ج2
الإتيان بالمقدّمة من غير انتظار لترتّب الواجب عليها، بل لابدّ من الانتظار،فإنّ العبد بعد الإتيان بها لا يخلو إمّا يأتي بذي المقدّمة أيضاً أم لا، فعلى الأوّلنستكشف أنّ المقدّمة المأتيّ بها كانت واجبة وسقطت لأجل الموافقة، وعلىالثاني نستكشف أنّها لم تكن واجبة بالوجوب الغيري، لعدم كونها موصلة،فلا تصل النوبة إلى أن نتسائل عن أنّ الوجوب الغيري المتعلّق بها هل سقطأم لا، وما وجه سقوطه على الأوّل؟ فإنّ الوجوب لم يتعلّق بها، بل بالمقدّمةالموصلة(1).
ويمكن إرجاع هذين الوجهين المذكورين في الكفاية ردّاً على صاحبالفصول إلى مقام الثبوت، بأنّ كلامه رحمهالله مستلزم لأمر ممتنع، وهو اختصاصالوجوب الغيري بالعلّة التامّة في خصوص الواجبات التوليديّة، ولا يمكنالقول بتضيّق دائرة الوجوب الغيري في هذا الحدّ المفرط.
وهكذا الأمر في الوجه الثاني.
وكيف كان، فجميع الإشكالات التي أوردوها على صاحب الفصول كانتخمسة كما عرفتها مع أجوبتها.
وقام بعض الأكابر بتوجيه كلام صاحب الفصول رحمهالله كي يبتعد من مجالجميع هذه الإشكالات.
كلام المحقّق الحائري رحمهالله توجيهاً لما أفاده صاحب الفصول
فقال المحقّق الحائري مؤسِّس الحوزة العلميّة بقم المقدّسة رحمهالله : إنّ الواجبذات المقدّمة، ولكن بلحاظ حال الإيصال، توضيحه: أنّ إرادة المولى لم تتعلّقبكلّ مقدّمة حال كونها منقطعةً عن سائر المقدّمات، لعدم كونها ذات أثر في
- (1) والوجوب المتعلّق بالمقدّمة الموصلة لا يسقط قبل تمام الوقت ويسقط بالعصيان بعده. م ح ـ ى.
(صفحه364)
هذا الحال، بل تعلّقت بها بلحاظ قياسها إلى سائر المقدّمات وارتباطها بها،لترتّب الأثر على مجموعتها، وهو تحقّق ذي المقدّمة عقيبها، فالواجب ليسذات المقدّمة مطلقاً ولو في حال انقطاعها عن سائر المقدّمات، لعدم ترتّبالأثر عليها في هذا اللحاظ حتّى تتعلّق بها الإرادة، ولا متقيّدة بالإيصال لكييرد عليه الإشكالات المتقدِّمة، بل الواجب ذاتها بلحاظ حال الإيصالوترتّب ذيها عليها(1).
هذا حاصل كلام المحقّق الحائري رحمهالله .
كلام المحقّق العراقي رحمهالله في توجيه مقالة صاحب الفصول
ونظيره ما أفاده المحقّق العراقي رحمهالله حيث قال ما حاصله: إنّ الواجب هوالمقدّمة في ظرف الإيصال بنحو القضيّة الحينيّة، لا مقيّدةً به بنحو القضيّةالشرطيّة، والفرق بينهما أنّه لا دخل للإيصال في الموضوع على الأوّل، وإنّما هوعنوان مشير فقط، بخلاف الثاني، لاقتضاء القضيّة الشرطيّة كون الشرطدخيلاً في الموضوع.
وبالجملة: إنّ الواجب هو المقدّمة في ظرف الإيصال، أي الحصّة من المقدّمةالتوأمة مع وجود سائر المقدّمات الملازمة لوجود ذيها، توضيح ذلك: أنّ لنوجوباً غيريّاً واحداً منبسطاً على جميع المقدّمات، كانبساط الوجوب النفسيالمتعلّق بالمركّب على جميع أجزائه، مثل وجوب الصلاة المنبسط على أجزائها،فكما أنّ الركوع مثلاً واجب لأجل بعض الأمر المتعلّق بالمركّب كذلك كلّواحدة من المقدّمات واجبة ببعض الأمر المتعلّق بجميعها، وكما أنّ الركوعالذي تعلّق به بعض الأمر ليس مطلقاً، ولا مقيّداً بانضمام سائر الأجزاء إليه، بل
ج2
تعلّق بعض الأمر بنفس الركوع لكن في ظرف كونه توأماً مع سائر الأجزاء،كذلك موضوع بعض الأمر المتعلّق بكلّ مقدّمة أيضاً ليس ذات تلك المقدّمةمطلقاً ولا بشرط انضمام سائر المقدّمات إليها، بل الموضوع ذات المقدّمة لكنفي ظرف الإيصال، أي الحصّة من المقدّمة التوأمة مع وجود سائر المقدّماتالملازمة لترتّب ذيها عليها(1).
نقد ما أفاده المحقّق الحائري رحمهالله في المقام
ويرد على المحقّق الحائري رحمهالله أنّ الواجب في مقام الثبوت ـ الذي نحن فيه إمّا نفس المقدّمة، وهو ما ذهب إليه المشهور، أو المقدّمة المتقيّدة بالإيصال،وهو ظاهر كلام صاحب الفصول الذي كان مورداً للإشكالات الخمسةالمتقدّمة مع قطع النظر عمّا قدّمناه من الأجوبة، وليس لنا في مقام الثبوت(2)أمر ثالث برزخ بين المقدّمة المطلقة والمقيّدة بقيد الإيصال باسم المقدّمة بلحاظحال الإيصال.
وبعبارة اُخرى: إنّ الآمر ـ بعد أن تصوّر المقدّمة، سواء تصوّرها وحدها أوبلحاظ حال الإيصال ـ إمّا يأمر العبد بنفس المقدّمة أو بالمقدّمة الموصلة، ولثالث في البين.
نقد كلام المحقّق العراقي رحمهالله في المقام
ويرد على المحقّق العراقي رحمهالله أنّ بين قوله: «إنّ الواجب هو المقدّمة في ظرفالإيصال بنحو القضيّة الحينيّة» وقوله: «إنّ الواجب هو الحصّة من المقدّمة
- (1) نهاية الأفكار 1 و 2: 340.
- (2) وأمّا في مقام الإثبات فتارةً يثبت لنا تعلّق إرادة المولى بالمطلق، واُخرى بالمقيّد، وثالثةً كان مراده مهملأو مجملاً، بخلاف مقام الثبوت، فإنّه لا يخلو عن الاحتمالين الأوّلين أبداً. منه مدّ ظلّه.
(صفحه366)
التوأمة مع سائر المقدّمات الملازمة لوجود ذيها» تهافتاً، ضرورة أنّ القضيّةالحينيّة لا يستفاد منها أكثر من العنوان المشير كما قال، فعلى هذا لا دخل لقيدالإيصال في موضوع الوجوب الغيري كما قال أيضاً، ولكن قوله: «إنّ الواجبهو الحصّة إلخ» ينادي بخلافه، ضرورة أنّ التحصّص لا يمكن إلاّ بتقييدالمطلق، ألا ترى أنّ تحصّص الرقبة بحصّتين لا يمكن إلاّ بتقييدها تارةً بالإيمانواُخرى بالكفر، فعبارته هذه عبارة اُخرى عن القول بالمقدّمة الموصلة بالمعنىالذي هو ظاهر الفصول، فما ذكره المحقّق العراقي رحمهالله ليس إلاّ تعويضاً للاسم، إذلا فرق في الواقع بين المقدّمة الموصلة، التي ذكرها صاحب الفصول رحمهالله ، وبينالحصّة من المقدّمة التوأمة مع سائر المقدّمات، التي ذكرها المحقّق العراقي رحمهالله .
وبالأخرة قد عرفت عند المناقشة في كلام المحقّق الحائري رحمهالله أنّ الواجب فيالواقع إمّا نفس المقدّمة، أو المقدّمة المقيّدة بالإيصال، ولا يمكن أن يكون مهملأو مجملاً، فإنّ الإهمال والإجمال مربوط بمقام الإثبات وعالم البيان، ولا يرتبطبمرحلة الثبوت، فإن أراد المحقّق العراقي رحمهالله بالحصّة التوأمة، المقدّمة المقيّدة ـ كميناسبها نفس التعبير بالحصّة ـ فهذا يرجع إلى مقالة صاحب الفصول، وإنأراد بها مطلق المقدّمة فهذا يرجع إلى كلام المشهور، ولا يمكن لنا تصوّر شيءثالث بحسب مقام الثبوت الذي نبحث فيه فعلاً.
والحاصل: أنّه لا إشكال ثبوتاً فيما ذهب إليه صاحب الفصول رحمهالله بعدمعرفت من عدم ورود الإشكالات الخمسة المتقدّمة عليه.
البحث حول المقدّمة الموصلة بحسب مقام الإثبات
بقي القول في مقام الإثبات وأنّ الأدلّة المذكورة في كلام صاحب الفصولهل هي تامّة أم لا؟
ج2
فنقول: عمدتها قوله: إنّ المطلوب بالمقدّمة مجرّد التوصّل بها إلى الواجبوحصوله، فلا جرم يكون التوصّل بها إليه وحصوله معتبراً في مطلوبيّتها، فلتكون مطلوبة إذا انفكّت عنه، وصريح الوجدان قاضٍ بأنّ من يريد شيئاً لمجرّدحصول شيء آخر لا يريده إذا وقع مجرّداً عنه، ويلزم منه أن يكون وقوعهعلى وجه المطلوب منوطاً بحصوله(1).
هذا ما نقله عنه المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية، ثمّ ناقش فيه بوجهين:
1ـ أنّ الغرض من إيجاب المقدّمة إنّما هو التمكّن من حصول ذيها لا نفسحصوله وترتّبه عليها، لأنّه غير معقول، لاستلزامه اختصاص الوجوبالغيري بالعلّة التامّة في خصوص الواجبات التوليديّة كما تقدّم(2).
هذا حاصل ما أفاده في الوجه الأوّل.
ويرد عليه ما عرفت من أنّ صاحب الفصول لا يريد بالإيصال الإيصالالتكويني القهري كما زعم صاحب الكفاية، بل الإيصال بواسطة الإرادة وضمّسائر المقدّمات إليها، بحيث يكون قيد الإيصال أيضاً لازم التحصيل مثل نفسالمقدّمة.
2ـ سلّمنا أنّ الغرض من إيجابها ترتّب ذي المقدّمة عليها، لكنّه لا يقتضيأن يكون ترتّبه عليها مأخوذاً بنحو القيديّة، بحيث لو لم يترتّب عليها لأجلمانع لم تتّصف المقدّمة بالوجوب، كيف، وهذا يستلزم أن يكون ذو المقدّمةأيضاً واجباً بالوجوب الغيري مثل ذات المقدّمة، لكون وجوده حينئذٍ منقيود المقدّمة الموصلة ومقدّمةً لوقوعها(3)، مع أنّه ليس لنا شيء فوق ذيالمقدّمة كي يكون واجباً بالوجوب الغيري لأجل ذلك الشيء.
- (3) كما تقدّم توضيحه في ص370.