ج2
انكشاف الخلاف فيما بعد حتّى يبحث في كونه مجزياً أم لا.
فقاعدة الشكّ بعد الوقت قاعدة تسهيليّة لا تقتضي إلاّ كون المكلّفمعذوراً ما لم ينكشف الخلاف.
مقتضى أصالة الصحّة في عمل الغير(1) في المقام
الثانية: أنّ الإنسان إذا شكّ في صحّة عمل الغير وفساده، كما إذا شكّ في أنّالنائب الذي استنابه عنه أو عن مورّثه للحجّ مثلاً هل أوجده صحيحاً أوفاسداً وأجرى أصالة الصحّة في عمله ثمّ انكشف الخلاف فهل يكون مجزيأم لا؟
الحقّ أنّها لا تقتضي الإجزاء، لأنّ حجّيّتها إن كانت بملاك ظهور عملالمسلم في الصحيح منه كانت أمارةً، إذ ظاهر الحال يكون من الأماراتكظاهر المقال، وقد عرفت أنّ الأمارات لا تقتضي الإجزاء، وإن كانت حجّيّتهباستناد قوله عليهالسلام : «ضع أمر أخيك على أحسنه(2)»(3) فهي وإن كانت أصلشرعيّاً مجعولاً للشاكّ، إلاّ أنّه يختصّ بما إذا كان عمل الأخ مرتبطاً بذلكالشاكّ، كما في موارد الاستنابة، وإلاّ فلا معنى لأن نُجري أصالة الصحّة فيأعماله التي لا ترتبط بنا أصلاً كصلواته اليوميّة.
وظاهر هذه الرواية وجوب حمل عمل النائب المسلم على الصحيح من
- (1) وأمّا إجراء المكلّف أصالة الصحّة في عمل نفسه فهو شعبة من قاعدة الفراغ، ثمّ إنّ أصالة الصحّة فيعمل الغير وإن كانت تعمّ المعاملات أيضاً، إلاّ أنّها لا ترتبط ببحث الإجزاء، ضرورة أنّا لو شككنا في أنّزيداً هل تملّك داره بعقد صحيح أم لا، فأجرينا أصالة الصحّة في عمله واشتريناها منه، ثمّ انكشف فسادالعقد الذي تملّكها به فلا يجري فيه النزاع في كون أصالة الصحّة مقتضية للإجزاء أم لا كما لا يخفى،فمورد أصالة الصحّة المربوط بالمقام ما إذا استنبنا شخصاً لعمل عبادي، وعلمنا أنّه فعله، لكن شككنا فيأنّه هل فعله صحيحاً كي يوجب براءة ذمّتنا أم فاسداً كي لا يوجب؟ منه مدّ ظلّه.
- (2) كلمة «أحسن» هاهنا لا تفيد التفضيل، بل هي بمعنى كون عمله حسناً صحيحاً. منه مدّ ظلّه.
- (3) وسائل الشيعة 12: 302، كتاب الحجّ، الباب 161 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3.
(صفحه224)
حيث الآثار المترتّبة له، كاستحقاقه اُجرة النيابة، لا من حيث الآثار المترتّبةللمستنيب، كبراءة ذمّته، بل لو شككنا في ذلك لاقتضت القاعدة بقاء اشتغالذمّته.
وبالجملة: أصالة الصحّة في عمل النائب لا تجري بالنسبة إلى فراغ ذمّةالمستنيب، ولو سلّمنا جريانها فلا ريب في أنّها لا تقتضي الإجزاء بعد كشفالخلاف.
هذا تمام الكلام في مبحث الإجزاء.
ج2
في مقدّمة الواجب
الفصل الرابع
في مقدّمة الواجب
وقبل الخوض في المقصود ينبغي رسم اُمور:
الأوّل: في تحرير محلّ النزاع
قال المحقّق الخراساني رحمهالله : الظاهر(1) أنّ المهمّ المبحوث عنه في هذه المسألةالبحث عن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته، فتكون مسألةاُصوليّة، لا عن نفس وجوبها ـ كما هو المتوهّم من بعض العناوين ـ كي تكونفرعيّة(2)، وذلك لوضوح أنّ البحث كذلك لا يناسب الاُصولي، والاستطراد لوجه له بعد إمكان أن يكون البحث على وجه تكون من المسائل الاُصوليّة.
ثمّ الظاهر أيضاً أنّ المسألة عقليّة، والكلام في استقلال العقل بالملازمةوعدمه، لا لفظيّة كما ربما يظهر من صاحب المعالم، حيث استدلّ على النفي
- (1) حيث إنّهم ذكروا هذا البحث في الاُصول لا في الفقه. منه مدّ ظلّه.
- (2) أي قاعدة فقهيّة، والفرق بين المسألة الفقهيّة والقاعدة الفقهيّة ـ بعد كونهما مشتركتين في كون موضوعكلّ منهما من أفعال المكلّفين ومحموله حكماً شرعيّاً تكليفيّاً أو وضعيّاً ـ أنّ عنوان الاُولى حاكٍ عنمعنون واحد، كما إذا قيل: «صلاة الجمعة واجبة» بخلاف الثانية، فإنّ لعنوانها معنونات كثيرة، كقولهم:«كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» الذي يعبّر عنه بقاعدة «ما يضمن» حيث إنّه يعمّ البيع والإجارةونحوهما، وقولهم: «مقدّمة الواجب واجبة» حيث إنّه يعمّ كلّ شيء يتوقّف عليه واجب من الواجبات.منه مدّ ظلّه.
(صفحه226)
بانتفاء الدلالات الثلاث، مضافاً إلى أنّه ذكرها(1) في مباحث الألفاظ(2).
إنتهى موضع الحاجة من كلامه.
نكتتان حول ما أفاده قدسسره :
الاُولى: أنّ النزاع إنّما هو في الوجوب الشرعي المولوي المتعلّق بالمقدّمة، لفي لزومها العقلي، سواء كان البحث في نفس وجوبها كما عبّر به كثير منالاُصوليّين، أو في الملازمة كما قال المحقّق الخراساني رحمهالله ، ضرورة أنّ لابدّيّتهالعقليّة أمر متّفق عليه عند الكلّ، فالملازمة وإن كانت عقليّة، إلاّ أنّ طرفيهحكمان شرعيّان مولويّان.
الثانية: يمكن أن يتوهّم أنّ ظاهر قول صاحب الكفاية: «إنّ المهمّ المبحوثعنه في هذه المسألة البحث عن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته»أنّ وجوب كلّ من المقدّمة وذيها أمر ثابت مفروغ عنه، ونحن نبحث في تحقّقالملازمة العقليّة بين هذين الوجوبين الثابتين.
ولكنّه توهّم باطل، لأنّ مراده رحمهالله أنّ طريق استكشاف وجوب المقدّمةمنحصر في الملازمة العقليّة بين وجوبها ووجوب ذيها، فنبحث هاهنا في أنّهذه الملازمة هل هي موجودة حتّى يستكشف بها وجوب المقدّمة أم لا؟
نقد نظريّة صاحب الكفاية من قبل الإمام الخميني قدسسره
وناقش سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام رحمهالله فيما أفاده المحقّق الخراساني بأنّه إنأراد الملازمة بين الوجوبين الفعليّين ـ كما هو ظاهر كلامه ـ فهو واضحالبطلان، ضرورة أنّا في كثير من الموارد نقطع بعدم وجوب المقدّمة وجوب
- (1) والمحقّق الخراساني رحمهالله أيضاً وإن ذكرها في مباحث الألفاظ، إلاّ أنّ الإشكال لا يتوجّه إليه، لتصريحهعلى كونها مسألة عقليّة لا لفظيّة. منه مدّ ظلّه.
ج2
مولويّاً حال كون ذيها واجباً، كما إذا أمر المولى عبده باشتراء اللحم من دونأن يأمره بدخول السوق، فهل يمكن أن يقال: الأمر به دونها لغو، لا يجبالانبعاث به، فيضرب على الجدار ما لم يكن مقارناً للأمر بها(1)؟!
وأمّا إن أراد أنّ البحث في ثبوت الملازمة بين إرادة المولى المتعلّقة بالبعثإلى ذي المقدّمة وإرادته(2) المتعلّقة بالبعث إلى المقدّمة ففيه أوّلاً: أنّه كيفيتخلّف المراد عن الإرادة فيما إذا بعث إلى ذي المقدّمة دونها.
وثانياً: أنّ المولى قد يكون غافلاً عن مقدّمية المقدّمة حين البعث إلىذيها،فكيف تتحقّق الإرادة المتعلّقة بالبعث إليها حال كونه غافلاً عنها مع أنّ تصوّرالمراد أحد مقدّمات الإرادة؟
كما أنّه إن أراد الملازمة بين الوجوب الفعلي المتعلّق بذي المقدّمة والوجوببالقوّة المتعلّق بالمقدّمة، أو بين الإرادة الفعليّة والإرادة بالقوّة(3)، ففيه أنّالملازمة وإن لم تكن من مقولة الإضافة، إلاّ أنّها مثلها في لزوم كون طرفيهمتكافئين غير مختلفين من حيث القوّة والفعل، ضرورة عدم إمكان تحقّقالوصف فعلاً والموصوف في المستقبل، لكونه من قبيل اتّصاف المعدوم بصفةوجوديّة، وهي الملازمة(4).
هذا حاصل ما أفاده الإمام قدسسره ، وهو كلام صحيح.
- (1) إن قلت: يمكن استكشاف وجوب دخول السوق من وجوب اشتراء اللحم، كما أنّا كثيراً ما نستكشفالحكم الشرعي من طريق الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.
قلت: قياس المقام على موارد حكم العقل مع الفارق، فإنّا نعلم هناك أنّ للشارع أيضاً حكماً وإن لم يصل إلينا،بخلاف المقام، فإنّ المفروض هاهنا أنّا نقطع بأنّ المولى أمر عبده باشتراء اللحم من دون أن يأمرهبدخول السوق. منه مدّ ظلّه.
- (2) أي الإرادة الفعليّة، وإنّما قال: الإرادة المتعلّقة بالبعث، ولم يقل: المتعلِّقة بالمقدّمة وذيها، لأنّ فعلالمولى إنّما هو البعث إليهما، وأمّا نفسهما فليسا من أفعاله، بل من أفعال العبد كما هو واضح. م ح ـ ى.
- (3) أي الإرادة الفعليّة المتعلّقة بالبعث إلى ذي المقدّمة والإرادة بالقوّة المتعلّقة بالبعث إلى المقدّمة. م ح ـ ى.
- (4) تهذيب الاُصول 1: 281.