيّة كما لا يخفى. منه مدّ ظلّه مع توضيح منّا. م ح ـ ى.