ج2
فالواجب إنّما هو المقدّمة الموصلة(1).
ولا يخفى أنّ بين المقدّمة الموصلة والمقدّمة التي قصد بها التوصّل إلى ذيهالمنسوبة إلى الشيخ رحمهالله عموماً من وجه.
وفي كلام صاحب الفصول رحمهالله أيضاً احتمالان: 1ـ أن يكون الإيصال شرطللوجوب، 2ـ أن يكون قيداً للواجب، فيكون لازم التحصيل على الثاني دونالأوّل.
لكن لابدّ من حمل كلامه بعد التأمّل على الاحتمال الثاني، لوضوح استحالةالأوّل، ضرورة أنّ الحكم بوجوب المقدّمة بعد إيصالها إلى ذيها، وبعبارةاُخرى: بعد ترتّبه عليها تحصيل للحاصل المستحيل، بل هو أقوى مرتبة منمراتب تحصيل الحاصل، حيث إنّ الفرض تعلّق الوجوب بالمقدّمة بعد تحقّقهوتحقّق ذيها كليهما، فكيف يمكن حمل كلام مثل صاحب الفصول على هذالأمر البيّنة استحالته؟!
والاحتمال الثاني أيضاً وإن وقع مورداً للمناقشة بحسب الإمكان ومقامالثبوت، إلاّ أنّه ليس بديهي الامتناع كالأوّل، مضافاً إلى إمكان الجواب عنالوجوه التي أوردوها عليه ثبوتاً.
البحث حول المقدّمة الموصلة بحسب مقام الثبوت
فإليك بيان هذه الوجوه ونقدها:
أحدها: أنّه يستلزم الدور، لتوقّف ذي المقدّمة على المقدّمة الموصلة،وبالعكس.
وفيه: أنّ تحقّق المقدّمة الموصلة متوقّف على تحقّق ذي المقدّمة، وأمّا هو فل
- (1) الفصول الغرويّة: 81 .
(صفحه358)
يتوقّف على المقدّمة الموصلة، بل على ذات المقدّمة، ألا ترى أنّ الكون علىالسطح يتوقّف على نفس نصب السلّم، لا على نصبه الموصل.
ثانيها: أنّه يستلزم التسلسل، توضيحه: أنّ كلّ جزء من أجزاء المركّبيكون مقدّمة له، فلو كان الواجب بالوجوب الغيري مركّباً من ذات المقدّمةوقيد الإيصال، فذات المقدّمة مقدّمة للواجب الغيري الذي هو عبارة عنالمقدّمة الموصلة، فلا محالة يتعلّق بها(1) وجوب غيري آخر، وحيث إنّالوجوب الغيري لا يتعلّق إلاّ بالمقدّمة الموصلة فرضاً فلابدّ من ضمّ قيدإيصال ثانٍ إليها، فالواجب بالوجوب الغيري الثاني أيضاً هو المقدّمة الموصلة،وحيث إنّها مركّبة من ذات المقدّمة وقيد الإيصال يجري فيها أيضاً جميع متقدّم طابق النعل بالنعل، فنحتاج إلى قيد إيصال ثالث ووجوب غيري ثالث،وهكذا إلى ما لا نهاية له.
وفيه: ما قد عرفت في أوائل مبحث مقدّمة الواجب(2) من أنّه لا يصدقعنوان المقدّميّة على أجزاء المركّب الحقيقي، سواء كان عقليّاً، كالنوع المركّبعقلاً من الجنس والفصل أو خارجيّاً، كالجسم المركّب خارجاً من المادّةوالصورة، وإنّما يصدق عنوان المقدّميّة على أجزاء المركّب إذا كان التركيبصناعيّاً، كتركيب البناء والسيّارة من أجزائهما، أو اعتباريّاً، كتركيب الصلاةمن أجزائها الداخلة تحت مقولات متعدّدة المعتبرة عند الشارع شيئاً واحداً ذآثار مخصوصة لازمة الاستيفاء، فأمر بها.
وما نحن فيه من قبيل المركّبات العقليّة، ضرورة أنّ الواجب بالوجوبالغيري إنّما هو المقدّمة المتقيّدة بقيد الإيصال، بحيث يكون التقيّد داخلاً والقيد
- (1) أي بذات المقدّمة. م ح ـ ى.
ج2
خارجاً، والحاكم بكون التقيّد جزءً والمقدّمة جزءً آخر هو العقل الذي يحلّلالمقدّمة الكذائيّة إلى جزئين عقليّين: أحدهما ذات المقدّمة، والآخر تقيّدها بقيدالإيصال.
نعم، لو كان الواجب الغيري مركّباً من ذات المقدّمة ونفس قيد الإيصاللكان لما ذكر من الإشكال وجه.
ثالثها: أنّه يستلزم تعلّق وجوبين اثنين بذي المقدّمة، أحدهما نفسيوالآخر غيري، أمّا تعلّق الوجوب النفسي به فواضح، وأمّا تعلّق الوجوبالغيري فلكونه مقدّمة لتحقّق المقدّمة الموصلة التي تكون واجبة.
وبعبارة اُخرى: يتعلّق الوجوب النفسي بذي المقدّمة، فيترشّح منه وجوبغيري إلى المقدّمة الموصلة، ثمّ يترشّح منها وجوب غيري آخر إلىذيالمقدّمة، لتوقّفها عليه، فيصير ذو المقدّمة متعلّقاً لوجوبين: نفسي وغيري.
بل لو كان له مقدّمات متعدّدة تتعدّد الوجوبات الغيريّة المتعلّقة به بعددهكما لا يخفى، مع أنّ تعلّق حكمين أو أكثر بشيء واحد محال، فما يلزم منه هذالمحال ـ وهو اعتبار الإيصال فيما هو الواجب من المقدّمة ـ نفسه محال.
لا يقال: تعدّد العنوان يكفي لجواز تعلّق حكمين متماثلين في المقام بشيءواحد، كما أنّه يكفي لجواز اجتماع الأمر والنهي بناءً على الجواز، فيتعلّقالوجوب النفسي في المقام بالكون على السطح مثلاً بعنوان أنّه ذو المقدّمة،والوجوب الغيري به بعنوان أنّه مقدّمة للمقدّمة الموصلة الواجبة.
فإنّه يقال: كفاية تعدّد العنوان في مسألة اجتماع الأمر والنهي إنّما هي لكونحيثيّة العنوان حيثيّةً تقييديّة، لأنّ الأمر تعلّق بالصلاة والنهي بالغصب، لكنّالعبد جمع بينهما في مقام الامتثال.
بخلاف ما نحن فيه، ضرورة أنّ حيثيّة المقدّميّة حيثيّة تعليليّة، فالكون على
(صفحه360)
السطح واجب بالوجوب النفسي، وهو نفسه واجب بالوجوب الغيري أيضاً،لا عنوان المقدّمة، وإنّما هي علّة لصيرورته واجباً غيريّاً، ولا ريب في استحالةكون شيء واحد محكوماً بحكمين متماثلين أو متضادّين في مقام تعلّق الحكم.
ولكن يمكن أن يقال في جواب الإشكال: إنّ صاحب الفصول لا يقولبكون المقدّمة واجبة بالوجوب الغيري حتّى فيما إذا كانت نفس ذي المقدّمة،بل مراده غير ذي المقدّمة من سائر المقدّمات، ضرورة أنّ كلامه لو كان عامّبحيث يشمله أيضاً لكان ذو المقدّمة المتقيّد بقيد الإيصال واجباً بالوجوبالغيري على مذهبه، وهو ضروري الامتناع، لوضوح أنّ الكون على السطحالموصِل لو كان واجباً بالوجوب الغيري، فإمّا أن يكون الموصَل إليه نفسالكون على السطح أو مقدّمته الموصِلة، أعني نصب السلّم الموصِل إلى الكونعلى السطح، وكلاهما يمتنعان، لاستلزامها أن يكون الشيء موصِلاً إلى نفسهبلا واسطة في الأوّل، ومعها في الثاني، ولا فرق في استحالة كون الشيء موصِلإلى نفسه بين كونه كذلك بلا واسطة أو معها.
فلابدّ من أن يكون مراده رحمهالله من المقدّمة الموصلة الواجبة غير ذي المقدّمةلكي لا يستلزم كلامه هذا الأمر الذي استحالته بيّنة.
والحاصل: أنّه لا إشكال في كلام صاحب الفصول رحمهالله بحسب مقام الثبوتبناءً على كون الإيصال قيداً للواجب لا للوجوب.
مناقشة صاحب الكفاية في كلام صاحب الفصول رحمهالله ونقده
وأمّا إثباتاً(1) فقد أورد عليه المحقّق الخراساني رحمهالله بوجهين:
الأوّل: أنّه لا يكاد يعتبر في الواجب إلاّ ما له دخل في غرضه الداعي
- (1) سيأتي إمكان إرجاع كلام المحقّق الخراساني رحمهالله إلى مقام الثبوت. م ح ـ ى.
ج2
إلىإيجابه والباعث على طلبه، وليس الغرض من المقدّمة إلاّ حصول التمكّن منذي المقدّمة، ضرورة أنّه لا يكاد يكون الغرض إلاّ ما يترتّب عليه من فائدتهوأثره، ولا يترتّب على المقدّمة إلاّ ذلك، ولا تفاوت فيه بين ما يترتّب عليهالواجب وما لا يترتّب عليه أصلاً، لأنّ التمكّن من ذي المقدّمة يترتّب عليها لمحالة في كلتا الصورتين كما لا يخفى، وأمّا ترتّب الواجب فلا يعقل أن يكونالغرض الداعي إلى إيجابها والباعث على طلبها، لأنّه ليس بأثر كلّ واحدة منالمقدّمات، بل أثر جميعها الذي نعبّر عنه بالعلّة التامّة، ضرورة أنّ العلّة التامّةموصلة إلى المعلول، لا كلّ واحد من أجزائها، فالقول بالمقدّمة الموصلةيستلزم أن يكون لنا وجوب غيري واحد فقط متعلّق بالعلّة التامّة التي هيمجموعة المقدّمات، وأمّا كلّ واحدة منها فليست واجبة بالوجوب الغيري،لعدم كونها موصلة، بل يستلزم إنكار وجوب المقدّمة إلاّ خصوص العلّةالتامّة في خصوص الواجبات التوليديّة، لأنّ الواجبات التوليديّة هي التيتترتّب على مجموعة المقدّمات قهراً، سواء أرادها المكلّف أم لا، كترتيبالإحراق على النار قهراً بعد تحقّق المقدّمات، وأمّا الواجبات غير التسبيبيّةكالكون على السطح فلا تترتّب على مقدّماتها إلاّ بعد إرادة المكلّف إيّاها، ألترى أنّ الكون على السطح لا يترتّب على نصب السلّم إلاّ فيما إذا أراده العبد.
والحاصل: أنّ القول بالمقدّمة الموصلة يستلزم تخصيص الوجوب الغيريبالعلّة التامّة في خصوص الواجبات التوليديّة.
فإن قلت: ما من واجب إلاّ وله علّة تامّة، ضرورة استحالة وجود الممكنبدونها، فالتخصيص بالواجبات التوليديّة بلا مخصّص.
قلت: نعم، وإن استحال صدور الممكن بلا علّة، إلاّ أنّ الإرادة من متمّماتالعلّة التامّة في الواجبات غير التسبيبيّة، فلا يمكن أن تتّصف بالوجوب، لعدم